الرئيسة \  واحة اللقاء  \  وحــدة سـوريا

وحــدة سـوريا

08.09.2013
غازي العريضي



الاتحاد
السبت 7/9/2013
أبلغني دبلوماسي عربي عتيق، مطلّع على كواليس وأسرار الاتصالات المتعلقة بالأزمة السورية، وأوضاع المنطقة ما يلي: "لقد وصلنا إلى نقطة صعبة مع الإدارة الأميركية صارحناها بشكوكنا وأسئلتنا الكثيرة حول مواقفها مما يجري في سوريا. طرحنا مخاوفنا لأننا لسنا مقتنعين بما تقول وبما تفعل. فهي لا تريد تسليح المعارضة خوفاً من وصول السلاح إلى المتطرفين. ووصول المتطرفين أولاً ثم وصول السلاح إليهم لم يتوقف حتى الآن، حتى أصبحوا القوة الأكثر حضوراً على الأرض. وأميركا تعتبرهم إرهابيين. وسألنا: ماذا عن السلاح في يد النظام؟ وماذا عن مدّه بكل أنواع الأسلحة؟ وماذا عن السلاح الكيميائي الذي استخدم سابقاً والغازات المتنوعة التي استخدمت مراراً؟ كان الجواب الدائم: هذا أمر آخر. لقد أعلن أوباما أنه خط أحمر. فإذا استخدم النظام السلاح الكيميائي سوف يكون تحركاً عملياً لنا! لم نقتنع ونحن نرى المتطرفين يزدادون قوة. وأميركا تدعونا إلى مقاتلتهم! كيف وبمن؟ ومتى؟ ولماذا؟ وما هو الهدف؟ طرحنا كل هذه الأسئلة والمخاوف، ولم نتلق أجوبة شافية. وحصل في الفترة الأخيرة تطوران: الأول تمثل بالحركة الشعبية القوية التي أطاحت بالرئيس مرسي وحكمه في مصر، والثاني استخدام النظام في سوريا الأسلحة الكيميائية في قصف الغوطتين في الشام!
بالنسبة إلى الأمر الأول زادت خشيتنا، وبدا الموقف الأميركي فضيحة. انحازوا إلى "الإخوان المسلمين" علناً. والذريعة أن مرسي جاء بانتخابات وهم مع ما تفرزه الانتخابات! لم يقفوا عند أبعاد الحركة الشعبية ومعاناة الشعب المصري وما كان يجري. لقد زاد هذا الأمر قلقنا ووقع خلاف مع الأميركيين. أقدمنا، وبدت الهوة واسعة بيننا.
فيما يخص سوريا تحركنا نحوهم. كانوا مترددين، لا يريدون رداً على سوريا، لا يريدون تدخلاً، طالبناهم بحزم بفتح حقيبة صور ومعلومات وتسجيلات الأقمار الصناعية ومحطات التنصت التابعة لهم لا سيما بعد أن تسربت معلومات رسمية عن مسؤولية النظام في ما جرى، وتم تعميمها من قبل دول حليفة لأميركا، وهي تعارض ضرب سوريا واللجوء إلى استخدام القوة وتفضل قراراً من مجلس الأمن. مما يضفي صدقية على خلفية نشرها للمعلومات وموقفها منها. ومع ذلك ترددت الإدارة الأميركية إلى أن تحركت وحددت موعداً للضربة، ثم قررت اللجوء إلى الكونغرس، ويبدو أننا ذاهبون في اتجاه توجيه ضربة لنظام الأسد في سوريا".
وأضاف الدبلوماسي العربي الكبير: "لا نزال مختلفين حول مصر. ومواقفنا متباعدة. ركيزتنا الأولى في ما قمنا به واتخذناه من خطوات هو حركة الشعب المصري واحتضانها من قبل الجيش. أما في سوريا فشكراً لبشار، الذي فقد صوابه وذهب إلى استخدام الكيماوي لكي يتحرك العالم وعلى رأسه أميركا! ونحن مقتنعون أن أميركا لم تكن تريد التدخل، وإيران وروسيا لم تريدا استخدام هذا السلاح. لقد أحرج بشّار الجميع حلفاء وأصدقاء وأعداء، فكان لا بد من التحرك. لولا ذلك لما تحرك أحد فعلياً. ولا نعرف إلى أين سنصل، لا نزال في البدايات"!
قلت: في البدايات؟؟ قال: نعم. في البدايات. ليس ثمة شيء محسوم". قلت : " ولماذا التأخير. لماذا التردد" ؟ قال: "العراق يا أخي. العراق الرئيس أوباما يقول إنه لا يريد تكرار تجربة العراق، لايتحمل مثل هذه العملية. كان في طليعة المنتقدين لما جرى في العراق، ولنتائج تلك الحرب، فلا يمكن أن يقود حرباً مماثلة، بل هو يذهب إلى الانسحاب من العراق وأفغانستان وكل النقاط الساخنة ولا يريد حروباً، وحمل العراق ثقيل عليه وعلى الأميركيين، وقد بدا ذلك من خلال استطلاعات الرأي حول الضربة لسوريا. نسبة عالية من الأميركيين لا تريد الضربة، بالتأكيد هي لا تريد بشار الأسد ونظامه، ولا تدافع عنهما. والصور التي نشرت في وسائل الإعلام الأميركية حول استخدام الكيمياوي أثارت الناس وحرضتهم، ولكن الشكوك كثيرة حولها نظراً لتجربة رواية أسلحة الدمار الشامل، التي قدمت في السابق أساساً لضرب العراق. إن دخول أجهزة أمنية غربية أخرى على الخط وكشف معلومات إضافية خصوصاً من قبل أجهزة المخابرات الألمانية المعروفة بعلاقاتها مع سوريا وإيران و"حزب الله" وانفتاحها، ومع موقف المستشارة ميركل ضد ضربة سوريا وضد المشاركة في أي عمل أضفى طابعاً من الصدقية والجدية على المعلومات والأدلة التي قدمت. ومع ذلك ينبغي ألا نتجاهل أثر الحرب على العراق في دوائر اتخاذ القرار في أميركا".
قلت: هذا مفيد في جانب من جوانبه. فالاستفادة من دروس وتجارب وعبر الماضي القريب والبعيد، ومن الأخطاء التي ترتكب والعمل على تجنبها أمر مهم جداً بل ضروري وينبغي أن يكون أساساً في اتخاذ أي قرار بشأن أية قضية مشابهة. وفي الحال السورية من المفيد جداً التفكير بالضربة وما بعدها. بمعنى ألا تحول سوريا إلى عراق آخر. فتدّمر فيه الدولة. ويدمّر الجيش، وتدمّر المؤسسات، وتعّم الفوضى وتكون الساحة السورية مسرحاً لكل أنواع الاقتتال المذهبي والطائفي والقومي وتسود شريعة الغاب. ولا يعود ثمة إمكانية للّم سوريا وأوضاعها. ستكون كارثة كبرى على سوريا ومحيطها وستصبح تجربة العراق قاعدة عامة وهذا لن يحمي سائر الدول في المنطقة بالتأكيد. ومع ذلك فإن التأكيد الأميركي أن الضربة لا تستهدف تغيير النظام، وهي ليست موجهة ضد إيران و"حزب الله"، يعني أننا لسنا أمام نهاية الأزمة السورية، بل بداية مرحلة جديدة من مراحلها ستكون أكثر دموية وشراسة من قبل النظام وحلفائه بطبيعة الحال، وستكون تداعيات لها في المحيط، كما أن أميركا نفسها ستدعوكم وتدعو كل الذين دعوها إلى توجيه ضربة إلى تحمل المسؤولية وإكمال ما بدأته قواتها، وهذا يستوجب انتباهاً لكل قرار وخطوة خصوصاً مع ازدياد تدفق "المجاهدين" و"الانتحاريين" إلى بلاد الشام من كل حدبٍ وصوب. الكبار لا يزالون بحاجة إلى ساحة سوريا لاستخدامها في قتال هؤلاء واقتتالهم مع بعضهم البعض.
المهم هو وحدة سوريا ومؤسساتها. ونقطة الانطلاق وحدة المعارضة ومؤسساتها، هذا هو التحدي الكبير قبل الضربة وبعدها أكثر!