الرئيسة \  تقارير  \  واشنطن بوست: كيف أصبحت روسيا آخر إمبراطورية عالمية تحارب لاستعادة مستعمراتها؟

واشنطن بوست: كيف أصبحت روسيا آخر إمبراطورية عالمية تحارب لاستعادة مستعمراتها؟

05.04.2022
ساسة بوست


ساسة بوست
الاثنين 4/4/2022
نشرت صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية مقالًا لفريد زكريا، كاتب عمود يهتم بالشؤون الخارجية، سلَّط فيه الضوء على الأسباب الحقيقية، التي تضرب بجذورها في التاريخ، وراء شن روسيا حربها على أوكرانيا، موضحًا أن مسألة توسُّع حلف الناتو كانت أهم هذه الأسباب التي أدَّت إلى اندلاع الحرب الروسية ضد أوكرانيا.
في بداية المقال، يستشهد الكاتب بما كتبه فاييت ثانه نجويين، الروائي الأمريكي من أصل فيتنامي، أن “كل الحروب تُخاض مرتين، الأولى في ساحة المعركة، بينما تُخاض الثانية في ذاكرة التاريخ”. وفي حالة الغزو الروسي لأوكرانيا، كانت بداية الحرب أيضًا تعد انطلاق معركة على التاريخ الذي تسبَّب في اندلاع هذه الحرب، ويستحق الأمر فهم هذا الصراع الفكري، لأنه على الأرجح قد يُسلط الضوء على الفصل الأخير للصراع الحقيقي.
وفي صميم هذه الجدالات التاريخية، تكمن مسألة توسُّع حلف شمال الأطلسي (الناتو)؛ إذ جادل بعض المعلِّقين بأن القرار الغربي بقبول انضمام عدة دول كانت في السابق ضمن الإمبراطورية السوفيتية أدَّى إلى إثارة استياء موسكو العميق والدائم والذي تطور إلى عدوان واسع النطاق، وقد سِيقت في هذه المسألة أسبابٌ وجيهة، قدَّمها بصورة أكثر دقة جون ميرشايمر، الباحث في جامعة شيكاجو، فضلًا عن ما قدَّمه باحثون آخرون على مدار السنين.
روسيا وتداعياته الكارثية
يقول الكاتب: تَصادفَ أنه عندما بدأ الناتو لأول مرة في دراسة مسألة التوسُّع، كنتُ أحد هؤلاء الذين يؤيدون توخي الحذر، وعلى الرغم من أنني لم أكن أعترض على مسألة التوسُّع تمامًا، فقد جادلت بأنه حتى مع قبول الناتو انضمام بولندا وجمهورية التشيك وسلوفاكيا والمجر، يتعين عليه أيضًا أن يبدأ مفاوضات جادة مع روسيا لتأكيد أن أي مزيد من التوسُّع كان جزءًا من ترتيبات أمنية مستقرة تضع مخاوف موسكو في الحسبان وتراعيها.
ويضيف الكاتب: أعتقد أنه واضح جدًّا أن إعلان ختام قمة حلف الناتو، التي عُقدت في عام 2008 بالعاصمة الرومانية بوخارست، كان كارثة، إذ ترك مسألة انضمام أوكرانيا وجورجيا إلى الناتو معلَّقة دون أن يضعهما بصورة واقعية في مسار يؤدي إلى تحقيق العضوية، وكان هذا الإعلان كافيًا لإثارة سخط الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لكنه لم يكن كافيًا لحماية أوكرانيا وجورجيا.
ومع ذلك، وبمرور الوقت، كنتُ أتساءل: كيف سيصبح شكل أوروبا دون توسُّع حلف الناتو؟ وحقيقة الأمر هي أن الغالبية الساحقة من الدول، التي كانت جزءًا من مجال النفوذ السوفيتي، وغيرها من الدول التي كانت ضمن الاتحاد السوفيتي نفسه، أصيبت بصدمة كبيرة بسبب تلك التجربة. لقد كانت الصدمة أكبر حتى من هزيمتهم في إحدى الحروب التي شنَّتها روسيا. ولعقود عديدة، ظلت هذه الدول، من بلغاريا والمجر إلى أوكرانيا وجورجيا، تعيش تحت هيمنة موسكو على حياتها العسكرية والسياسية والاقتصادية والثقافية بالكامل، وكانوا يائسين من تحرير دولهم من سيطرة الاتحاد السوفيتي. ولن يُؤدِّي خذلان هذه الدول وترك شعوبها في حالة من عدم الاستقرار وعدم الأمان في منطقة محظورة بين روسيا وأوروبا إلا إلى زيادة مستوى عدم الاستقرار في المنطقة، لأن روسيا ستظل تحاول السيطرة على هذه الدول، والتي كانت وما زالت تقاوم ذلك.
ويوضح الكاتب أن جهود موسكو الرامية لبسط نفوذها والسيطرة على الدول المجاورة كانت بعضًا من تصرفات قوة عظمى سابقة تحاول إدراك بعض معالم العظمة، بعدما كانت ثرواتها ومواردها المتناقصة سببًا في إذلالها. وكما قلتُ في ذلك الوقت، كان ينبغي للغرب أن يبذل جهدًا أكبر لمساعدة روسيا وإعادة بنائها. (وعلى الرغم من ذلك، تجدر الإشارة إلى أن المنتقدين يبالغون أحيانًا في قدر إدانة الغرب بإهماله روسيا: إذ قدَّمت الولايات المتحدة وأوروبا لموسكو حزمَ مساعداتٍ ضخمة وأنشأت تحالف مجموعة الثماني الجديد الذي أعطى موسكو مقعدًا على الطاولة)، ولكن المشكلة الأكبر قد تتمثل في أننا ننظر إلى أزمة أوكرانيا من منظور سياسات القوى العظمى في الوقت الذي تكون فيه الإمبريالية بمثابة الإطار الأنسب.
الإمبريالية هي المشكلة
يُنوِّه الكاتب إلى أن الاتحاد السوفيتي كان آخر إمبراطورية عظيمة متعددة الجنسيات والقوميات في التاريخ، وفي أوائل تسعينيات القرن الماضي، شاركتُ في مناقشات في جامعة هارفارد، مستوحاة من حديث صموئيل هنتنجتون، عالم السياسة الأمريكي الشهير، بشأن ما تعلمناه من التاريخ عن انهيار مثل هذه الإمبراطوريات، وكان الجواب واضحًا: لقد كان انهيار هذه الإمبراطوريات مصحوبًا دومًا بالجهود الدموية التي تبذلها القوى الاستعمارية لاسترداد أراضيها السابقة والمحافظة عليها، فعلى سبيل المثال، شنَّ الفرنسيون حروبًا وحشية في الجزائر وفيتنام، وقتل البريطانيون أكثر من 10 آلاف شخص في كينيا خلال انتفاضة ماو ماو (المعروفة بتمرد حركة الماوماو السرية، وهم الأفارقة الذين سعوا لإنهاء الحكم الاستعماري البريطاني في كينيا). وفعلوا ذلك ببساطة لأنهم يرون من وجهة نظرهم أن فكرة بقائها قوة عظمى على الساحة العالمية تتطلب التشبث بهذه الجوائز الاستعمارية.
ومن خلال هذا المنظور، يمكن التنبؤ تمامًا بتصرفات روسيا في أوكرانيا، وبعد مرحلة من الوهن الذي اعترى روسيا في التسعينيات (عندما كانت روسيا لا تزال تشن حربًا شرسة للإبقاء على الشيشان)، حددت موسكو لنفسها هدفًا يتمثل في استعادة أعز مستعمراتها السابقة. ويصف بوتين أوكرانيا بأنها لا يمكن فصلها عن روسيا بالطريقة ذاتها التي وصفت بها فرنسا الجزائر في خمسينيات القرن الماضي، وكانت مسألة الإبقاء على الجزائر جزءًا من فرنسا، تحظى بشعبية كبيرة لدى عديد من الذين يُسمَّون بالقوميين الفرنسيين.
وفي ختام مقاله، يُؤكد الكاتب أن هناك مشكلة واحدة فحسب، سواء قبل ذلك أو في الوقت الراهن: إذ لم يكن الجزائريون آنذاك، كما هو حال الأوكرانيين حاليًا، لديهم رغبة في أن يظلوا رعايا للاستعمار، ويُعد هذا الإباء والصمود على الأرض جزءًا أساسيًّا من السردية التي نتجاهلها أحيانًا، ومهما كان القرار الذي ستتخذه واشنطن ولندن وبرلين وموسكو داخل قاعات الاجتماعات المطلية بالذهب، فإن شعوب دول الإمبراطورية السوفيتية السابقة أبدت بوضوح رغبتها في وجود ارتباط سياسي وعسكري واقتصادي وثقافي مع الغرب، وكانوا على استعداد لفعل ما يلزم لتحقيق ذلك، ولذلك، عندما نحكي قصة روسيا والغرب، دعونا لا ننسى تضمين رغبة أوكرانيا وتصميمها في أن تصبح حرة ومستقلة، وأنها تقاتل وتموت من أجل تحقيق ذلك، وربما يكون هذا هو المحرك الحقيقي لهذه القصة.