الرئيسة \  تقارير  \  واشنطن بوست: أوكرانيا تتحول لأفغانستان بوتين.. فهل نسي دروس هزيمة السوفييت؟

واشنطن بوست: أوكرانيا تتحول لأفغانستان بوتين.. فهل نسي دروس هزيمة السوفييت؟

05.04.2022
إبراهيم درويش


إبراهيم درويش
القدس العربي
الاثنين 4/4/2022
لندن- “القدس العربي”: قاربت صحيفة “واشنطن بوست” المستنقع الذي خلقه بوتين لنفسه في أوكرانيا، بالفشل السوفييتي في أفغانستان.
وقال غريف وايت، في تقرير بالصحيفة، إن موسكو أساءت تقدير قوة عدوها هذه المرة كما فعلت سابقا. وأضاف أن الكرملين رهن خياراته كلها بانتصار سريع وعملية بدون مشاكل  لحل مشكلة جار خرج عن الفلك الروسي. وبعد أن زحف جيشها “المتغطرس” عبر الحدود إلى أوكرانيا، لم يسر أي شيء حسب الخطة، وفقا للكاتب. وواجهت القوات “الغازية” مقاومة من المقاتلين الذين دافعوا عن وطنهم، وسارع المجتمع الدولي لدعم الطرف الأضعف.
وتحولت الحرب التي قُصد منها إظهار التفوق العسكري الروسي إلى حرب دموية ومظهر محرج عن الضعف، وهي عملية تهدد نجاة النظام المتمترس. وتعثرت روسيا في حملتها التي مضى عليها خمسة أسابيع، بشكل يشبه الغزو المتسرع لأفغانستان والذي أسهم بانهيار الاتحاد السوفييتي أثناء الحرب الباردة. ويحوم ذلك النزاع الذي وقع قبل أربعة عقود فوق الرئيس فلاديمير بوتين، وهو يحاول الخروج من مستنقع خلقه لنفسه.
ويقول المحاربون القدماء، إن بوتين لم يتعلم جيدا من دروس تلك الحرب المهمة، بما في ذلك التقليل من القدرات العسكرية وإساءة الحكم على الأعداء. ونقل الكاتب عن المحلل السابق في “سي آي إيه” بروس ريدل قوله: “أساء الروس تقدير الأفغان في الثمانينات من القرن الماضي. ويبدو أنهم أساءوا تقدير أوكرانيا اليوم”. وقال ريدل: “هناك  على ما يبدو مفارقة في الفشل: فبغزوه أوكرانيا، كان بوتين مصمما على استعادة المجد الذي خسرته روسيا عندما انهار الاتحاد السوفييتي، وهي مناسبة وصفها بأنها أعظم كارثة في القرن. بارتكابه نفس الأخطاء التي لا تزال تلاحق روسيا اليوم، وضع بلاده والقوة الروسية في محل الشك”.
ميلتون بيردن، المسؤول السابق، قال إنه “في محاولته لإرجاع عجلة التاريخ فإن بوتين سيقوم بتكرارها”. وبالطبع هناك الكثير من الاختلافات بين أوكرانيا وأفغانستان. ولو ذكرنا بعضها، فالحكومة الأوكرانية منتخبة بطريقة ديمقراطية مقارنة بأفغانستان التي كانت تحت حكم الحزب الشيوعي قبل الغزو. والحرب اليوم اقتربت بشكل مثير للقلق من حدود الناتو، بدلا من كونها معركة تدور بعيدا عن الغرب.
ولم يمض على دخول القوات الروسية أوكرانيا سوى شهر، أما الحرب في أفغانستان فاستمرت على مدى عقد تقريبا. والحرب في أوكرانيا حسب بعض المحللين تسير نحو الأسوأ. وعندما تدفقت القوات السوفييتية إلى أفغانستان عبر جبال هندو- كوش عشية عيد الميلاد عام 1979، حققت انتصارا في البداية. وكان يحكم أفغانستان حفيظ الله أمين، الذي اعتقدت مخابرات “كي جي بي” أن على علاقته ودية مع “سي آي إيه”. وما فعلته الميليشيات السوفييتية هو قتله في قصره.
وفي أوكرانيا، يقول المحلل الروسي، أناتول ليفين، إن بوتين كان يأمل بانتصار سريع مشابه، وأن “الروس كانوا سيزحفون إلى داخل كييف، وسيهرب زيلينسكي، وستنهار المقاومة الأوكرانية”. وعندما تآمر الاتحاد السوفييتي للإطاحة بأمين، لم يأخذ بعين الاعتبار المقاومة الشديدة أو ما عرف بالمجاهدين الذين شنوا مقاومة ضد أكبر الجيوش التقليدية في العالم. كما لم يتوقع السوفييت تماسك خصومهم الدوليين، الذين عملوا معا على استراتيجية سرية لاستنزاف الجيش الأحمر.
واعتقد الكرملين أن الولايات المتحدة ورئيسها جيمي كارتر سيتردد في المشاركة في عملية خارجية بعدما عانى من مشكلة بعيدة في السياسة الخارجية. إلا أنه وبعد أسابيع من تقدم القوات الروسية في أفغانستان، تم إفراغ حمولة عدة شحنات من السلاح الأمريكي في ميناء كراتشي الباكستاني، وتوزيعها على المجاهدين الأفغان. وقال ريدل الذي كان يعمل في مركز عمليات “سي آي إيه” عندما نزلت فرق المظليين السوفييت في كابول، إن صناع السياسة الأمريكيين اعتقدوا أن أفغانستان ستتحول إلى “فيتنام” الاتحاد السوفييتي.
وبدأت واشنطن بتزويد المجاهدين بالسلاح والمال عبر شركاء في باكستان. وقال ريدل، الخبير حاليا في معهد بروكينغز: “كان هذا هو دور أمريكا (في أفغانستان) وهو الدور الذي يتصوره بايدن وشركاؤه مرة ثانية”. وكما هو صحيح بالنسبة لأفغانستان، فقد أخذت موسكو على حين غرة من دعم الولايات المتحدة لأوكرانيا بالسلاح القادم عبر الحدود. وقبل الغزو، كان الاتحاد الأوروبي والناتو والولايات المتحدة يواجهون انقسامات حادة. وعانى بايدن من هزيمته المهينة بسحب قواته من أفغانستان، ولم تكن لديه شهية للدخول في مواجهة جديدة.
إلا أن الغرب أظهر وحدة غير متوقعة بالوقوف إلى جانب أوكرانيا. وهذه المرة، لم يأت الدعم من الظل بل بشكل علني. كما أن الأسلحة كانت متقدمة هذه المرة. فمعظم الدعم للمجاهدين جاء على شكل أسلحة صغيرة، مثل البنادق، ولم تصل صواريخ ستينغر المضادة للطائرات إلا في السنوات الأخيرة من الحرب.
وفي حالة أوكرانيا، قدمت الولايات المتحدة والناتو آلافا من صواريخ ستينغر وصواريخ جافلين المضادة للدبابات التي زادت من كلفة الحرب على الروس. وقال فيكتوريا نولاند، المسؤولة البارزة في وزارة الخارجية الأمريكية، إن الروس خسروا أكثر من 10 آلاف جندي، وربما وصل العدد إلى 15 ألفاً قُتلوا في أفغانستان. ومع أن الرقم قد يكون مبالغا فيه، إلا أن خسائر الجيش الروسي ربما كانت أعلى.
وقال ليفين، الباحث في معهد كوينسي: “في أفغانستان، استغرقت عملية استنزاف السوفييت تسعة أعوام، لكنها تحدث سريعا في حالة أوكرانيا”. وهذا واحد من الأسباب التي قد تدفع بوتين للبحث عن حل دبلوماسي للخروج من الأزمة. وأرسلت روسيا رسائل متناقضة حول المفاوضات، ويقول المحللون إن الاتفاق ربما كان ممكنا، إلا أن هناك إمكانية لتصعيد بوتين.
وهذا ما فعلته روسيا في الشيشان أثناء فترة التسعينات من القرن الماضي، عندما تبددت آمال الروس بتحقيق نصر سريع، حيث انتقل الجيش الروسي نحو القصف السجادي وحصار المدن. وكانت النتيجة مدمرة ومكلفة، وخلفت معظم الشيشان مدمرة.
وفي مدينة ماريوبول، جنوبي أوكرانيا، بدا وكأن الروس يطبّقون نفس الدرس. ويقول توماس دي وال، الزميل في وقفية كارنيغي، إنه عندما فشلت خطة الروس للسيطرة كييف “لم تكن هناك خطة بديلة، ولهذا لجأوا إلى القصف الذي لا يميّز”. وتركت هذه الأساليب سجلا صارخا، وقالت الأمم المتحدة هذا الأسبوع، إن هناك اكثر من 4 مليون أوكراني غادروا بلادهم منذ بداية الحملة الروسية.
وأكدت وكالة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، أن عدد القتلى بين المدنيين الأوكرانيين زاد عن 1.200، مع أن الرقم قد يكون أعلى. وبالمقارنة، فقد قُتل حوالي مليوني أفغاني أثناء الحرب. وقال علي أحمد جليلي: “عندما أنظر لصور الأوكرانيين وهم يغادرون بلدهم، فإنني أشعر بالارتباط بها. كان علي مغادرة بلدي والرحيل مع عائلتي عبر الجبال”. وعاد جليلي إلى أفغانستان وانضم للمجاهدين “لم يكن أحد من المجاهدين يتخيل هزيمة السوفييت”. وعمل بعد الإطاحة بطالبان وزيرا للداخلية. إلا أن خسائر السوفييت في أفغانستان زادت “وحطمت تعويذة الجيش الذي لا يقهر”.