الرئيسة \  واحة اللقاء  \  وروسيا لن تتدخل

وروسيا لن تتدخل

27.02.2014
ديمتري ترينين


الحياة
الاربعاء 26/2/2014
ثمة رأي سائد بأن الرئيس الأوكراني فيكتور يانوكوفيتش كان دمية في يد فلاديمير بوتين. والزعم هذا ينافي الواقع. ولا يخفى على سيد الكرملين أن ديدن نظيره الأوكراني هو الترجح بين الاتحاد الأوروبي وروسيا. وإثر استنفاد قواه غادر كييف إلى خاركيف في شرق أوكرانيا. وتدرك موسكو أن الأوليغارشيين الأوكرانيين الذين كانوا يدعمون يانوكوفيتش معادين لها.
وعلى رغم أنهم يحكمون القبضة على أوكرانيا، يخشى هؤلاء أن يقصيهم عمالقة قطاع الأعمال الروسي. فثروات الجيران الروس تفوق ثراءهم.
واندلعت حركة الاحتجاج إثر رفض الرئيس الأوكراني التوقيع على اتفاق شراكة مع الاتحاد الأوروبي يرمي إلى إنشاء منطقة تجارة حرة. وعلى خلاف زعم يانوكوفيتش، لم يحمله الكرملين على رفض الاتفاق. ووجهت موسكو رسالة إلى كييف تظهر معارضتها للاتفاق هذا من طريق فرض عقوبات على المنتجات الأوكرانية في العام الماضي.
ولكن يانوكوفيتش انساق وراء حساباته الشخصية وليس وراء نصائح بوتين أو تهديداته. فهو خشي عدم انتخابه لولاية ثانية في 2015، وأدرك أن الاتفاق الأوروبي لن يدر دعماً مالياً على بلاده ولم يرَ سبــيلاً إلى الحؤول دون تدني معدلات التجارة مع روسيا ودون تقويض الصناعات الأوكرانية الثقيلة الموروثة من المرحلة الســوفياتية. وطوال أشهر، لم تؤدِّ موسكو دوراً يعتد به في الأزمة. وساهـــمت وسائل الإعلام في تضخيم دورها والنفخ في الإشاعات الأوكرانـــية. وتــجنب السفير الروسي في أوكرانيا الإدلاء بتصريحات، ودعا الكرملين نواب الدوما إلى الإحجام عن زيارة هذا البلد.
ولا يخفى أن بوتين استقبل يانوكوفيتش أكثر من مرة في سوتشي وموسكو. وفي كانون الأول (ديسمبر) المنصرم، عرضت روسيا شراء سندات دين الحكومة الأوكرانية، ومقدارها 15 بليون دولار - والخطوة الروسية هذه قلصت أهمية أي مساعدة يقدمها الاتحاد الأوروبي عبر صندوق النقد الدولي - وخفض سعر الغاز الروسي إلى الثلث. وهذا الدعم المالي كان من غير مقابل، ورمى إلى مساعدة كييف والحؤول دون إعلانها الإفلاس، وإلى تقوية العلاقات الاقتصادية بين البلدين.
ولكن العرض هذا ذهب أدراج الرياح نتيجة حيرة كييف والاضطرابات. وركن الدعم المالي هذا هو حسبان بوتين أن الأوكرانيين والروس شعب واحد. ويبدو أن الحسبان هذا في غير محله. فالأوكرانيون أنفسهم ليسوا شعباً واحداً. ونظرة واحدة إلى لفيف أو سيباستوبول في شرق أوكرانيا - وهما ألحقتا بالاتحاد السوفياتي في عهد ستالين - تظهر مدى معاداة روسيا. والروسية هي لسان المناطق الشرقية والجنوبية، ومنطقة القرم يسكنها متحدرون من القومية الروسية. والحق أن شطراً راجحاً من النخب الأوكرانية يرى أن استقلال بلاده عن الاتحاد السوفياتي هو صنو الاستقلال عن روسيا. والسياسيون الأوكران كلهم لا يميلون إلى روسيا. فهذا الميل يخالف فكرة القومية الأوكرانية.
و «ثورة فبراير» الأوكرانية هي نعمة على موسكو. فهي دحضت الرؤية التي تربط ارتقاء روسيا قوى عظمى بالشراكة مع أوكرانيا. ويرجح أن موسكو لن تتدخل في أوكرانيا، ولن تضم مناطق الجنوب والشرق إليها. فمثل هذا التدخل يؤذن بحرب أهلية في الجوار الروسي القريب. وموسكو لا ترغب في ذلك.
* مدير كارنيغي موسكو عن «نيويورك تايمز» الأميركية، 23/2/2013، إعداد منال نحاس