الرئيسة \  مشاركات  \  هُدنةُ الوعر: قراءةٌ في تبعاتها المستقبلية

هُدنةُ الوعر: قراءةٌ في تبعاتها المستقبلية

12.12.2015
د. محمد عادل شوك





على الرغم من الحالة الإنسانية المصاحبة لإبرامها، هذه هي الهدنة الثانية التي تُثوِّرُ النقاش حولها بين المراقبين، لا بلْ بين فصائل الثورة، و كياناتها، و كلٌّ من الفريقين يسعى لأن يَسُوقَ من المبررات ما يقنع به الآخر حول جدواها، أو تبعاتها المستقبلية على مسار الثورة.
فالقائمون عليها يقولون بأنها مكسب كبيرٌ للثورة؛ إذْ في حمل النظام و حلفائه للجلوس مقابلهم على طاولة يكون فيها الراعي و الضامن الأمم المتحدة اعتراف بشرعية الثورة، من النظام و حلفائه من ناحية و من الراعي من الناحية الأخرى، ناهيك عن أن الأبعاد الإنسانية للمُحَاصَرين أهم من تلك الهواجس التي يراها المتحفظون عليها، أو من لا يريد أن تحترق أصابعه بنار الهموم التي يعانيها أهلنا في تلك المناطق.
نعم إن الضرورات التي حملتهم على المضي في هذه الهُدَن، هي موضع نظر و تفهّم، بحسب ما يرى معارضوها، و لكنّ القضية الآن أعقد من أن تُعطى هكذا اعتبارات فحسب.
إذْ فيها يجلس دهاقين السياسة من الإيرانيين، و السوريين ( مجازًا ) الذين أغرقوا المجتمع الدولي أيام لجان المراقبة الدولية بالتفاصيل، ما جعل رؤساء تلك اللجان الواحد تلوى الآخر يُعفي نفسه من مهمته دونما انتظار الرد من الجهة التي انتدبته.
هل أدرك هذا الطرف المفاوض من الثوار أهمية التوقيت الزمني للإعلان عن توقيت اتفاقية الوعر، و من قبلها اتفاقية حمص المدينة، فتأتي هذه في وقت تجتمع فيه كيانات و فصائل المعارضة بشقيها ( السياسي، و العسكري ) ( الداخلي، و الخارجي ) للمرة الأولى في تاريخ الثورة الممتد على مدى خمس سنوات، من أجل التوافق على ثوابت تكون أسسًا للولوج في الحل السياسي المرتقب.
و تأتي تلك في توقيت قدّم فرصة ذهبية للنظام لا تعوّض، إذْ جاءت قبيل أسبوعين من انتخابات الرئاسة التي ظهر فيها الأسد بمظهر يُحسد عليه أمام أنصاره، أو من هو راضٍ بالأمر الواقع رغمًا عنه؛ لقد أعاد حمص ( واسطة العقد في الجغرافية السورية ) إلى حضن الوطن، و سلبَ الثوار عاصمتهم إلى أمد غير معروف.
ثمّ ما هي الحكمة المبتغاة من اقتلاع الثوار، أبناء تلك المناطق ( بمبررات إنسانية، يراها البعض أقرب إلى الذرائع ) من أرضهم و غرسهم في مناطق أخرى في إدلب المحررة، التي يحرص النظام و حلفاؤه على أن يجعلوها خالصة للثوار، في مقابل تلك المناطق التي ستكون ضمن سورية المفيدة في الخطة ( أ ) في لحظة انهيار و تداعٍ يتحسّب لها في قادم الأيام.
يجزم مراقبون أن الذي أسَّسَ لهذه الهُدن الجراحية هو ما آلتْ إليه الأوضاع بعد سقوط القصير الفاجع، فما كان بعدها من تداعيات جعلها حالة مفصلية في تاريخ الثورة السورية، حيث اقتلع سكان منطقة بالقهر و الغصب من أرضهم إلى متاهات الشتات، في سابقة سورية تذكرنا بما كان لأهلنا في فلسطين، مع ضآلة الفارق في القياس بينهما، فكلتاهما كانت على يد متسلل من خارج الحدود، غير أن ما كان في فلسطين على يد شذاذ الآفاق، و أمّا ما كان هنا فعلى يد من طعن السوريون بخنجر الغدر المسموم، بذلك السُّم الذي نقع به سيف أبي لؤلؤة المجوسي.
لو جرت الأمور كما في مفاوضات ( الفوعة ـ الزبداني ) لكنّا بغنى عن هذا التباين في الرؤى، و يبدو أنّ الحضور التركي حينها كان له بعدٌ استراتيجي، أعان المفاوضين من الثوار على تلافي الوقوع في الشباك الإيرانية، الساعية إلى التغيير الديموغرافي لصالح المكونات الطائفية على حساب المصلحة الوطنية، و هو ما جنب بلدتي ( نُبُل ، و الزهراء ) من اندفاعة بعض الفصائل ذات يوم لاقتحامها، حتى لا يكون ذلك ذريعة في تهجير أهلها خدمة للعقلية الإيرانية، التي تتمنى لو أن تركيا لم تحل دون ذلك المسعى.   
يقال أنّ الذي كان وراء هدنة حمص وسيط من دولة عربية صديقة للثورة، و لا ندري من يكون الوسيط الآن في هدنة حي الوعر؟ أهو ذاته صاحب العقلية الاستراتيجية الذي فاته في كلتيهما ضررُ توقيتها؟.