الرئيسة \  واحة اللقاء  \  واشنطن.. بين الحل والمشكلة

واشنطن.. بين الحل والمشكلة

25.08.2014
وليد أبي مرشد



الشرق الاوسط
24-8-2014
لا وحشية مقاتلي "داعش" ولا مجازرهم "الكفاحية" كانت أكثر تأثيرا على قرار الإدارة الأميركية بإعلان حرب جوية على "داعش" من جريمة قطع رأس الإعلامي الأميركي جيمس فوللي.
مقتل فوللي أضاف إلى دواعي التصدي إلى "داعش" مبررا أميركيا داخليا، كشفه الرئيس أوباما بتذكير مواطنيه أن واجبه القومي والدستوري يلزمه بحماية أمنهم أينما كانوا.
وصف الرئيس أوباما "داعش" بالسرطان الواجب استئصاله من جسد الشرق الأوسط، مؤشر أولي على قناعته بأن الوقت حان لإعادة النظر في سياسة "غسل اليد" من مشكلات الشرق الأوسط، وتكثيف الغارات الجوية على مواقع "الداعشيين" في العراق ربما كان بداية الترجمة الميدانية لعودة التعامل الأميركي "المباشر" مع أزمات المنطقة، وإنْ في نطاق محدود لا يشمل توريط القوات الأميركية في حرب برية في العراق.
ولكن ما هي احتمالات نجاح التصدي الأميركي ل"سرطان" الشرق الأوسط، ما دام بقي مقصورا على الضربات الجوية فقط.. وعلى جبهة العراق فحسب؟
بأي منظور عملي، يصعب على سلاح الطيران الأميركي، بمفرده، إنجاز المهمة التي تعهد بها الرئيس أوباما (وقد يكون فشل الطيران الإسرائيلي في "القضاء" على "حماس" في غزة أفضل دليل على ذلك). وهذه الفرضية تعني أن سلاح الطيران الأميركي بحاجة إلى شريك ميداني يواجه "الداعشيين" على الأرض ليضمن نجاح مهمته.
إلا أن هذا الاعتبار العسكري يطرح، بدوره، تساؤلا بديهيا عن "الحليف" الإقليمي المهيأ للعب هذا الدور؟
إذا صح ما نقلته وكالة أنباء إيرانية عن اجتماعات مغلقة عقدت مع الأميركيين لبحث كيفية تعاون الجانبين على مواجهة "داعش" في العراق، فيبدو أن طهران تطرح نفسها مرشحا جديا لهذا الدور، ولكنها تربطه "بخطوات (أميركية) عملية" للمشاركة في الحرب، الأمر الذي يسمح بالاستنتاج أن مشاركة إيران في الحملة على "داعش" مرشحة لأن تتحول إلى مشكلة لا حل، تماما كما حدث بعد قرار واشنطن تسليح "الجهاديين" في أفغانستان للتخلص من الاحتلال السوفياتي.
وبالنسبة لإيران بالذات، لن تقتصر أبعاد هذه المشاركة على العراق فحسب، فأي تعاون إيراني عسكري مع واشنطن سوف يولّد مشكلات تفوق بكثير ما يمكن أن تحله في العراق، وفي مقدمتها:
- إعادة فتح ملف طهران النووي وسط ظرف إقليمي يستدعي مراعاة مطالب إيران على حساب مطالب المجتمع الدولي، الأمر الذي لمح إليه وزير خارجية طهران، محمد جواد ظريف، بإعلانه، عبر وكالة "مهر" الإيرانية، أن قبول بلاده الاضطلاع "بدور ما" في العراق يستوجب على الجانب الآخر "تقديم شيء في المفاوضات" (حول الملف النووي).
- توسيع ظاهرة الابتزاز السياسي للولايات المتحدة؛ بحيث تشمل إسرائيل التي لن تتهاون في تحريك آليات ضغوطها المعهودة على إدارة أوباما لنيل "تنازلات" أميركية، قد يكون أقلها "غض الطرف" عن رفضها التفاوض على "حل الدولتين".
- إعادة خلط أوراق التحالفات الإقليمية في الشرق الأوسط، وتعديل ميزان القوى (المختل أصلا) لغير صالح الدول العربية في حال تغييبها عن حملة القضاء على دولة "داعش".
من الطبيعي الافتراض أن المخابرات الأميركية تدرك أن "داعش" ليست مشكلة عراقية بقدر ما هي مشكلة إقليمية نمت بذرتها الأولى في سوريا مستغلة ظروف الحرب الأهلية.. فلماذا تقصر واشنطن غارات طيرانها على قواعد "داعش" العراقية فقط؟
التزام واشنطن سياسة عدم التدخل في سوريا لا يبرر تجنيب قواعد "داعش" في سوريا من "زيارات" سلاح الطيران الأميركي، خصوصا أنها أصبحت القاعدة الخلفية لحبها في العراق. إذا كان عدم التدخل يعود إلى رغبة واشنطن في احترام حدود دول سايكس – بيكو، فقد أعفتها "داعش" بنفسها من هذا الالتزام بعد إطاحتها بهذه الحدود لتشكيل "دولتها" على أرض العراق والشام. أما إذا كان يعود إلى حرصها على عدم الظهور بمظهر الداعم لنظام بشار الأسد في حربه على شعبه، فإن نفي هذا الاتهام لا يحتاج إلى أكثر من قرار برفع الحظر عن تزويد فصائل المعارضة السورية المعتدلة بأسلحة نوعية.
إذا اكتشفت واشنطن اليوم أن تعاملها مع الأزمة السورية كان خطأ، فإن الرجوع عن الخطأ فضيلة.