الرئيسة \  واحة اللقاء  \  ورطة مجلس الأمن في سوريا

ورطة مجلس الأمن في سوريا

27.02.2018
عبدالله السويجي


الخليج
الاثنين 26/2/2018
تُعد الأزمة السورية نموذجاًَ للتدخل الدولي والحروب بالوكالة، وتعكس عمق عدم الثقة بين الدول، وتضارب المخططات، التي تحملها كل دولة أو حلف، وتباين الأهداف والمصالح لكل طرف، وتعكس بشكل أكثر انخراط عدد من الدول في دعم الإرهاب والتطرف، حتى لو لم تكن عربية أو إسلامية. وأظهرت الأزمة الكيدية في السلوكيات والتسليح والاستقطاب ودفع الأموال، ففي الوقت الذي تدعي دولة ما، أنها تحارب الإرهاب والتطرف، فإنها تتبنى تنظيماً مسلحاً ومتطرفاً وإرهابياً، وتنفق عليه مئات الملايين من الدولارات، وفي الوقت، الذي تدعي دول أو دولة عدم وجود طموحات لها في سوريا، وأنها تتدخل (لوجه الله والسوريين الفقراء)، فإنها تقوم بإنشاء قواعد عسكرية أو مصانع وموانئ بحرية ودخلت "إسرائيل" على الخط منذ بداية الأحداث في عام 2011، فاستقبلت الجرحى من المسلحين وعالجتهم ثم أعادتهم ليواصلوا القتال. وبعد مضي سبع سنوات تقريباً، وجدت "إسرائيل" أن الجيش السوري وحلفاءه يقتربون من مرتفعات الجولان، فبادرت بتبني مجموعات مسلحة، وتقوم بإمدادها لوجستياً وعسكرياً ومالياً، وتعترف الصحافة "الإسرائيلية"، أن "إسرائيل" تدعم حوالي سبع مجموعات. هل ما يحدث في سوريا إذن أحجية مستعصية على الحل؟، أم أن ما يدور في سوريا هي حرب عالمية غير معلنة؟
مجلس الأمن يجيب على ذلك، وهو المجلس الذي يُفترض أنه المعني بمناقشة القضايا والأزمات بحيادية تامة، ويلجأ للقانون الدولي، ويغلّب مصالح الشعوب وسلامتها وأمنها، ويمكنه إذا أراد واتفقت رؤى الأعضاء ال15 تطبيق قراراته بالقوة، وفرضها على الأطراف المتحاربين؛ لكن المجلس الدولي يتحول إلى ساحة تفضح تورط أعضائه في الأزمة، وتستطيع أي دولة عضو، وفقاً لقانونه ولوائحه، أن تستخدم حق النقض، وتُبطل تمرير قرار؛ لأنه بكل بساطة لا يخدم مصالحها. فإذا كان مجلس الأمن يشهد صراع مصالح، فإن الأزمات لن يتم حلها بشكل موضوعي وعادل، وهذا ما يحدث منذ أيام، فالولايات المتحدة تريد إقرار أمر لا توافق عليه روسيا، فتتعطل القرارات. فإذا كانت الحرب العالمية الآن على الإرهاب، فلماذا تختلف الدول؟ الإجابة تقول؛ لأنها تدعم الإرهاب، وتستخدم التنظيمات المسلحة وقت الحاجة ورقة ضغط؛ لتؤثر في القرار، ولهذا السبب فشل مجلس الأمن حتى الآن في حل القضية السورية؛ بسبب تضارب المصالح والأهداف والنوايا.
ولو جئنا للمفاوضات، سنرى أن كل دولة تتبنى موقفاً منحازاً لطرف ما، فإذا كانت روسيا تتفاوض عن النظام السوري، وتستطيع اتخاذ قرارات مصيرية تخص الشعب والنظام، لما لها من دور ثقيل في الميدان، ولما لها من مصالح اقتصادية تريد المحافظة عليها، فهل الولايات المتحدة تتفاوض عن التنظيمات المسلحة المصنفة دولياً بأنها إرهابية؟
الأمر ينطبق على وفود المعارضة، التي تتبناها دول عربية وأجنبية، أي المعارضة أصبحت أداة في أيديهم، ولم تعد ممثلة للشعب وأطياف المجتمع السوري، فيتم تشكيلها وفقاً للرضا والقبول والاعتماد، ويتم استبعاد كل من يختلف مع سياسات تلك الدول، ولهذا غابت وجوه قسراً وطوعاً عن واجهة المعارضة، التي تشمل تنظيمات مسلحة وشخصيات لها تاريخ معروف بالإرهاب، وتتحول بين ليلة وضحاها إلى حمامة سلام، فأي معارضة هذه التي تباع وتُشترى؟
من الواضح جداً، أن النظام السوري والمعارضة فقدا السيطرة على مواقفهما، وبالتالي تحولت سوريا إلى ساحة حرب عالمية بالوكالة، ولأول مرة تصبح الدول وكلاء لتنظيمات إرهابية، وتصبح التنظيمات وكلاء للدول، وتصبح دولة وكيلة عن دولة، وهكذا، تختلط الأوراق، والخاسر الأكبر الشعب السوري الفقير، أما الشرائح الغنية فقد غادرت سوريا إلى دول الجوار وتمارس تجارتها، أو أنها استطاعت الهجرة جواً إلى أوروبا، ولم تركب البحر أو تمتطي البر، ولم يدفع أبناؤها ثمناً من أولادهم وبناتهم.
إن عجز مجلس الأمن ظهر مؤخراً في المشاورات بشأن ما يحدث في الغوطة الشرقية. مجلس الأمن يسعى إلى تثبيت هدنة؛ لكن بين من ومن؟ المعروف أن الغوطة الشرقية محاصرة منذ ثلاث سنوات؛ بسبب وجود المسلحين من "جبهة النصرة" وغيرها من التنظيمات الإرهابية، التي تهدد العاصمة دمشق بالصواريخ، وقذائف الهاون والعمليات الانتحارية وغيرها، والأكثر من ذلك، فإنهم يتخذون من المدنيين متاريس لهم، ويرفضون المغادرة إلى أي مكان، وهذا يعني أن وكلاءهم من الدول يطلبون منهم البقاء في أماكنهم؛ لإطالة أمد الصراع دون الكشف عن أهدافهم، مع استمرار إصرارهم على أنهم يحاربون الإرهاب.
المجتمع المدني ومجموعات العمل الإنساني ضعيفة، وهي رهينة اتفاق دولي، ولهذا لا تملك سوى أن تتجمع أمام مقر الأمم المتحدة كما حصل الأسبوع الماضي، وأن ترفع ثلاث لوحات إعلانية كُتب عليها "500 ألف قتيل في سوريا ولا تحرك حتى الآن؟ كيف حدث ذلك يا مجلس الأمن؟".