الرئيسة \  تقارير  \  فورين أفيرز : هل تخلّى بايدن عن وعوده لتل أبيب؟

فورين أفيرز : هل تخلّى بايدن عن وعوده لتل أبيب؟

17.02.2022
ساسة بوست


ساسة بوست
الثلاثاء 15/2/2022
شرت مجلة فورين أفيرز مقالًا أعدَّه الصحافي الإسرائيلي أمير تيبون، عن تطوُّر العلاقات بين الرئيس الأمريكي جو بايدن ورئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت في ظل وجود نقاط مثيرة للخلاف بين واشنطن وتل أبيب.
يستهل الكاتب مقاله بالقول: في أوائل عام 2020، عندما أصبح واضحًا أن الرئيس الأمريكي جو بايدن سيفوز في الانتخابات التمهيدية الرئاسية للحزب الديمقراطي، تنفَّس كبار المسؤولون الإسرائيليون الصعداء. وكانت رئاسة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب الفاشلة على وشك الانهيار، وكان هناك قلق حقيقي في إسرائيل من أن رد الفعل العنيف ضد ترامب قد يُفضي إلى وصول بيرني ساندرز، عضو مجلس الشيوخ التقدُّمي عن ولاية فيرمونت الذي طالب بقطع المساعدات الأمريكية عن إسرائيل، إلى سُدَّة حكم البيت الأبيض. غير أن رئاسة بايدن بدَت كأنها بشرى سارة لإسرائيل.
كما قال داني دايان، القنصل الإسرائيلي العام في نيويورك لاحقًا: إن “جو بايدن وكامالا هاريس يُمثِّلان أكثر بطاقة تأييد لإسرائيل يمكن أن نتوقعها من الحزب الديمقراطي”، قائلًا إن كلا السياسيين يملكان سجلًا طويلًا من دعم بلاده.
ويقول الكاتب إن الأشهر الأولى من إدارة بايدن عزَّزت وجهة النظر هذه في دهاليز السلطة بتل أبيب، وكان بايدن، وهو الرئيس الأمريكي السادس والأربعون، الذي يتفاخر أمام الجماهير بأنه يعرف كل رئيس وزراء إسرائيلي بداية من جولدا مئير فصاعدًا، قد دعم إسرائيل علنًا خلال عدوان تل أبيب على قطاع غزة في مايو (آيار) 2021، مؤكدًا على حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، كما أحجم عن توجيه أي انتقاد علني للإجراءات التي اتخذتها تل أبيب في قطاع غزة. وبعد انتهاء الحرب، وَعَدَ بايدن على الفور بتجديد نظام الدفاع الجوي الإسرائيلي المعروف باسم “القُبة الحديدية”. وبعد مرور ثلاثة أشهر رحَّب بايدن بنفتالي بينيت، رئيس الوزراء الإسرائيلي الجديد في البيت الأبيض ترحيبًا حارًّا، وأعرب الرئيس الأمريكي عن سعادته باستضافة الرجل الذي أنهى بقاء بنيامين نتنياهو في السلطة لمدة 12 عامًا.
اختبار صبر بايدن
ويؤكد كاتب المقال أن بايدن كان مُكلفًا في كثير من الأحيان بإدارة العلاقة المثيرة للإحباط التي تجمع بين إدارة أوباما ونتنياهو أثناء شَغْله منصب نائب الرئيس الأمريكي. وخلال الانتخابات الرئاسية الأمريكية التي أُجريَت عام 2012 اتَّهم كبار مستشاري باراك أوباما نتنياهو بتنظيم حملة نشطة ضد الرئيس الأمريكي. وتفاقمت الأوضاع بعد الخطاب الذي أدلى به نتنياهو عام 2015 أمام الكونجرس الأمريكي بشأن السياسة الخاصة بالملف الإيراني، ونظر البيت الأبيض إلى هذا الخطاب بوصفه هجومًا مباشرًا على أوباما.
ولم يكن أوباما أول ولا آخر رئيس أمريكي يصطدم بنتنياهو؛ إذ خاض بيل كلينتون صراعاتٍ مريرة معه في تسعينات القرن الماضي بحسب ما يفيد التقرير؛ بل إن دونالد ترامب وجد صعوبة في العمل معه. وفي مقابلة أُجريَت مع ترامب بعد وقت قصير من تركه منصبه سبَّ الرئيس الأمريكي السابق رئيسَ الوزراء الإسرائيلي السابق، واتَّهمه بالخيانة بعد أن اعترف بفوز بايدن في الانتخابات الرئاسية الأمريكية.
ويقول الكاتب إن بايدن أدرك مدى هشاشة التحالف مع الجانب الإسرائيلي، وفي الأشهر التي أعقبت هذه الأحداث بذل الرئيس الأمريكي جهودًا متضافرة لتفادي أية مواجهات شديدة مع بينيت. ولنأخذ في الاعتبار القضية الشائكة المتعلقة بفتح قنصلية أمريكية للفلسطينيين في القدس الشرقية، والتي كانت تُمثِّل بعثة دبلوماسية للولايات المتحدة الأمريكية معتمدة للسكان الفلسطينيين في الضفة الغربية (بما فيها القدس)، وقطاع غزة على مدى عقود، قبل أن يغلقها ترامب عام 2019. ووعد بايدن خلال حملته الانتخابية بإعادة فتح القنصلية، ولكن بعد مرور أكثر من عام على تولِّيه مقاليد الحكم في واشنطن لم يتخذ الرئيس الأمريكي أية خطوات في ذلك الصدد. ووفقًا لتقارير إعلامية إسرائيلية أخبر بينيت بايدن أن إعادة فتح القنصلية قد تؤدي إلى زيادة حِدَّة التوترات داخل تحالفه؛ ما دفع بايدن إلى تعليق خُططه من دون أن يصرِّح بذلك. وتجدر الإشارة إلى أن التسبُّب في إحداث خلافات داخلية في حكومة بينيت يمكن أن يمهد الطريق لإجراء انتخابات جديدة في إسرائيل وعودة نتنياهو لسُدَّة الحكم.
وفي ديسمبر (كانون الأول) تحسَّن موقف بينيت السياسي – بحسب ما يقول كاتب التقرير – عندما تمكَّنت الحكومة الإسرائيلية من تمرير ميزانية الدولة، ومنح تمرير الميزانية الاستقرار لحكومة بينيت لمدة عام أو عامين، وهي مدة طويلة في السياسة الإسرائيلية. ولكن نظرًا لضُعف التهديد بعودة نتنياهو في المستقبل القريب، يعني ذلك أيضًا نهاية شهر العسل بين بايدن وبينيت. وفي ظِل مجموعة من القضايا، بدايةً من برنامج إيران النووي، ووصولًا إلى بناء مستوطنات إسرائيلية في الأراضي المُحتلة، تظهر خلافات واضحة، ويبدأ صبر الجانبين في النفاد.
ولم يزل المسؤولون الإسرائيليون يُعربون عن امتنانهم بالعمل مع بايدن، وليس مع رئيس أمريكي يتَّسِم بمزيد من الميول اليسارية، ولم يزل البيت الأبيض يُفضِّل بينيت على رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق. غير أن الصدام بين الجانبين على بعض الجبهات أصبح أمرًا حتميًّا بحسب وصف الكاتب.
هل يصل بايدن وبينيت إلى اتفاق؟
ووفقًا للمقال ورث بايدن وبينيت على حدٍ سواء وضعًا بائسًا فيما يتعلق بإيران. وكانت مجموعة من كبار مسؤولي الدفاع الإسرائيليين المتقاعدين قد وصفت القرار الذي اتخذه ترامب عام 2018 ويقضي بالانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني بعد أن حصل على تشجيع قوي من نتنياهو بأنه كارثة مكتملة الأركان؛ وآية ذلك أن هذا الانسحاب مكَّن إيران من الاقتراب أكثر من أي وقت مضى من أن تصبح “دولة نووية”.
ويوضح الكاتب أنه بعد مرور وقت قصير على تولِّي بينيت منصبه، أوضح رئيس الوزراء الإسرائيلي في إحاطات بالمعلومات الأساسية لوسائل الإعلام الإسرائيلية أنه يؤمن بأهمية التنسيق الهادئ مع الولايات المتحدة، حتى في حالة وجود خلافات. ووعد بينيت بعدم السير على خطى نتنياهو، مؤكدًا للبيت الأبيض أنه في ظِل قيادته للحكومة الإسرائيلية، ستُسوَّى الخلافات القائمة بين واشنطن وتل أبيب مباشرةً خلف أبواب مغلقة، ولن يُجهَر بها علنًا في أستوديوهات التلفزيون أو في خطابات عامة أمام الكونجرس الأمريكي.
وحتى هذه اللحظة أوفى بينيت بوعده في الغالب، غير أن الاختبار الحقيقي – بحسب وصف الكاتب – سيأتي إذا اقترَح إبرام اتفاق نووي مع طهران مرةً أخرى على الطاولة. ومن المؤكد أن نتنياهو، الذي لم يزل يطارد بينيت من جانب المعارضة، سيصف أي اتفاق بين واشنطن وطهران بأنه يُمثِّل كارثة تهدد وجود إسرائيل. ولم يتضح بعد كيف سيتصدى بينيت لهذا النوع من الضغط السياسي، وهل سيفي بوعده، أم سيتَّبع سياسة الهجوم على بايدن لاسترضاء أنصاره اليمينين المتطرفين في إسرائيل.
تعثُّرات في وضَح النهار
ويؤكد الكاتب أن الصين تُمثل مصدرًا آخرَ من مصادر الخلافات المحتملة بين إسرائيل والولايات المتحدة، مؤكدًا أنها ليست مصدرًا جديدًا: إذ أعربت إدارة ترامب أيضًا عن استيائها من تنامي العلاقات الاقتصادية الإسرائيلية مع بكين. وتتمثل أهم مصادر القلق الأمريكي في المشاركة الصينية بمشروعات البنية التحتية الإستراتيجية في إسرائيل، مثل ترميم ميناء كبير وإدارته في شمال البلاد.
وتتمثَّل الأخبار التي وصفها الكاتب بالسيئة لكل من بايدن وبينيت؛ في أنه لن يكون من السهل نزع فتيل أي مصدر من مصادر هذه التوترات، وتضم حكومة بينيت كثيرًا من اليمينيين بحيث لا يمكنها حتى تلبية التوقعات الأكثر تواضعًا للبيت الأبيض فيما يخص القضية الفلسطينية. وتتمتع الصين بالأهمية والقوة الشديدتين بحيث يتعذر على تل أبيب قبول جميع المطالب الأمريكية التي تتعلق ببكين. وفيما يتعلق بإيران يبدو أن الثغرات القائمة بين تصريحات بايدن وبينيت العلنية تزداد مع مرور الوقت، وفقًا لما قاله الكاتب.
وأما الأخبار التسي وصفها الكاتب بالسارَّة فهي أن الخلافات التي لا يمكن تسويتها يظل بالإمكان إدارتها بحكمة، إذا أراد الطرفان ذلك. ومن المؤكد حدوث صدامات بشأن السياسة بين بايدن وبينيت في عام 2022. غير أن الأسئلة المهمة تتمثَّل في عدد مرات حدوثها، ومقدار الضرر الذي ستسببه، وهل سيتعامل معها الطرفان من خلال قنوات دبلوماسية هادئة أم على الملأ. ويمكن أن يختار الطرفان من خلال تصريحاتهما والإجراءات التي يتخذانها، إقامة علاقة مثمرة أو الانحدار إلى أدنى المستويات المزعجة على غرار السنوات التي جمعت بين أوباما ونتنياهو.
ويختتم الكاتب مقاله بالإشارة إلى أن العلاقة بين إسرائيل والولايات المتحدة ستواجه على المدى الطويل مشكلة أكبر من أي خلاف مُحدَّد مع بايدن: وهي تراجع أهمية الشرق الأوسط؛ إذ تتراجع المنطقة من قائمة أولويات واشنطن بعد أن بات يُنظَر إليها على أنها تصرف انتباه الولايات المتحدة عن مشكلاتها الأكثر إلحاحًا، بداية من التنافس مع الصين ووصولًا إلى التعافي من جائحة كوفيد-19. وعلى مدى عقود كان هناك اتفاق شبه عالمي بين صُنَّاع السياسة الأمريكيين على أن الولايات المتحدة تنظر إلى الشرق الأوسط باعتباره منطقة مهمة، وأن الدعم المُقدَّم لإسرائيل ساعد في تحقيق الأهداف الأمريكية في المنطقة. وسيتعين على إسرائيل أن تتأهَّب لمستقبل لا تنظر فيه واشنطن إلى الأمور بهذه الطريقة.