الرئيسة \  تقارير  \  “واشنطن بوست”: هل سترتفع أسعار الغذاء العالمية بسبب الحرب؟

“واشنطن بوست”: هل سترتفع أسعار الغذاء العالمية بسبب الحرب؟

06.03.2022
ساسة بوست


ساسة بوست
السبت 5/3/2022
نشرت صحيفة “واشنطن بوست” تحليلًا لـ كولين إس هندريكس، أستاذ الدراسات الدولية في كلية كوربل للدراسات الدولية بجامعة دنفر وباحث أول غير مقيم في معهد بيترسون للاقتصاد الدولي، حول تداعيات الحرب التي تشنها روسيا على أوكرانيا على سوق الطاقة وسوق الغذاء العالميين. ويرى الباحث أنه في حين يمكن رفع إنتاج النفط بسرعة لمواجهة النقص العالمي وهو ما يسعى إليه كبار منتجي الطاقة عادةً من أجل جني الأرباح والحفاظ على استقرار السوق، إلا أن النقص في المواد الغذائية يصعب تعويضه ويمكن أن يؤدي إلى تفاقم أزمة الجوع في العالم.
ويستهل الباحث تحليله بالقول: يُعد الغزو الروسي لأوكرانيا أزمة إنسانية وأزمة أمنية عالمية، لأسباب عديدة. وأحد الأسباب التي لقيت اهتمامًا أقل: نظرًا لأن روسيا وأوكرانيا مصدران محوريان للطاقة والغذاء على مستوى العالم، فقد يواجه العالم قريبًا أزمات في أسعار الوقود والغذاء. حتى قبل الغزو، كانت أسعار الغذاء العالمية قريبة من مستوياتها القياسية في ارتفاعها منذ أن بدأت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة في تتبعها في عام 1960، وكانت أسعار النفط أعلى بكثير من المتوسط في 30 عامًا.
ويتساءل الكاتب: فهل سيؤدي الصراع إلى ارتفاع أسعار الوقود والغذاء، وإلى متى؟ إن الجواب معقد. من المرجح أن ترتفع أسعار النفط والغاز وتنخفض كثيرًا في الأيام والأسابيع المقبلة، ولكن مع تغيير طفيف في الأسعار على المدى الطويل. ومن ناحية أخرى، قد تتقلص إمدادات الغذاء في العالم، إذ توفر أوكرانيا 8% من صادرات القمح العالمية و13% من الذرة – وسوف يتعطل هذا الحصاد. وتقدم روسيا 18% من القمح المُصدَّر و39% من زيت السلجم، لكن إذا قيَّدت روسيا الصادرات أو رفضت الدول في جميع أنحاء العالم نقل أو استيراد منتجاتها، فقد يؤدي ذلك أيضًا إلى تفاقم الجوع في جميع أنحاء العالم.
الحرب وأسواق الطاقة العالمية
لفت الكاتب إلى أن النفط والغاز هما أكثر سلعتين يجرى تداولهما على نطاق واسع في الأسواق العالمية. وتستجيب تلك الأسواق – والمضاربون الذين يكسبون المال من الرهانات على ارتفاع الأسعار أو انخفاضها – استجابة متقلبة للأزمات السياسية في البلدان المصدِّرة الرئيسة. خذ على سبيل المثال حظر النفط العربي في عام 1973، والذي خفَّض خلاله كبار مصدِّري النفط الصادرات عمدًا لمعاقبة المستوردين الغربيين مثل الولايات المتحدة وبريطانيا العظمى لدعمهم إسرائيل خلال حرب أكتوبر. وارتفعت أسعار البنزين ارتفاعًا كبيرًا.
ويوضح الكاتب أن روسيا اليوم ثاني أكبر مصدِّر للنفط والغاز في العالم وأوكرانيا هي طريق عبور رئيس للغاز الروسي الذي يعمل على تدفئة المنازل وتغذية الاقتصادات في جميع أنحاء وسط أوروبا وغربها. وارتفعت أسعار خام برنت، وهو المعيار النفطي الأكثر تداولًا، من 96 دولارًا إلى 97 دولارًا للبرميل في 23 فبراير (شباط) ثم إلى أكثر من 105 دولارات بحلول منتصف نهار 24 فبراير مع اتساع نطاق الهجوم الروسي. وبعد عدة أيام، يجرى تداول أسعار النفط في نطاق ضيق ولكنه متقلب من 97 دولارًا إلى 107 دولارات للبرميل.
غير أن الباحث يوضح أنه على الرغم من هذه الزيادات والتقلبات الأخيرة في الأسعار، فمن المرجح أن يكون تأثير الصراع على أسعار النفط قصير الأجل. وقدَّم الاقتصاديان ماسيمو جيدولين وإليانا لا فيرارا تحليلًا لآثار الصراع على أسعار النفط الفورية (أي سعر البرميل الآن) وأسعار العقود الآجلة (أي التسليم بعد أشهر من الآن). لقد نظر الاقتصاديان إلى الصراعات داخل بلد واحد، كما في الحرب الأهلية السورية، والحرب بين البلدين، كما هو الحال مع الغزو الروسي لأوكرانيا. ولم يجدا أدلة كثيرة على أن الصراعات في الدول المصدِّرة للنفط أدَّت إلى ارتفاع الأسعار. وعندما حدث ذلك، استمر التأثير لبضعة أسابيع فقط.
يقول الباحث: في عملي الخاص، لم أجد أي دليل على أن الصراع في البلدان المنتجة للنفط يؤدي إلى ارتفاع الأسعار. وفي حين وجود عدة أسباب، فالمهم هو أن كبار منتجي النفط الآخرين يستجيبون لارتفاع الأسعار عن طريق زيادة المعروض لجني أرباح غير متوقعة قصيرة الأجل وتجنب دفع الاقتصاد العالمي إلى الركود. ونظرًا لأن الاقتصادات خرجت للتو من ركود جائحة فيروس كورونا، فقد يركز المصدِّرون الرئيسون الآخرون تركيزًا خاصًّا على ذلك.
الغزو الروسي وأسعار الغذاء – تأثيرات طويلة الأجل
واستدرك الكاتب قائلًا: لكن هذه الحرب ستضر بصادرات أوكرانيا الغذائية ضررًا أكبر، وسيقع ذلك الضرر على الفور ولبعض الوقت. وأوقفت أوكرانيا بالفعل صادرات الحبوب وأغلقت موانئها حتى تنتهي الحرب. والهدف هو ضمان الإمدادات الغذائية الكافية، لوقف الشراء المدفوع بالذعر المتفشي الذي أخلى أرفف البقالة من السلع، ويعتمد احتمال توقف الشحنات على المدى الطويل على مدى استمرارية الحرب حتى موسم الحصاد الصيفي، عندما تُحصَد المحاصيل الشتوية في أوكرانيا – القمح الشتوي والشعير والجاودار وبذور السلجم، المزروعة في أواخر الخريف.
ورجَّح الكاتب أن الحرب يمكن أن تؤدي إلى تعطيل هذه المحاصيل بواحدة من الطرق المتعددة. أولًا، غالبًا ما تدمر الجيوش المحاصيل عمدًا باعتبار ذلك جزءًا من استراتيجية تجويع الشعوب المحتلة وإكراهها – مثل الأوكرانيين – على الاستسلام. ثانيًا، يمكن أن يؤدي عنف الحرب إلى تدمير الموارد مثل الجرارات وآلات الحصاد ومنشآت المعالجة والبنية التحتية لنقل الأغذية. لقد أدَّى هجوم روسي بالفعل في البحر الأسود إلى تدمير سفينة شحن مستأجرة من شركة كارجيل (Cargill)، كما أفادت أوكرانيا أن الروس دمَّروا أكبر طائرة شحن في العالم، وهي أنتونوف إيه إن-225 ميريا، والتي قامت على مدى عقود بعمليات نقل جوي للطوارئ والإمدادات الطبية. ثالثًا، قد يترك المزارعون والعمال الزراعيون حقولهم للانضمام إلى القوات المسلحة أو البحث عن مأوى أو الفرار من القتال.
وفي حين أن الزراعة الروسية لن تتعطل بسبب القتال، فقد حظرت روسيا عمدًا صادراتها في الماضي بهدف الحفاظ على انخفاض أسعار المواد الغذائية في الداخل. لكن هذه المرة، من غير المرجح أن توقف روسيا صادراتها من الحبوب السائبة، وتعد الحبوب أحد المنتجات القليلة – إلى جانب الطاقة – المستثناة من العقوبات الغربية، ويرجع ذلك في جزء كبير منه إلى الآثار الكارثية التي ستحدثها مثل هذه العقوبات على قضية الجوع العالمي.
أسمدة روسيا قد تؤثر في الناتج الزراعي لعدة دول
ويستدرك الكاتب: لكن روسيا تنتج أيضًا نسبة كبيرة من منتج زراعي رئيس آخر هو الأسمدة. وقد تحركت بالفعل لحظر تصدير نترات الأمونيوم، أحد أكثر الأسمدة استخدامًا في العالم. وسيضر ذلك بنمو المحاصيل في الأرجنتين والبرازيل ودول أخرى مصدِّرة للأغذية. وبما أن الوقود الأحفوري لا يزال جزءًا مهمًا في نقل الغذاء من المزرعة إلى السوق والمائدة، فإن الزيادات في أسعار الوقود ستنتقل إلى مستهلكي الغذاء.
ويرى الباحث أنه على عكس إنتاج النفط، الذي يمكن زيادته بسرعة، لا يمكن للمزارع أن يعود بالزمن إلى الوراء ليزرع محاصيل إضافية لتعويض إنتاج أوكرانيا المفقود. ويمكن أن يكون ارتفاع الجوع العالمي كارثة – وقد يكون له عواقب سياسية وخيمة أيضًا. وعمَّت الاحتجاجات على أسعار الغذاء البلدان النامية والمتوسطة الدخل في الماضي، لا سيما أثناء ارتفاع الأسعار في فترات الكساد في 2007-2008 و2010-2011. ويمكن أن يضر ذلك بالاستقرار في الديمقراطيات وشبه الديمقراطيات، خاصة في وقت تتراجع فيه الديمقراطية في أجزاء كثيرة من العالم.