الرئيسة \  واحة اللقاء  \  وإن جنيف لناظره قريب

وإن جنيف لناظره قريب

24.12.2013
د. خليل قطاطو



القدس العربي
23/12/2013
لم يبق’على انعقاد مؤتمر جنيف الثاني سوى أقل من شهر، وأن جنيف لناظره قريب، وفي جنيف يكرم المرء أو يهان. على أن أجندة المؤتمر ومفاتيحه ما زالت مجهولة، وهي بيد الدول الكبرى ومشاوراتها مع قوى المعارضة ومع اتصالاتها السرية، المباشرة وغير المباشرة مع النظام السوري. على أن تعريف المعارضة السورية ليس بالامر السهل الآن، فهي تشمل الجيش الحر والائتلاف السوري والقوى الاسلامية، التي تصنف بالمعتدلة والمتطرفة والأكراد ومعارضة الداخل المسماة بهيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الديمقراطي، التي قام النظام مؤخرا باعتقال عدد من اعضائها وقادتها في خطوة مكشوفة لتلميعهم واعطائهم حجما أكبر من حجمهم وقيمتهم الحقيقية التي لا ترى بالعين المجردة.
لا يخفى على المراقب أيضا ايقاف الدعم الغربي (المؤقت) للمعارضة من امدادات واسلحة، غير فتاكة، مقابل فتك النظام بالمعارضة والمدنيين بالبراميل المتفجرة في حلب وتقدم النظام عسكريا على أكثر من جبهة. الواضح أن الهدف من هذا هو الضغط على المعارضة’والتنزيل من سقف تطلعاتها (ربما الى الحضيض). لا أعتقد أن أحدا يدري ما هي الطبخة التي تعد على نار هادئة جدا في العواصم الغربية.
السيناريوهات متعددة، منها تنحي الاسد مقابل عدم ملاحقته جنائيا،’وعدم ملاحقة حزب البعث والاستشهاد بما جرى في العراق من اجتثاث البعث، وما أدى اليه ذلك من عدم استقرار امني حتى الان، مع ان وضع العراق الطائفي مختلف عن الوضع السوري. هذا السيناريو قريب من السيناريو اليمني، ولا ننسى أن المخرج كان هناك أيضا أمريكيا وبمباركة خليجية. الوضع السوري له خصوصيته من حيث الخوف الغربي من تعاظم’وجود القوى الاسلامية المسلحة وتعاظم الدعم الشعبي السوري لهم. هذا السيناريو هو الأكثر تفاؤلا رغم اعتراض القوى المدافعة عن حقوق الانسان لافلات الجناة من القصاص العادل، بما ارتكبوا من جرائم بحق الشعب السوري، وقتل ما يزيد عن 120 الفا منذ اندلاع الثورة منذ منتصف اذار/مارس 2011.
السيناريو الاخر هو ان تتشكل حكومة وطنية (مصالحة وطنية) لا يستبعد منها رجالات النظام السوري الحالي، بحجة تجنب حرب اهلية وتجنيب البلاد المزيد من الدمار والتقتيل، مع أن امنية هذه الدول ان تتحول سوريا الى دولة فاشلة شرط الا يتفشى الفشل الى دول مجاورة كالأردن مثلا، وهم يدركون ان مثل هذا الحل لن يؤدي الى الاستقرار في سوريا.
السيناريو الاخر هو ان يخرج المؤتمرون بصيغة تصنف القوى الاسلامية العسكرية كقوى ارهابية وتنوط بالحكومة السورية والمعارضة معا بمهمة محاربة الارهاب، مثل هذا المشروع سيرحب به النظام ولا اعتقد ان المعارضة من ائتلاف وجيش حر سيقبل بالاقتتال الداخلي لمصلحة النظام الا اذا هددهم الغرب بتجفيف التسليح ووعدهم بقطعة كبيرة جدا من الكعكة، نظرية العصا والجزرة القديمة المتجددة دوما. الدليل على مثل هذا التوجه هو ما يردده النظام بانه ذاهب الى جنيف لا لتسليم السلطة، بل لمحاربة الارهاب، وكذلك ما بدأ همسا وأصبح الان يسمع صراحة في العواصم الغربية عن ضرورة التصدي للارهاب في سوريا، وطبعا لا يقصدون ارهاب الدولة.
الدول الغربية ربما ترى الان في بقاء الاسد الصغير اخف الضررين عليها من ان يتقلد الاسلاميون مقاليد الامور في سوريا في دولة تحد اسرائيل. الحل الامثل للغرب هو استمرار الصراع، حتى لو رحل الاسد، كرها او طوعا، عسكريا بين القوى الاسلامية العسكرية والاكراد وحزب الله في تكرار للمشهد الافغاني بعد انسحاب الروس.
لا يبدو ان جنيف سترضي الجميع وربما لن ترضي أحدا. ولا يبدو ان اي حل سيؤدي الى استقرار سوريا في المدى المنظور. هذا لا يعني ان الثورة قد فشلت فإرادة الشعوب في النهاية ستنتصر، ولكن لأن كثرة الطباخين حرقت الطبخة، وعلى الشعب السوري ان يبدأ بطبخ طبخته بنفسه حتى يتذوقها ويحس بحلاوتها
الله يستر من جنيف وما سيهب منها.
كاتب فلسطيني