الرئيسة \  تقارير  \  “واشنطن بوست”: لماذا يتسامح كثير من الأمريكيين مع “الإرهاب الأبيض”؟

“واشنطن بوست”: لماذا يتسامح كثير من الأمريكيين مع “الإرهاب الأبيض”؟

24.01.2022
ساسة بوست


ساسة بوست
الاحد 23/1/2022
بعض الناس يعتقدون أن مجموعات “الإرهاب الأبيض” عبارة عن ممارسة أفعال عنف ضد الأشخاص من ذوي البشرة الملونة الذين كانوا يعيشون في التاريخ الأمريكي السحيق
نشرت صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية نتائج دراسة استقصائية أجرتها فيكتوريا جورفيتش، مرشحة لنيل الدكتوراة في العلوم السياسية بجامعة ولاية أوهايو، وكريستوفر جيلبي، أستاذ العلوم السياسية في الجامعة ذاتها ومدير مركز ميرشون لدراسات الأمن الدولي، لمعرفة مدى تقبُّل الشعب الأمريكي لأفكار جماعات سيادة العِرق الأبيض.
في مستهل تقريرهما يُشير الكاتبان إلى أنه على مدار العام الماضي اعتُقل عدد من المتطرفين البيض، ووُجِّهت ضدهم اتهامات، وقُدِّموا للمحاكمة بسبب دورهم في الهجوم على مبنى الكابيتول الأمريكي في يوم 6 يناير (كانون الثاني) 2021. وربما لم يُعَد كثير ممن احتجوا في ذلك اليوم مُنْتَمين إلى المتعصبين البيض، لكنهم على الأقل كانوا مستعدين لتحقيق رسالة مشتركة بالتعاون مع هذه المجموعات، التي كان من الصعب تفويت خطابها وعدم رؤية أعلامها ورموزها أثناء التجهيز لمسيرة “أوقفوا سرقة الانتخابات الأمريكية”.
يقول الكاتبان إن بعض الناس يعتقدون أن مجموعات تفوُّق العِرق الأبيض أو “الإرهاب الأبيض” عبارة عن ممارسة أفعال عنف ضد الأشخاص من ذوي البشرة الملونة الذين كانوا يعيشون في التاريخ الأمريكي السحيق، لكن أعمال العنف التي تمارسها جماعات “الإرهاب الأبيض” شهدت تصاعدًا خلال السنوات الأخيرة، مثل إطلاق النار على الأشخاص الملوَّنين في كنيسة إيمانويل الأفريقية الميثودية الأسقفية، وحادث إطلاق نار جماعي في كنيس “تري أوف لايف”، بالإضافة إلى مسيرة “وحِّدوا اليمين”. وتبدو أفكار “الإرهاب الأبيض” واضحة أيضًا في السياسات العامة العادية بشأن عدد من القضايا، مثل ضبط الأمن، والإسكان، وغير ذلك كثير.
لكن على الرغم من تصاعد أعمال العنف التي يمارسها “الإرهاب الأبيض”، ومنها أعمال الشغب التي اندلعت في 6 يناير من العام الماضي، وجدت الدراسة التي أجراها الكاتبان أن بعض الأمريكيين يشعرون بالقلق حيال هذه الأنواع من الهجمات بدرجة أقل من الأنشطة المماثلة التي تمارسها مجموعات ذات دوافع مختلفة. ويبدو أن هذا الأمر ينطبق بوجه خاص على الجمهوريين. لذلك أراد الباحثان معرفة السبب في ذلك.
محاولة لاستيعاب التسامح الشعبي مع “الإرهاب الأبيض”
يوضح التقرير أنه عندما يُسأل الناس بصورة مباشرة عن مواقفهم إزاء تفوُّق العِرق الأبيض، يمكن أن تكون إجاباتهم مُضلِّلة. وحتى هؤلاء الأشخاص الذين لا يبالون بشأن أفكار تفوُّق العِرق الأبيض أو غيرهم من الذين يتعاطفون معها يعلمون أن التسامح معها أمر غير مقبول اجتماعيًّا.
ولتفادي الوقوع في هذه المعضلة أجرى الكاتبان بحثًا حول مدى تقبُّل الأمريكيين لأفكار مجموعات تفوُّق العِرق الأبيض من خلال تقديم عدد من الأوصاف لهجمات العنف المتطرف على 1574 شخصًا وسؤالهم عن مدى قلقهم من تلك الهجمات. ويوضح الكاتبان أنهما عثرا على المشاركين عن طريق منصة “لوسِد” عبر الإنترنت. وعلى الرغم من أن الإجراء لم يكن عينة تمثيلية على المستوى الوطني، كان المشاركون يتكونون من 36% من الديمقراطيين، و30% من الجمهوريين، وهي قريبة من النِّسب على مستوى البلاد لكل منهما، وشمل البحث 47% من الرجال، و53% من النساء، وهي نِسب تماثل تقريبًا النِّسب على مستوى البلاد.
طريقة إجراء البحث      
يلفت التقرير إلى أن المشاركين في البحث قرأوا 10 مجموعات من السيناريوهات المزدوجة العشوائية لهجمات العنف المتطرف، وسألوا المشاركين عن أكثر سيناريو يثير قلقهم. وفي ثلاث جُمل زوَّدوا المشاركين بأربع معلومات: اسم المهاجم، وجنسيته، وأهدافه، ودوافعه. وقيل للمشاركين إن الجناة مرتبطون إما بـ”تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)” أو بمجموعات تفوُّق العِرق الأبيض أو حركة “أنتيفا” المناهضة للرأسمالية، والنيوليبرالية، واليمين المتطرف، أو أن منفذي الهجمات ليست لديهم أي دوافع على الإطلاق. وأسفرت هذه السمات عن تكوين 68 سيناريو حصل بينهم تطابق عشوائي. وانتهى المطاف بالمشاركين باتخاذ أكثر من 15 ألف قرار بشأن السيناريوهات التي يرون أنها الأكثر إثارة للقلق.
ونظرًا لأن المشاركين كانوا يختارون بين اثنين من السيناريوهات، استنتج الباحثون أن أية سمة اختِيرت بنسبة 50% في كل مرة لم تُثِر قلق المشاركين. كما استنتجوا أن السمات التي اختِيرت بنسبة أكثر من 50% في كل مرة هي التي أثارت قلقهم، وأنهم كانوا أقل قلقًا حيال تلك السمات التي اختِيرت بنسبة أقل من 50% في كل مرة.
لماذا لا يُبالي الجمهوريون بجماعات “الإرهاب الأبيض”؟
يحاول التقرير بناءً على نتائج البحث الإجابة عن تساؤل مفاده: مَنْ هم الذين يشعرون بالقلق بالفعل من عنف “الإرهاب الأبيض”؟ ومَنْ هم الذين لا يبالون؟ وكان جميع المشاركين من الديمقراطيين والجمهوريين أقل قلقًا بشأن العنف العشوائي الذي ليس لديه دوافع، واختار المشاركون من كلا الطرفين هذا الاختيار بنسبة أقل من 40% في كل مرة. وكان الديمقراطيون والجمهوريون على حد سواء قلقين بشأن الهجمات التي يثيرها “داعش”، واختاروها على أنها أكثر سمة إثارة للقلق بنسبة أكثر من 60% في كل مرة.
لكن عندما تعلق الأمر بحركة “أنتيفا” ومجموعات “الإرهاب الأبيض”، اختلفت المجموعتان. ورأى المشاركون من الديمقراطيين أن أعمال العنف التي تمارسها “أنتيفا” أكثر إثارة للقلق بنسبة 45% في كل مرة، بينما اختار المشاركون من الجمهوريين أنها مثيرة للقلق بنسبة 55% في كل مرة. وفي المقابل اختار المشاركون من الديمقراطيين أعمال العنف التي تمارسها مجموعات “الإرهاب الأبيض” على أنها أكثر إثارة للقلق بنسبة 60% في كل مرة، بينما يرى المشاركون من الجمهوريين أنها مثيرة للقلق بنسبة 50% في كل مرة.
وبعبارة أخرى وجد الجمهوريون أن العنف الذي تمارسه “أنتيفا” أكثر إثارة للقلق من العنف الذي يمارسه “الإرهاب الأبيض”. وهذا صحيح على الرغم من أن “أنتيفا” لم تؤذِ كثيرين خلال السنوات الأخيرة، في حين تكررت هجمات “الإرهاب الأبيض” المميتة.
الحزبية والهجرة والقلق بشأن مجموعات “الإرهاب الأبيض”
يُنوه التقرير إلى أن العديد من مواقف الحزب الجمهوري التقليدية كانت مرتبطة بقلق أقل بشأن هجمات “الإرهاب الأبيض”، لكن أحد المواقف أظهر بصورة شبه كاملة الانقسام الحزبي بشأن “الإرهاب الأبيض”: وهو الموقف من الهجرة. وبالإضافة إلى مطالبة المشاركين باختيار السيناريو المزدوج المثير لقلقهم، سألناهم عن مواقفهم بشأن مجموعة من القضايا، مثل هل “سبَّبت موجات الهجرة الأخيرة إلى الولايات المتحدة ضررًا أكثر من أن تجدي نفعًا”؟ ولم تكن موافقة المشاركين أو عدم موافقتهم على هذه العبارة مؤثرة على قلقهم من العنف العشوائي. وعلى نحو مماثل فإن هذا الاعتقاد لم يؤثر في قلقهم بشأن الهجمات المتطرفة باسم الإسلام.
بيد أن المعتقدات المتعلقة بالهجرة تعقبت مسارات قلق بشأن “أنتيفا” و”الإرهاب الأبيض”؛ إذ اختار المشاركون في الدراسة الاستقصائية، ممن لا يعتقدون أن الهجرة تعد مشكلة، “أنتيفا” بوصفها أكثر إثارة للقلق بنسبة 47% في كل مرة. أما المشاركون، الذي يرون أن موجات الهجرة الأخيرة قد أضرت بالولايات المتحدة، فقد اختاروا أعمال العنف التي ترتكبها “أنتيفا” على أساس أنها أكثر قلقًا بنسبة 55% في كل مرة.
وفي الوقت نفسه يرى هؤلاء، الذين يشعرون بالقلق إزاء الهجرة، أن عنف “الإرهاب الأبيض” والمتطرفين الإسلاميين أمر مثير للقلق بالقدر ذاته، بنسبة 60% في كل مرة. ومع ذلك فإن معارضي الهجرة لا يشعرون بالقلق الشديد إزاء عنف “الإرهاب الأبيض”، معتقدين أنه يُثير القلق بنسبة 51% في كل مرة، بنسبة أقل من التي اختاروها لدرجة قلقهم إزاء حركة “أنتيفا”.
مخاطر تكرار هجمات تشبه هجمات 6 يناير
يُؤكد التقرير أنه على الرغم من مرور عام على أعمال الشغب التي اندلعت في السادس من يناير من العام الماضي، لم يزل الجمهوريون يشعرون بقلق بشأن العنف الذي يمارسه “الإرهاب الأبيض” بدرجة أقل بكثير من الديمقراطيين أو المستقلين. والأكثر من ذلك نجد أن هذا الخلاف الحزبي بشأن مخططات مجموعات سيادة العِرق الأبيض يكاد يكون مثاليًّا بالنسبة لموضوع جوهري في برنامج الحزب الجمهوري: وهو أن الهجرة مضرة بأمريكا.
ويختتم الكاتبان تقريرهما بالقول: بطبيعة الحال لا يُمكن أن تخبرنا النتائج التي توصلنا إليها هل كان السياسيون الجمهوريون ينشرون التحيز بين قاعدتهم الحزبية؟ أم كانت العنصرية وكراهية الأجانب المنتشرة بين أعضاء الحزب الجمهوري هي التي تُشجِّع الخطاب الجمهوري المناهض للهجرة؟ ولا يسعنا أن نقول إلا إن العديد من الجمهوريين، والعديد من الأشخاص الذين يعارضون الهجرة لا يشعرون بالقلق الشديد إزاء التهديد الإرهابي الذي يُشكله العنصريون البيض. وقد يخشى مكتب التحقيقات الفيدرالي من وقوع أعمال شغب وعنف كالتي اندلعت داخل مبنى الكابيتول العام الماضي، لكنه لا يُمثل مصدر قلق لنسبة كبيرة من الشعب الأمريكي.