الرئيسة \  مشاركات  \  وثائقُ بنما: هلْ تكونُ كُرةَ ثلج في سورية

وثائقُ بنما: هلْ تكونُ كُرةَ ثلج في سورية

09.04.2016
د. محمد عادل شوك




لمْ تطوَ صفحات بنكي المدينة و العودة، و ملفات تبييض الأموال، و الصفقات المشبوهة للنفط العراقي مقابل الغذاء، التي أفاض موقع بوليتكس في ( 2/ 12/ 2012 ) الحديث عنها، و التي أظهرت حجم الفساد المالي للدائرة الضيّقة من بشار الأسد، و من أخيه ماهر، من خلال شبكة المسؤولين النافذين في لبنان حينها ( سوريين، و لبنانيين )، حتى جاءت ( وثائق بنما ) لتُعِيدَ هذا الملف إلى الواجهة ثانية.
تكشف هذه الوثائق المسرّبة من مكتب ( موساك فونسيكا ) للخدمات القانونية في بنما، الذي أسسه المحامي الألماني المولد جوردجان موساك، و المحامي البنمي رامون فونيسكا ( أُنهي عمله كمستشار لرئيس بنما خوان كارلوس فاريلا قبل شهر )، و يُعدُّ ( رابع ) أكبر مكتب للمحاماة في العالم، على حدّ وصف صحيفة الجارديان، و عادةً ما يحاطُ عملُه بسرية شديدة.
تكشف هذه الوثائق التي حصلت عليها صحيفة ( زود دويتشه تسايتونج ) الاستقصائية الألمانية، من مصدر مجهول، و تمّت مراجعتها من صحفيين في (80 ) دولة، مسجلين في الاتحاد الدولي للصحافة الاستقصائية، معلوماتٍ عن استثمارات مالية لصالح شخصيات سياسية في غير بلدانها؛ و هو ما قد يمثّل ( فضيحة العصر الكبرى ) لكثير منهم، بحسب رأي ( جيرالد رايل ) مدير الائتلاف الدولي للصحفيين الاستقصائيين؛ نظرًا لحجم الوثائق المسربة ( 11،5) مليون وثيقة، بحجم بيانات ( 2.6 ) تيرابايت.
و تحوي معلوماتٍ عن (140 ) مؤسسة تعنى بالحسابات الخارجية لرؤساء الدول، و شخصيات عامة و سياسية أخرى بارزة في الأعمال و الشؤون المالية، قام المكتب بمساعدتهم في التهرب الضريبي؛ بإنشاء ملاجئ ضريبية غير شرعية لهم في غالب الأمر، من بينهم ( 72 ) شخصية من مسؤولي الدول الحاليين و السابقين،  منهم:
حسني مبارك ونجله علاء، و معمر القذافي، و بشار الأسد و أقاربه، و الرئيس الأرجنتيني ماوريسيو ماكري، و إياد علاوي، و رئيس وزراء أيسلندا ( استقال الثلاثاء: 5/ 4/ 2016 )، و رئيس أوكرانيا، و نواز شريف، و نجل كوفي عنان، و والد ديفيد كاميرون، و بوتين و عدد من أقاربه، و شخصيات أخرى قيادية في الصين، و كوريا الشمالية، و إيران، و زيمبابوي.
لقد كشفت هذه الوثائق الكثير من الاستثمارات العائدة لعائلة الأسد في الخارج، ولاسيّما ما هو موجود منها في بريطانيا، التي أقامَ فيها فترة من الزمن، و تتمتع زوجته بجنسيتها.
ففي تقرير نشرته عنها صحيفة الغارديان البريطانية، الثلاثاء ( 5/4/ 2016 )، فإنّه قد عَهِدَ الأسد لرجل الأعمال السوري ( سليمان معروف ) نيابة عنه و عن زوجته، بالاستثمار في ( 6 ) شقق فاخرة في لندن بقيمة ( 6 ) ملايين جنيه إسترليني، من خلال شركات مقرها جزر فيرجن البريطانية، منها شقة مطلة على النهر بـ ( مليون )، تقع على رصيف سانت جورج في فوكسهول، و أخرى بـ ( مليون و مائتي ألف ) في مبنى Albion Riverside الواقع في باترسي، فضلاً على شقة أخرى بـ ( مليون و ثلاثمائة ألف ) في سانت جونز وود.
و نظرًا لأنّ ملكية هذه الشقق في جزر فيرجن، فإنّ الضرائب القانونية عليها منخفضة جدًا، و كانت لوقت قريب معفاة من الضريبة العقارية، و ضرائب الأرباح المفروضة على غير مواطني بريطانيا.
وفي سنة ( 2012 ) جُمِّدت أصوله المالية في أوروبا؛ لأنّ العقوبات المفروضة عليه وصفته بأنّ مقرب من آل الأسد، فمُنِع من التصرف بشققه اللندنية ما لم يحصل أولاً على رخصة بذلك، بيد أن تلك العقوبات لم تدم طويلاً، فبدعم من وزير الخارجية آنذاك ويليام هيغ، أزيل اسمه من قائمة الاتحاد الأوروبي السوداء في ( 6/ 2014 ).
و ما زال نشطًا في مجال الاستثمار العقاري في بريطانيا، منذ أن رفعت العقوبات عنه، إذْ تظهر ( وثائق بنما ) أنه في ( 9/ 2014 ) قام بتسجيل شركتين جديدتين في جزر فيرجن البريطانية، تحملان أسماء عناوين لندنية، الأولى:  Regent Court Investments 59 Limited، و الثانية: A Regents Gate Limited 7، و في ( 11/ 2014 )، حصلت شركته الأولى على شقة تحمل نفس العنوان الموضح أعلاه، و تقع في سانت جونز وود بقيمة نصف مليون جنيه.
و قد أكّدت السلطات الضريبية على أن هذه الشركات متماشية مع قوانين بريطانيا الضريبية، و أنّ السلطات الرسميّة على علم كامل بأن سليمان معروف هو مالك هذه الشركات والمنتفع منها، و لا شائبة قانونيّة تحيط بعمله هذا.
يرى مراقبون في توقيت هذه التسريبات الكثير من علامات الاستفهام، و تدور حول ضحاياها المحتملين تكهُنات كثيرة، على غرار ما كان من التسريبات الأولى، التي أتت على جملة منهم، كرستم غزالي و آصف شوكت، و حتى رفيق الحريري، الذي يُرجّح اغتياله بناء على رغبته في العودة إلى رئاسة الوزراء؛ تمهيدًا للحدّ من التغلغل السوريّ الاقتصادي في لبنان.
و لاسيّما أنها جاءت في وقت ما تزال تُصرُّ فيه روسيا، على إبعاد الحديث عن رحيل بشار في المرحلة الحالية، فهل تكون هذه التسريبات كرة ثلج في سورية، و حتى في روسيا مع قرب الانتخابات البرلمانية فيها في ( 9/ 2016 )، و يسعى من خلالها بوتين للبقاء في الحكم مجددًا بعد ( 2018 ).