الرئيسة \  واحة اللقاء  \  واشنطن وروسيا.. مرحلة كسر العظم!

واشنطن وروسيا.. مرحلة كسر العظم!

21.10.2015
د.زهير الحارثي



الرياض
الثلاثاء 20/10/2015
    نعيش هذه الأيام أجواء اشتباكات كلامية ما بين واشنطن وروسيا. فقد وصف بوتين السياسة الأميركية في سورية بانها غير بناءة. في حين ان ثمة ضغوطا على أوباما لتغيير استراتيجيته في سورية والذي قال ان موسكو تتجه إلى مستنقع يصعب الخروج منه. اما كيري فقد أشار الى ان الوجود الروسي في سورية سيمدد الصراع هناك في حين انتقد لافروف اميركا برفضها ارسال وفد لموسكو لتنسيق محاربة الإرهاب في سورية.
لا شك ان التقاعس او التراجع الأميركي ان شئت على الخارطة الدولية كان سببا رئيسيا شجع روسيا على المضي في تنفيذ مخططها ليس فقط في أوكرانيا وانما أيضا بدعم عسكري معلن لبشار
الاميركيون يعتقدون ان موقف الروس غير مسؤول بدليل ان اغلبية المناطق التي استهدفوها لا تتعلق بداعش بل بالمعارضة السورية المعتدلة، وان تدخلهم سيجعل الحل السياسي بعيد المنال لأنهم يرغبون ان تكون لهم اليد العليا في سورية، ما جعل البعض يتوقع ان هذا الصراع ربما سيتجه إلى الحسم بمواجهة عسكرية مباشرة محتملة بين اميركا وروسيا.
ورغم كل ما ذكر الا ان هناك من يؤكد وجود تنسيق بين البلدين وثمة عملية تقسيم وتبادل أدوار وتفاهمات ضمنية غير معلنة. وما يدلل على ذلك ورغم سخونة التصريحات ان مسؤولي البلدين ما انفكوا يؤكدون عدم الميل للدخول في صدام عسكري وأوباما قال إنه لن يدخل حربًا بالوكالة مع روسيا في سورية، ما قد يفسره البعض عن توزيع مصالح بينهما في إطار تسويات سياسية معينة.
وان حدث شيء من ذلك فلن تصيبنا الدهشة كونه عالم السياسة وما أدراك ما عالم السياسة، الذي لا يعترف الا بالمصالح الدائمة، فلا صداقة تنفع ولا عداوة تضر. كما ان بعض المراقبين يرون ابعد من ذلك وهو ان داعش ما هي الا كلمة السحر التي تستغلها الدول الكبرى للاستمرار في مخطط تقسيم المنطقة. بالمقابل البيت الأبيض يشعر بالانزعاج من الحراك الروسي وبات يقلق على تراجع دوره في العراق وبداية هيمنة موسكو على بغداد برضا وضوء اخضر إيراني ومع ذلك يعتقد الاميركيون ان التواجد الروسي سيقوده للإنهاك والاستنزاف لا محالة وقد يواجه المستنقع الأفغاني مجددًا في سورية، وسيرافقهم بقية محورهم من دول وحركات، ولذا البعض يعتقد ان واشنطن قد تخسر المعركة مع موسكو تكتيكيا في الفترة القصيرة ولكنها قد تربح على المدى البعيد. ويبدو ان استراتيجية الفوضى الخلاقة تتجدد ولو بصور مختلفة بدليل ان دول المنطقة تعاني بشكل او بآخر وثمة توقعات بنشوب حروب جديدة الا انه ما يهمهم في نهاية المطاف هو مصالحهم اي واشنطن وتل ابيب.
على أي حال ما قيل سابقا فيه الكثير من الصحة وهناك كثير من الأمثلة والمواقف التي شهدنا ما يعزز تلك القراءات لاسيما للتعاطي الأميركي مع الملف السوري.
بطبيعة الحال لم يكن حضور الدب الروسي طاغيا بقدر ما يعكس تراجعا للأحادية القطبية الأميركية التي ظلت على انفرادها منذ نحو ربع قرن. بدا واضحا ان قيصر الكرملين كان قد حسم موقفه ليس من اجل نظام الأسد الذي يربطه بنظامه علاقة استراتيجية فحسب بل ايضا لإعادة توهج روسيا الذي خفت وذلك بلعب أدوار مؤثرة وخلق مساحات نفوذ لبلاده.
والمعروف ان هناك صراعا بين الولايات المتحدة الأميركية وروسيا حول مناطق النفوذ في العالم كالشرق الاوسط واميركا اللاتينية ومنطقة القوقاز فضلا عن ان روسيا تعامل الازمة السورية كأهم معركة لها في البحر المتوسط لأنه بخروجها من هناك يعني انها قد غادرت الشرق الأوسط كله.
بوتين يريد إعادة الإمبراطورية القيصرية. ويبدو ان الروس قد قاموا بمراجعة ذاتية في السنوات الأخيرة وتوصلوا لقناعة مفادها ان فكرة تخليها عن افرازات الحرب الباردة بعد سقوط الاتحاد السوفياتي والغاء فكرة المواجهة مع الغرب وعدم الاهتمام بالشرق الاوسط، تبين انها لم تكن رؤية سديدة لأنها انعكست على فاعلية دورها على المسرح العالمي.
ولكن ما الذي شجع الروس على اتخاذ خطوة جريئة كهذه دون أدنى خشية من عواقبها؟
لا شك ان التقاعس او التراجع الأميركي ان شئت على الخارطة الدولية كان سببا رئيسيا شجع روسيا على المضي في تنفيذ مخططها ليس فقط في أوكرانيا وانما أيضا بدعم عسكري معلن لبشار. صحيح ان الأزمة السورية أعطت زخما وفاعلية للدور الروسي في المنطقة لا سيما بعد المبادرة التي أطلقتها آنذاك لتدمير الأسلحة الكيماوية السورية مقابل وقف الضربة العسكرية الأميركية لسورية وعقد مؤتمر جنيف2، غير ان ما سمعناه بالأمس على لسان وزير الدفاع الاميركي بعزم واشنطن تسليح المعارضة السورية وتقليص برنامجها للتدريب متهما التدخل الروسي بانه سيقوض الحل في سورية وانه سيؤجج التطرف في المنطقة يعني بلا مواربة عودة القطبية والمنافسة وبامتياز. أضف الى ذلك ان دولا كالسعودية وتركيا والاتحاد الاوروبي عبرت عن قلقها من الضربات الروسية وخشيتها من ان تكون حماية لنظام الأسد ضد المعارضة المعتدلة؛ ولذلك فالدور الروسي على المحك.
روسيا حري بها ان تعمل على احترام خيارات الشعوب دون تنفيذ اجندة حلفائها في المنطقة.
صفوة القول: الملاسنة الأميركية - الروسية تعكس عودة الحرب الباردة بين القطبين وتكرس بلا ريب صراعهما على النفوذ في العالم ما يعني ان المنطقة تنحو اما باتجاه انسداد في الأفق السياسي أو ربما فرض حلول وتسويات لا نعرف علم اليقين من سيكون الرابح او الخاسر فيها!.