الرئيسة \  مشاركات  \  واشنطن لم ولن تقبل أن يحكم الإخوان مصر .. وأي مونة لها عليهم؟

واشنطن لم ولن تقبل أن يحكم الإخوان مصر .. وأي مونة لها عليهم؟

27.08.2013
الطاهر إبراهيم


منذ تأسست جماعة الإخوان المسلمين في مصر على يد مرشدها الأول الإمام "حسن البنا" عام 1928، أظهرت بريطانيا دولة الانتداب على مصر، عداءها لهذه الجماعة. استمر العداء حتى قيام الانقلاب على الملك فاروق في مصر عام 1952. وكانت مصر شهدت عام 1950 مقاومة قام بها فدائيون من الإخوان المسلمين بقيادة الإخواني المعروف"كامل الشريف" ضد الجيش الإنكليزي بأماكن تمركزه في قناة السويس. انتهت هذه المقاومة حين وقّع عبد الناصر اتفاقية تنظم وجود الجيش الإنكليزي رفضها الإخوان بشدة، فقد اعتبروها مجحفة بحق مصر. أدى هذا الرفض إلى خلاف مع عبد الناصر، ليتطور هذا الخلاف إلى اتهام الإخوان المسلمين بمحاولة اغتيال عبد الناصر وهو يخطب في ميدان المنشية. وقد أعدم ستة من كبار الإخوان، واعتقل الآلاف منهم. هذه المعاهدة أسقطها العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 بمشاركة فرنسا وبريطانيا وإسرائيل بعد تأميم قناة السويس. للتاريخ، إنذار الرئيس السوفييتي "نيكولاي بولغانين" ليس هو من أوقف العدوان الثلاثي، فقد أنذر الرئيس الأمريكي "دوايت أيزنهاور" الدول الثلاثة، وقال: إن عليها أن توقف عدوانها، وأن تسحب قواتها فورا.
فًشلُ العدوانِ الثلاثي أنهى تبعية مصر لبريطانيا، لتدخل واشنطن على الخط  ويصبح الإخوان وجها لوجه مع واشنطن التي أخذت مكان لندن في مصر. منذ ذلك الحين أخذت واشنطن على عاتقها حماية إسرائيل،المهمة التي كانت في عهدة بريطانيا وفرنسا. في الطرف المقابل أخذت كتائب "عز الدين القسام" ذات الانتماء الإخواني على عاتقها مقاتلة إسرائيل بعمليات فدائية داخل الخط الأخضر وفي الضفة الغربية بعد هزيمة عام 1967،   
 لكن، لماذا هذه الفذلكة التاريخية عند البحث في علاقات مزعومة بين واشنطن والإخوان؟
دأبت الأحزاب الليبرالية واليسارية على القول أن اتفاقا من تحت الطاولة أدى لسكوت مزعوم من واشنطن، نجم عنه نجاح الإخوان في الانتخابات البرلمانية والرئاسية في مصر بعد تنحي حسني مبارك في 11 شباط عام 2011. هذه الاتهامات ما كانت لتثير اهتمامنا، لولا أن كاتبة مشهودا لها بالحيادية في تحليل الأخبار أيدت بشكل أو بآخر اتهامات الليبراليين واليساريين.
فقد كتبت روزانا بو منصف بالنهار في22 آب الجاري تحت عنوان: "أميركا وأوروبا وتركيا و"الإخوان المسلمون" الأطراف الذين انكشفوا في مصر".
قالت "بو منصف": إن ( لواشنطن "مونة" على الإخوان المسلمين منذ الانفتاح عليهم ما بعد حوادث أيلول الإرهابية في الولايات المتحدة). لكنها على غير عادتها، لم تقدم أدلة على مونة واشنطن على الإخوان المسلمين بمصر، مع أن المعروف عكس ذلك. فواشنطن والإخوان كانا يدعمان طرفين متحاربين هما إسرائيل وحماس. حتى أن واشنطن ضربت بعرض الحائط كل علاقاتها مع دول عربية من أجل سوادعيون إسرائيل. فأبو مازن اعترف في حينه أن واشنطن عرقلت اتفاقا رعته السعودية سمي "اتفاق مكة" لتشكيل حكومة وحدة وطنية بين فتح وحماس برئاسة "إسماعيل هنية" عقب انتخابات فلسطينية في عام 2006 فازت فيها حماس.   
نلفت الانتباه إلى كتابا وصحفيين في الإعلام المصري وغيره كانوا رهنوا على نطاق واسع، وربما كانت واشنطن تؤمن بهذا الرهان، بأن الرئيس محمد مرسي ما إن يبدأ ولايته  حتى يعلن الخلافة الإسلامية. عندها يكون الإخوان المسلمون قد أنهوا حكمهم بأنفسهم. لكن ما أفزع واشنطن أن الرئيس محمد مرسي قد سار في حكم مصر ديمقراطيا، وأن أخطاءه في الحكم لم تكن أخطاء قاتلة. فأسقط في يدها. 
واشنطن تعرف أن مافعله عبد الفتاح السيسي هو انقلاب مكتمل الأركان. لكنها سكتت وتركت الباب مواربا. فهي لا تريد أن تقول كلاما يؤيد الانقلاب ويحرجها أمام العالم. في نفس الوقت رفضت واشنطن إعطاء محمد مرسي ورقة يشهرها في وجه الانقلابيين. وبمقارنة موقفها هذا بمواقفها مع انقلابات في دول أخرى يتضح للقارئ ما حاولت أن تخفيه واشنطن. فحين أطيح برئيس مالي في آذارمن عام 2012 فقد بادرت بالتنديد به فورا وسمته انقلابا. بالمقابل، فإدارة أوباما حتى الآن، لم تسم استيلاء وزير الدفاع عبد الفتاح السيسي على السلطة انقلابا.وبخلاف موقف إدارة أوباما فإن عضو مجلس الشيوخ الأمريكي "جون مكين" ضرب مثلا في القاهرة يوم7 آب الجاري معتبرا أن ما جرى في مصر انقلابا، قال:(إذا كان يمشي كالبطة وله صوت البطة فهو بطة. الذين في السلطة اليوم ليسوا منتخبين والمنتخبون في السجن). وأضاف مكين: إن الولايات المتحدة تبعث برسائل متضاربة إلى مصر، مطالبا باستخدام نفوذها في مصر. 
وإذا عدنا إلى مقال "بو منصف" نجدها تقول: (ساهمت التطورات المصرية في كشف جانب من الإخوان المسلمين لم يكن يتوقعه كثر من حيث إرادتهم إيصال مصر إلى مخاطر كبيرة، و ربما إلى مشارف حرب أهلية) بحسب تعبير روزانا بو منصف. لا ندري كيف توصلت كاتبة فاهمة مثل "روزانا بو منصف" إلى هكذا نتيجة؟ مع أن كل من تابع الأمور عن كثب يؤكد أن من يدفع مصر إلى حرب أهلية هو من سطا على الحكم وجاء إلى السلطة على ظهر دبابة، لا الذين جاؤوا للحكم ديمقراطيا وعبر صناديق الاقتراع. ربما يشفع للسيدة روزانا قلة ممارستها الكتابة في الشأن المصري لا ستغراقها في الشأن اللبناني والسوري.
كان من الأنسب لمصر ولأمن مصر الاحتكام للدستور المصري الذي أقره ثلثا الذين استُفتوا عليه في شهر كانون أول عام 2012، وما جاء فيه من طرق دستورية لمحاسبة الرئيس محمد مرسي على أخطاء وقع فيها. أما اللجوء  إلى التظاهر الذي دعا إليه الفريق عبد الفتاح السيسي لإطاحة الرئيس محمد مرسي وتعليق العمل بالدستور وتعيين رئيس آخر، والتهويل في أعداد الذين تظاهروا يوم 30 حزيران،وكلها تصرفات جرت خارج القانون. أي أن تصحيح ما فعله محمد مرسي من مخالفات، قد ارتكبت فيه مخالفات ألعن وأدق رقبة.
أخيرا: لم يكن هناك، في يوم من الأيام، أي تعاون بين واشنطن والإخوان المسلمين، بل كان العداء هو سيد التعامل. السبب في هذا العداء هو ما يعتبره الإخوان مشاركة واشنطن بصورة فعالة في دعم إسرائيل ضد الفلسطينيين وخصوصا في غزة!!!    
الطاهر إبراهيم   كاتب سوري