الرئيسة \  واحة اللقاء  \  وبدأت التسوية السياسية في سورية

وبدأت التسوية السياسية في سورية

13.04.2016
محمد محفوظ


الرياض
الثلاثاء 12-4-2016
قطار التسوية السياسية الذي انطلق في سورية، سينطلق أيضاً في ملفات إقليمية أخرى.. وحتى يتمكن المنطق التسووي من كل الأطراف، فهو بحاجة إلى فترة زمنية متوسطة.. وسيبقى جميع أطراف الأزمة السورية يتراوحون بين المنطق القتالي، والمنطق التسووي إلى أن تستقر آراء الجميع على المنطق التسووي
وفق كل المعطيات والمؤشرات السياسية المتعلقة بالأزمة السورية وتطوراتها المختلفة، نتمكن من القول إن قطار التسوية السياسية في سورية قد انطلق، مع تراجع ملحوظ في حجم المعارك العسكرية الموجودة في الميدان السوري..
فالنظام في سورية لم يتمكن من حسم المعركة عسكرياً، كما أن المعارضة المسلحة بكل ألوانها وعناوينها لم تتمكن من حسم المعركة عسكرياً..
وحينما تتساوى الأطراف في عدم قدرتها على حسم المعركة عسكرياً، فلا خيار أمام الجميع إلا التسوية السياسية.. والذي سيبالغ الجميع في شروطه وسيكون لسان الجميع: أن الذي لم نتمكن من تحقيقه بالسلاح سنعمل على تحقيقه بالتفاوض والعمل السياسي.. ولكن هذه المبالغة في شروط التسوية هي في جوهرها لتمرير خيار التسوية لدى الأطراف السياسية والاجتماعية الرافضة لخيار التسوية..
لأن من أبجديات التفاوض والتسويات السياسية، أن الأمر الذي لم تتمكن من تحقيقه في الميدان وعبر المعارك العسكرية، لن تتمكن من تحقيقه عبر المفاوضات والتسويات السياسية.. ومن يتعامل بذهنية المعارك العسكرية في مشوار المفاوضات، فإنه لن يتمكن من تحقيق كل ما يطلبه في المفاوضات..
لأن مسار المفاوضات والتسويات السياسية يستند على حقائق ومعطيات الميدان.. ويخطئ من يتصور أنه قادر على تحقيق كل ما يصبو إليه بعيداً عن حقائق الواقع الميداني..
ندرك صعوبة أن تلتزم كل الأطراف بكل مقتضيات الهدنة أو التسويات. ولكن إذا أخذنا حقائق الهدنة الأولى التي جرت بين النظام وأطراف المعارضة المسلحة، نعتبر أن هذه الهدنة مع وجود اختراقات عديدة لها، إلا أنها وفق المقاييس السياسية ناجحة وبالإمكان تكرارها ومعاودتها..
فالحرب الكبرى التي تجري في سورية مكلفة على كل الأطراف.. والاستمرار فيها يعد شكلاً من أشكال التدمير الذاتي لسورية الإنسان والتاريخ والحضارة..
وحينما نقول إن قطار التسوية في سورية قد انطلق، فهذا لا يعني أنه سيصل قريباً إلى نهاية المسار.. لأن التسوية ستستمر مدى من الزمن لتثبيت مبادئ التسوية وجدول الأعمال لقطار التسوية وكيفية الوصول إلى حل سياسي مقبول من جميع الأطراف..
فكما أن الحرب القائمة هي بين أطراف وقوى عديدة، فهي كذلك حركة التسوية ينبغي أن تكون شاملة لكل الأطراف، ومن الضروري لنجاحها أن تكون مقبولة من جميع الأطراف أو في أقل التقادير تكون مقبولة من الأطراف القادرة على ضبط الميدان والسيطرة عليه.. وحينما نتحدث عن تسوية سياسية بعد عدم القدرة على حسم المعركة أو الحرب عسكرياً، فإننا نتحدث عن ضرورة وجود تنازلات متبادلة بين الطرفين.. وأي تلكؤ من قبل أي طرف في تقديم التنازلات، فهذا يعني توقف أو فشل خيار التسوية السياسية.. لا تسوية سياسية بدون تنازل متبادل، وسيبقى القادر في الميدان، أكثر قدرة على التحكم في تنازلاته.. أو أن تنازلاته ستكون أقل من الطرف المقابل في حجمها ونوعيتها..
ورجحان خيار التسوية السياسية في الملف السوري، يعود إلى مسألتين أساسيتين وهما:
المسألة الأولى: عدم قدرة أي طرف على حسم الحرب بالقوة العسكرية، فأصبحت الحرب العسكرية بلا أفق لإنهاء المعارك..
والمسألة الأخرى: هو نضوج خيار الشراكة الأميركية - الروسية، هذه الشراكة هي التي تدير خيار التسوية، وهي التي تضغط لقبول جميع الأطراف بخيار التسوية.. ويبدو أن التوافق الأميركي - الروسي على حل الأزمة السورية بالوسائل السياسية، سيقود إلى تسويات إقليمية في ملفات أخرى..
لذلك نتمكن من القول: إن قطار التسوية السياسية الذي انطلق في سورية، سينطلق أيضاً في ملفات إقليمية أخرى.. وحتى يتمكن المنطق التسووي من كل الأطراف، فهو بحاجة إلى فترة زمنية متوسطة.. وسيبقى جميع أطراف الأزمة السورية يتراوحون بين المنطق القتالي، والمنطق التسووي إلى أن تستقر آراء الجميع على المنطق التسووي..
وحينما نقول إن قطار التسوية في سورية قد انطلق، فلا يعني أن الحرب في سورية قد انتهت، وإنما نقول إنها أضحت من أجل غاية التسوية.. فكل طرف يمارس الحرب من أجل تحسين شروط التسوية..
واجتماعات جنيف بين النظام والمعارضة برعاية دولية، ستؤكد في اجتماعاتها القادمة منطق التسوية.. وسيعمل الروسي والأميركي معاً من أجل نجاحها والضغط على الجميع من أجل القبول بمنطق التسوية في سورية..
وبطبيعة الحال فإن منطق التسوية، لا يغير كل معادلات الواقع السياسي في سورية، وإنما سيغير بعضها بما ينسجم ورؤية الولايات المتحدة الأميركية، والاتحاد الروسي الاستراتيجية لموقع سورية في خريطة المنطقة..
والخلاف الحقيقي بين الطرفين في سورية، هو في طبيعة الحل وحدوده وآلياته..
فكل طرف لديه رؤيته للحل وحدوده، وستكون المعركة السياسية والدبلوماسية منحصرة في هذا الأمر.. فالمعارضة السورية ترى أنه لا تسوية سياسية إلا برحيل الأسد، بينما النظام يرى أن هذه المسألة من الخطوط الحمراء التي لا يمكن تجاوزها.. وإن إخفاق إسقاط الأسد بالحرب والقتال سيؤكد منطق النظام في هذه المسألة. وعلى كل حال ستشهد جميع الأطراف المتصارعة في سورية معركة سياسية ودبلوماسية شرسة ومعقدة، لبناء توافق سياسي، ينهي حالة الحرب في سورية، ويؤسس لواقع سياسي جديد تشترك فيه بعض أطراف المعارضة السورية في بناء نظام الحكم السياسي الجديد في سورية.