الرئيسة \  واحة اللقاء  \  واشنطن وطهران... صعوبة "الصفقة الكبرى"

واشنطن وطهران... صعوبة "الصفقة الكبرى"

08.10.2013
د. عبدالله خليفة الشايجي



الاتحاد
الاثنين 7/10/2013
لاشك أن التقارب الذي يشهده الجميع بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران مؤخراً بحاجة إلى كثير من الاستيعاب والفهم وعدم القفز إلى نتائج وتوقعات قد تكون مبالغاً فيها، أو يجانبها الصواب. ولكن هذا لا ينفي ولا يقلل أيضاً من أهمية ومحورية أبعاد هذا الغزل والتقارب بين الخصمين اللدودين بعد 60 عاماً من تدخل الاستخبارات الأميركية في عملية «أجاكس» وإطاحتها بحكومة مصدق رئيس الوزراء الشعبي والمنتخب ديمقراطياً، ثم دعم قمع أوتوقراطية الشاه، ما أسس لعلاقات على وقع خلفية ترتكز عليها العقيدة في المذهب الشيعي حول المظلومية وكربلاء والشهادة والاستهداف.
وقد دخلت العلاقات الإيرانية- الأميركية في مراحل من التصعيد والمواجهات المتواصلة في كثير من الأحيان، وفي أحيان أخرى أيضاً مراحل من التعاون التكتيكي وليس الاستراتيجي. وإبان الحرب العراقية الإيرانية زودت واشنطن طهران بالسلاح فيما عرف بفضيحة «إيران- كونترا»، ولاحقاً تعاونت إيران مع أميركا باعتراف نائب الرئيس الإيراني الأسبق محمد علي أبطحي على إسقاط نظامي «طالبان» في أفغانستان وصدام في العراق. واليوم مطلوب دعم إيران أيضاً لتأمين انسحاب عسكري أميركي منظم من أفغانستان في عام 2014.
ولكن مع كل هذا التعاون بقيت إيران مستهدفة ومعاقبة أميركياً، وعلى لائحة الدول التي تدعم الإرهاب. كما ترى طهران أن واشنطن بكل مؤسساتها من البيت الأبيض والكونجرس والإعلام واللوبيات، وخاصة اللوبي الأميركي الإسرائيلي، تآمرت لمحاصرة وعقاب إيران وزيادة العقوبات، التي توسعت بعد الكشف عن برنامج إيران النووي السري قبل أكثر من عقد من الزمن، لتصبح عقوبات أميركية ودولية عن طريق 4 قرارات من مجلس الأمن تحت الفصل السابع، ثم عقوبات أوروبية، لتصل في صيف 2012 إلى مقاطعة النفط الإيراني. وهكذا وجدت إيران نفسها محاصرة ومعاقبة وغير قادرة على تصدير أهم منتجاتها وهو النفط الذي انخفضت مبيعاته إلى مليون برميل يومياً بدلاً من ثلاثة ملايين.
وفشلت جميع محاولات التقارب أو الانفتاح السابقة بين العدوّين اللدودين على رغم الدور الإيجابي والاستراتيجي الذي لعبته إيران في إسقاط النظامين العدوين والمزعجين بالنسبة لها -«طالبان» في أفغانستان وصدام في العراق- حيث يؤكد أبطحي نائب الرئيس الأسبق خاتمي أن إيران ساهمت بالتعاون مع الأميركيين في إسقاط نظامي «طالبان» وصدام. وساهمت في مكافحة الإرهاب مع الأميركيين، على رغم إبقاء واشنطن لطهران على قائمة الدول التي ترعي الإرهاب. ولكن ذلك التعاون بين العاصمتين كان تكتيكياً وآنياً وليس استراتيجياً، كما ستثبت ذلك التطورات المتلاحقة.
ومنذ البداية بقي الهاجس الكبير وخاصة بعد إسقاط نظام صدام هو تكبيد الأميركيين تكلفة كبيرة في العراق وأفغانستان حتى لا يتسلل إلى عقولهم أن تغيير الأنظمة أمر سهل ومقدور عليه. وكان الهاجس الإيراني على الدوام الخوف من قيام واشنطن بإسقاط نظام الملالي في طهران Regime Change.
ولكن تطوير إيران لبرنامجها النووي الذي تصر على أنه لأغراض سلمية، وأن هناك فتوى من المرشد ضد السلاح النووي، وكذلك تعهد أيضاً الرئيس الجديد روحاني في خطابه الذي سرق الأضواء في الأمم المتحدة بعدم السعي للحصول على السلاح النووي، وهو ما أشار إليه أوباما في خطابه ومقابلاته -وعقب مكالمته الهاتفية التاريخية في نهاية سبتمبر مع روحاني كنقطة انطلاق جديدة لحوار، وإعطاء الدبلوماسية فرصة ستمتحن منتصف هذا الشهر في جنيف من قبل إيران والدول الخمس الكبرى وألمانيا... وكل ذلك التقارب تم بضوء أخضر من المرشد، صاحب القرار النهائي والحاسم في الانفتاح على الولايات المتحدة والغرب، عند إطلاقه مع وصفه في نهاية سبتمبر بـ«المرونة البطولية»، وكف يد الحرس الثوري عن التدخل في شؤون الرئاسة، ونقل الملف النووي من تشدد مجلس الأمن الوطني إلى براجماتية الرئاسة ووزير الخارجية اللتين توصفان بالمعتدلتين.
ولكن الرئيس الأميركي كان أيضاً واقعياً واعترف بأن المظالم والقضايا العالقة بين البلدين لا يمكن تجاهلها أو القفز عليها «أو حلها بين عشية وضحاها، وأنها بحاجة للوقت، وحتى مع ذلك لا توجد ضمانة بتحقيق الاختراق». وعلى رغم هذا يصر أوباما على المضي قدماً وإعطاء الدبلوماسية فرصة «لأن هناك فرصة للتوصل إلى حل». وفي المقابل تفاعل الطرف الإيراني مع هذا الانفتاح والمبادرة الأميركية في أعقاب التراجع الأميركي عن توجيه ضربة لسوريا، الحليف الاستراتيجي لإيران الذي استثمرت فيه على مدى ثلاثين عاماً، واستقبل موقف واشنطن باهتمام كبير.
وقد لا يكون الانفتاح الأميركي، والغزل مع إيران، سوى الأمر السهل، دون التوصل لاتفاقية وتنازلات من الطرفين وخاصة من الطرف الإيراني، وثمة تحديات كبيرة تعيق ليس فقط التوصل إلى اتفاقية حول برنامج إيران النووي، بل أيضاً حتى الصفقة الكبرى التي نسمع عنها منذ سنوات. فهناك الصقور والمحافظون في الكونجرس الأميركي الذين يرفضون تقديم أي تنازلات لإيران. وحتى إذا ما تم التوصل إلى اتفاق مع طهران، فهل يملك أوباما القدرة على الضغط على الكونجرس الذي شل وعطل الحكومة الأميركية، ودفعه لإلغاء العقوبات على إيران؟
الملفت أنه بعد أكثر من أسبوع على المبادرة الأميركية والمكالمة الهاتفية بين أوباما وروحاني لم يعلق على ذلك المرشد، وهناك تيار الصقور في الحرس الثوري داخل مؤسسة الحكم في إيران وإن ألجمه المرشد، إلا أن قائد هذا الحرس محمد علي جعفري لم يفوت الفرصة لانتقاد المكالمة الهاتفية بين أوباما وروحاني. وأكد أن «روحاني تبنى موقفاً حازماً وملائماً خلال زيارته إلى نيويورك، ورفض لقاء أوباما، وكان حرياً به أن يرفض أيضاً التحدث إليه عبر الهاتف، وأن ينتظر أفعالاً ملموسة من جانب الحكومة الأميركية». أما قائد القوات الجوية في الحرس الثوري فقد أكد أنه «لا يمكن نسيان عدوان الولايات المتحدة عبر اتصال وابتسامة لأوباما». وهناك أيضاً إسرائيل المشككة، وما حذر منه نتنياهو في خطابه في الأمم المتحدة بألا نخدع بروحاني «الخادم المطيع للنظام» الذي وصفه بصفات خلت من الدبلوماسية، ووجه نوعاً من اللوم لإدارة أوباما داعياً إياها إلى ألا تذهب بعيداً في الغزل مع إيران، وألا تصدق روحاني الذي وصفه بـ«الذئب في ثياب حمل»، مؤكداً أن إسرائيل حتى لو وجدت نفسها بمفردها، فإنها لن تسمح لإيران بأن تمتلك السلاح النووي.
واضح إذن أن الإرث التاريخي الثقيل، ونزعات الصقور في واشنطن وطهران، والدور الإسرائيلي، ووعورة وصعوبة وتنوع الملفات المطروحة، والتنازلات التي سُتقدم وصولاً لتجريد إيران من سلاح التوازن الاستراتيجي، وملفات شائكة أخرى كثيرة كسوريا والعراق و«حزب الله» والأمن الخليجي، ستعقد وتصعب الوصول إلى الصفقة الكبرى، أو حتى صفقات صغيرة ومحدودة. وهناك مخاوف مشروعة من حلفاء واشنطن في الخليج من أن التقارب الأميركي- الإيراني سيكون على حساب دول المجلس. ولذلك يجب أخذ مصالح حلفاء واشنطن في الحسبان في أي صفقة قادمة على رغم صعوبة التوصل إلى تلك الصفقة أصلاً وتعقيداتها. ولهذا مقال آخر.