الرئيسة \  واحة اللقاء  \  وتستمر المجازر ..

وتستمر المجازر ..

22.08.2013
د.رحيل الغرايبة

الدستور
الخميس 22/8/2013
مجزرة الكيماوي في حي الغوطة في دمشق أمس أسفرت الإحصاءات الأولية عن تقدير عدد القتلى بـ ( 1300) قتيل، مع قابلية هذا العدد الى الزيادة، بحسب بعض المصادر المطلعة الى أكثر من (2000) قتيل في يوم واحد.
 لم يعد المواطن العربي يملك القدرة على عد الجثث، ولم يعد الإنسان العربي يملك التأهيل النفسي ليطيق النظر الى بشاعة الجريمة التي لم تعد حدثاً عابراً ثم يتوقف، بل إن عدد القتلى بازدياد، وأصبح الدم المسفوح يشكل طوفاناً يستعصي على الاستيعاب من قبل أصحاب كاميرات التصوير.
 إن أحداث مصر الأخيرة أعطت دفعة قوية لطواغيت دمشق لمضاعفة حمم الموت، وشكلت لديهم جرأة غير مسبوقة في الإقدام على استعمال أسلحة التدمير الشامل ضد المدنيين إذا استطاعت أن تحصد من الأطفال ما لم تحصده الحرب العالمية الأولى والثانية.
 لقد كانت المفارقة الصادمة لكل من يملك بقايا إنسانية أن يتم اطلاق صواريخ تحمل قنابل كيماوية في الوقت الذي يأتي فريق من هيئة الأمم المتحدة للتحقيق بشأن استخدام اسلحة كيماوية قبل أشهر عديدة سابقة، يشكل هذا الحدث رداً على الجهود الأمنية الخجولة في الاطلاع على الحقيقة.
 إن صمت العالم الطويل والمستمر على جرائم النظام عبر سنتين منصرمتين ينبئ عن تواطؤ المنظمات الدولية التي ولدت من رحم الاستعمار الدموي الرهيب الذي شرّع لحروب القتل والإبادة، بحق الشعوب المستضعفة وبحق الجماهير العزلاء.
 إن منظر الأطفال المختنقين يثير في النفس الغثيان والقيء، ويجعلها أقرب الى الذهول والصدمة، ويؤدي الى إثارة كل مظاهر التقزز الذي يستعصي على الوصف، ويفوق قدرة الأعصاب الآدمية على تحمل المزيد.
 مناظر تدعو الكاتب الى جفاف قلمه، والعزم على تطليق السياسة، وتطليق الكتابة وتطليق الحديث مع البشر بكل شأن عام، ويذكر بما قال ابن كثير عندما أراد أن يؤرخ لسقوط بغداد تحت أقدام التتار، الذين قتلوا الإنسان ودمروا البنيان، وأحرقوا الكتب، ورقصوا على أكوام الجثث المتعفنة وشربوا أنخابهم الممزوجة بدماء الضحايا، فقال وددت لو كنت مت منذ زمن بعيد ولم أشهد هذا اليوم، ولم أعبر هذا الزمن وكنت نسياً منسياً.
 لم يتخيل ابن كثير وغيره من المؤرخين، أن تتعرض الشعوب العربية والأمة الاسلامية الى ما هو أبشع من غزو التتار، ولم يخطر ببالهم أن تتعرض هذه الشعوب إلى حرب إبادة من أنظمة محلية وجيوش محلية تسفك دم شعوبها وتقتل جماهيرها التي تمد هذه الأنظمة بالمال، وتدفع لها الضرائب التي تشتري بها أدوات الجريمة وأسلحة التدمير الشامل والتي ما استعملت يوماً ضد عدو خارجي، أو لصدّ هجوم مسلح من أعداء الأمة.
تلك الأنظمة التي لا تجرؤ على اطلاق طلقة واحدة على طائرة غازية تضرب في عمق عواصمها، فهل يمكن أن تتجرأ على استعمال السلاح الكيماوي ضد العدو الصهيوني الذي احتل أرضها منذ (46) عاماً، وهو رقم قابل للزيادة؟
أبشع من ذلك كله وأكثر تقززاً استمرار مخادعة النفس واستمرار الضحك على الذات الى حد القهقهة، وممارسة الانتحار الفكري والسياسي من خريطة الوجود، من خلال التلذذ بتعذيب الضحايا، واتقان التفنن في أساليب الساديّة النفسية التي لا علاج لها ولا شفاء.