الرئيسة \  واحة اللقاء  \  وبدأت مذبحة جنيف

وبدأت مذبحة جنيف

25.01.2014
سمير الحجاوي


الشرق القطرية
الخميس 23/1/2014
جنيف 1.. جنيف 2.. مونترو، أسماء أماكن تستدعي إلى الذاكرة أسماء أخرى مثل أوسلو.. مدريد.. كامب ديفيد.. شرم الشيخ.. طابا، ما يفرق بين هذه الأماكن هو الجغرافيا والأسماء وما يجمع بينها أنها تحولت إلى مصطلحات تعني " التفاوض ثم التفاوض ثم المزيد من التفاوض" مما يعني ضياع الحقوق المشروعة والطبيعية لأصحاب الحق.
في أوسلو بدأت عملية تسوية من أجل حل ما يسمى "قضية الشرق الأوسط"، أي القضية الفلسطينية، وتباحث أعضاء في منظمة التحرير الفلسطينية سرا مع ممثلي الاحتلال الإسرائيلي إلى أن نضجت الظروف لإعلان اتفاق وصف بأنه "تاريخي" بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ونظمت القوى الكبرى حفلة عالمية في مدريد لإطلاق ما يسمى "عملية السلام" بحضور كل الشهود، وعندها توعد رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي بالتفاوض 100 عام كاملة، والآن بعد 20 سنة من المفاوضات العبثية مازال الشعب الفلسطيني مشردا وقطاع غزة محاصرا وآلة الموت الإسرائيلية تعمل ليل نهار والاستيطان يستشري والمستوطنون يبتلعون الضفة الغربية والقدس وحكومة الاحتلال تهود القدس وعلى وشك أن تقسم المسجد الأقصى بين المسلمين واليهود، رغم كل المفاوضات التي تنقلت في مدن العالم من شرقه إلى غربه.
الآن يستنسخ النظام السوري في جنيف ما فعله الكيان الإسرائيلي، فالثورة السورية تحولت إلى "أزمة"، ومطلب إسقاط النظام تحول إلى التفاوض على "إقامة حكومة انتقالية"، ونجح نظام الأسد، بمساعدة روسيا وإيران وحزب الله من استعادة المبادرة وصمد في مواجهة الثورة الشعبية التي وصلت إلى أعتاب دمشق، وتمكن بدعم من "أصدقائه الحقيقيين" من إعادة تأهيل نفسه عالميا، وفرض نفسه طرفا في مواجهة الشعب السوري كله باستثناء الأقلية التي تحتضنه.
بعد 3 أعوام من الثورة والتضحيات والدماء والدموع والدمار يصدر العالم "مذكرة جلب" للمعارضة السورية إلى جنيف من أجل التوقيع على "تسوية" مع نظام الأسد الإرهابي من دون شروط أو ضمانات
يذهب وفد الأسد إلى جنيف "لاستعادة أهليته عربياً ودولياً مشفوعاً بصمت دولي وأممي مريب يلامس حد التواطؤ. يذهب وفي جعبته سياسة القتل جوعاً وحصاراً وتحت صواريخ سكود وبراميل الموت والغازات السامة، مدعوماً بالميليشيات الطائفية التي استقدمها للدفاع عنه، ومحصناً بأصدقاء يقدمون له كل أسباب والحماية والاستمرار. ومشفوعاً بالمخططات الإقليمية والدولية التي تستهدف إجهاض الثورة ومنعها من تحقيق أهدافها"، كما قال جورج صبرة رئيس المجلس الوطني السوري.
ويضيف صبرا: في المقابل "يمضي الذاهبون إلى جنيف من المعارضة بمحفظة مثقلة بالوعود والأوهام والدعم الإعلامي وكل أشكال التزيين والتزويق وأحياناً التزوير بهدف تجميل ما لا يمكن تجميله، ووضع السراب في موضع الحقيقة، مدعومين بأصدقاء تثقلهم التباينات والخلافات والاستقطابات. وفي ظل انقسامات حادة في الائتلاف وبين صفوف المعارضة، وعلى أرضية فجوة كبيرة مع الداخل وقوى الثورة الفعلية، وفي ظل محدودية لا يمكن التستر عليها في القدرة على تلبية جزء من احتياجاته"، وهو ما غرى وزير خارجية الأسد إلى نعت المعارضة بالخيانة في "حفلة افتتاح المؤتمر" ويقول إن من يريد "التحدث باسم الشعب السوري لا يجب أن يكون خائنا للشعب وعميلا لأعدائه"، وحدد وظيفة المؤتمر بدعوته إلى "التعاون يدا بيد لمكافحة الإرهاب والحوار على ارض سوريا". وشرب المعلم حليب السباع وهاجم وزير الخارجية الأمريكي جون كيري زاجرا إياه: "لا أحد في العالم.. سيد كيري.. له الحق بإضفاء الشرعية أو عزلها أو منحها لرئيس أو حكومة أو دستور أو قانون أو أي شيء في سورية"، ردا على إعلان كيري "إن بشار الأسد لن يكون جزءا من أي حكومة انتقالية، ومن المستحيل تصور أن يستعيد الرجل الذي قاد الرد الوحشي على شعبه الشرعية ليحكم".
وهنا جاء التدخل الروسي على لسان وزير الخارجية سيرغي لافروف بقوله إن المفاوضات "لن تكون سهلة ولا سريعة" مؤكداً أن سبب المشكلة هم "المتطرفون القادمون من جميع أنحاء العالم والذين يزرعون الفوضى في سوريا ويقوضون الأسس الحضارية والديمقراطية للبلاد التي تشكلت على مدى مئات السنين"، وفي الجهة الأخرى دعا رئيس وفد المعارضة السورية أحمد الجربا وفد نظام الأسد إلى توقيع وثيقة "جنيف-1" من أجل "نقل صلاحيات" الرئيس بشار الأسد إلى حكومة انتقالية، وهو ما عقب عليه كيري بقوله "علينا أن نتعامل مع الواقع هنا.". مستطردا انه لن يكون في سوريا الجديدة مكان "لآلاف المتطرفين الذين يعتمدون العنف وينشرون أيديولوجيتهم الحاقدة "، وهو بذلك يتفق مع نظيره الروسي. ووحده وزير الخارجية الألماني فرانك-فالتر شتاينماير اعتبر أنه لا يتوجب توقع حدوث "معجزة" في المؤتمر، وقال شتاينماير "لن يكون هناك معجزات في هذه الأيام".
حقيقة الأمر أن ما يجري في جنيف او بالأحرى في مونترو "مذبحة سياسية" للثورة السورية تكمل المذبحة الدموية على الأرض، فالثورة التي لم يكن لها "أصدقاء حقيقيون" ذبحت بالبراميل المتفجرة والأسلحة الكيماوية والحصار والجوع وها هي تذبح اليوم سياسيا من أجل "تشكيل حكومة انتقالية من ممثلين للنظام والمعارضة"، أي أن يصبح القاتل والمجرم والإرهابي الذي ذبح الشعب السوري شريكا في حكم شعب قتله من الوريد إلى الوريد.
نجح نظام الأسد الإرهابي بالخروج من عنق الزجاجة واكتسب اعترافا عربيا ودوليا بان "شريك" رغم المذابح، وحول القضية من "إسقاط النظام" إلى مسائل فرعية وقضايا هامشية، تماما كما فعل الكيان الإسرائيلي في مفاوضاته مع الفلسطينيين.