الرئيسة \  تقارير  \  “فورين بوليسي”: كيف حجزت روسيا مقعدها بين الكبار في تسليح الفضاء مستقبلًا؟

“فورين بوليسي”: كيف حجزت روسيا مقعدها بين الكبار في تسليح الفضاء مستقبلًا؟

01.01.2022
ساسة بوست


ساسة بوست
الخميس 30/12/2021
ضَمِنت روسيا، من خلال تجربتها الصاروخية لتحطيم قمر صناعي مُعطَّل في الفضاء، أن تكون مشارِكة في أي عملية دولية كبرى مستقبلية لتنظيم تسليح الفضاء. وهو ما خلُصت إليه ديجانيت بايكوسكي، الباحثة والمحاضِرة في قسم العلاقات الدولية في الجامعة العبرية في القدس، والتي أشارت إلى أن روسيا استطاعت من خلال هذه التجربة تحقيق هدفين، وهما تعزيز قدراتها الدفاعية واستعراض قوتها الفضائية.
وتُشير الكاتبة، في مستهل مقالها، الذي نشرته مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية، إلى التجربة التي أجرتها روسيا في 15 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي على منظومة الأسلحة المضادة للأقمار الصناعية (ASAT)، واستعرضت من خلالها قوتها الفضائية من خلال تدمير أحد أقمارها الصناعية غير النشطة التي كانت رابضة على ارتفاع نحو 300 ميل فوق سطح الأرض. وعند هذا الارتفاع، سيستمر حطام القمر الصناعي، الذي قدَّرته الولايات المتحدة بأكثر من 1500 قطعة، في الدوران حول الأرض لمدة طويلة.
ما أهداف روسيا من التجربة الصاروخية؟          
وعلى إثر هذه التجربة، وجَّهت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا واليابان وكوريا الجنوبية اتهامات لاذعة لروسيا، من بينها اتهامها بعدم المسؤولية والاستهتار وتعريضها الأقمار الصناعية النشطة للخطر، مثل محطة الفضاء الدولية (والعاملين فيها) ومحطة الفضاء الصينية، والتي لا تزال قيد الإنشاء. وبالإضافة إلى ذلك، انتقدت هذه الدول روسيا بسبب زعزعتها استقرار النظام العالمي، وهذا الأمر يطرح سؤالًا مهمًّا: لماذا اختارت روسيا اختبار قدراتها الدفاعية المضادة للأقمار الصناعية واستعراضها حاليًا؟
تُوضح الكاتبة أن روسيا قد تكون رأت أنه في إطار التنافس المتصاعد بين القوى العظمى، خاصة بين الولايات المتحدة والصين، أصبح الاتجاه المتزايد لتسليح الفضاء هو مستقبل الحروب، وفي الوقت نفسه، يفتح هذا التوجه لتسليح الفضاء المجال أمام وضع لوائح تنظيمية صارمة لاستخدام الفضاء الخارجي، والتي ستؤدي إلى الحد من تطوير هذه القدرات واستخدامها، وربما رأت روسيا أيضًا أن استعراض القدرات التكنولوجية مفيد على صعيد الأمن القومي والناحية السياسية قبل وضع تلك اللوائح الدولية التنظيمية الجديدة في الفضاء.
ومن خلال تدمير قمرها الصناعي في الفضاء، تمكنت روسيا من تحقيق هدفين؛ إذ عززت قدراتها الدفاعية والردعية، واستعرضت قوتها الفضائية قبل أن يُفرض حظر أو قيود صارمة عن طريق الآليات الدولية على اختبار أو استعراض أو استخدام الأسلحة المضادة للأقمار الصناعية، وعلاوةً على ذلك، ضمِنت روسيا أنها ستكون طرفًا حاسمًا في أي عملية تنظيمية دولية كبرى عن طريق إعلانها امتلاك مثل هذه القدرات بتجربة علنية.
الحرب الباردة والفضاء الخارجي
تلفت الكاتبة إلى أنه منذ الحرب الباردة، كانت الخبرات الفنية في مجال الفضاء من المؤشرات المهمة على كون أي دولة تقع في مصاف القوى العظمى. وفي السنوات السابقة، دعمت القوى العظمى أي إنجاز تكنولوجي في الفضاء للاستخدامات السلمية على اعتبار أنها وسيلة لإظهار القوة والكفاءة. وخلال السنوات الأخيرة، أصبح امتلاك تكنولوجيا الفضاء العسكرية أيضًا من المجالات ذات الأهمية الرئيسة من وجهة نظر الدول الصغرى والمتوسطة من حيث القوة.
وقد اتخذ كثير من هذه الدول خطوات نحو تسليح الفضاء؛ إذ أجرت الصين في عام 2007 اختبارًا على الأسلحة المضادة للأقمار الصناعية، وهو ما أدَّى إلى تدمير قمر صناعي صيني غير نشط، وتأتي الصين في المرتبة الثالثة عالميًّا في استعراض قدراتها المضادة للأقمار الصناعية، بعدما طوَّرت القوى العظمى، مثل الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، هذه القدرات خلال حقبة الحرب الباردة.
وأشارت الكاتبة إلى أن الهند أجرت في مارس (آذار) 2019 اختبارًا على الأسلحة المضادة للأقمار الصناعية من خلال تدمير أحد أقمارها الصناعية على ارتفاع نحو 180 ميلًا فوق سطح الأرض. وكانت ردود الفعل الدولية على التجربة الهندية معتدلة وركَّزت على ضرورة تعزيز أمن الفضاء، وخاصة مراقبة مشكلة الحطام الناتج من هذه التجارب ورصده.
وتبنَّت بعض الدول متوسطة القوة سياسات دفاعية نشطة لتطوير قدرات محلية مضادة لأنشطة الفضاء الخارجي، وهي تقنيات تهدف إلى إحداث أضرار دائمة أو مؤقتة للأجسام الفضائية وأنظمة الدعم الأرضي الخاصة بها، على سبيل المثال، أطلقت فرنسا إستراتيجية دفاعية فضائية للتركيز بدرجة أكثر وضوحًا على النشاط الفضائي العسكري الذي يُؤثر في المصالح التجارية والصناعية والجيوستراتيجية الفرنسية.
وتضيف الكاتبة أنه من بين السياسات المقترحة يأتي اتخاذ تدابير نشطة وأخرى غير نشطة لحماية الأقمار الصناعية، من بينها توفير الإمكانيات الحقيقية للعمل في الفضاء الخارجي. كما شرعت بريطانيا في إعادة هيكلة تنظيمها وقدراتها في الفضاء الخارجي، وعلى الرغم من أن الحكومة البريطانية لم توافق صراحةً على تطوير القدرات الفضائية المضادة، فإنها أقرت بأن الفضاء الخارجي مجال مهم بالتزامن مع تشكيل قيادة فضائية في يوليو (تموز)، كما أقرت الحكومة اليابانية مشروع قانون لإنشاء منظمة عسكرية جديدة لحماية الأقمار الصناعية اليابانية، وتسمى “وحدة عمليات الفضاء” بوصفها جزءًا من قوة الدفاع الذاتي الجوية.
مخاوف بشأن استدامة الفضاء وسلامته
تُحذِّر الكاتبة من أن الاتجاه المتزايد نحو تسليح الفضاء يُثير مخاوف حقيقية بشأن استدامة الفضاء وسلامته، وتزداد تلك المخاوف من تداعيات الكميات الهائلة من الحطام الفضائي الموجودة في المدارات المزدحمة بالأقمار الصناعية في ظل الاستغلال التجاري الواسع للفضاء، لا سيما التوجه المتزايد نحو إطلاق أبراج تجارية متعددة الأقمار الصناعية. ولذلك، تُعد استدامة البيئة الفضائية وسلامتها وأمنها أمورًا ضرورية للحكومات والشركات على حد سواء.
وكانت التجربة التي أجرتها الصين في عام 2007 لاختبار الأسلحة المضادة للأقمار الصناعية على ارتفاع نحو 500 ميل فوق سطح الأرض سببًا في زيادة الوعي العالمي بمشكلة الحطام الفضائي، وفي ديسمبر (كانون الأول) 2007، وافقت الجمعية العامة للأمم المتحدة، في قرارها 62/217، على المبادئ التوجيهية لتخفيف الحطام الفضائي التي وضعتها لجنة استخدام الفضاء الخارجي في الأغراض السلمية. وكان الاتحاد الأوروبي قد اقترح في ديسمبر 2008، بعد بضعة أشهر من تدمير الولايات المتحدة لقمر صناعي أمريكي غير نشط على ارتفاع أقل من ذلك بكثير، مشروع قواعد تحكم سلوكيات أنشطة الفضاء الخارجي. واستمرت مناقشة هذا المشروع عدة سنوات، لكن العملية لم تُستكمل.
وتستدرك الكاتبة قائلةً إنه مع ذلك، كانت إحدى النتائج البارزة لهذه العملية الدولية بمثابة قاعدة للامتناع عن ترك حطام غير ضروري في الفضاء. وقد أعقب هذه العملية اقتراح مبادرات دولية أخرى لإدارة الأنشطة الفضائية العالمية، مما أدَّى إلى وضع المبادئ التوجيهية للأمم المتحدة بشأن الاستدامة طويلة الأجل للأنشطة الفضائية، واعتمدت المبادئ التوجيهية في عام 2019. لكن الوضع القانوني للأسلحة المضادة للأقمار الصناعية يظل غير محدد؛ إذ يعود النقاش القانوني بشأن تسليح الفضاء الخارجي إلى حقبة الحرب الباردة. ووفقًا لمعاهدة الفضاء الخارجي لعام 1967، فإن نشاط الفضاء واستخدامه مخصصٌ للأغراض السلمية، لكن المعاهدة لا تحدد بوضوح ماهية هذه الأغراض السلمية.
وفي حين أن معاهدة الفضاء الخارجي تحظر بوضوح استخدام أسلحة الدمار الشامل، مثل الأسلحة النووية، في الفضاء الخارجي وتحظر نشر الأسلحة على الأجرام السماوية، فإنها لا تحظر عسكرة الفضاء. وينظر عديد من الدول إلى استخدام الأقمار الصناعية في الأنشطة العسكرية، مثل جمع المعلومات الاستخباراتية، على أنه نشاط مأمون وباعث على الاستقرار لأنه يوفر معلومات أساسية لرصد ما يحدث على كوكب الأرض والتحكم فيه. ولا تحظر المعاهدة التجارب واستعراض القدرات مثل تلك التي أجرتها روسيا في الشهر الماضي.
مبادرات للحد من عسكرة الفضاء الخارجي
تُنوِّه الكاتبة إلى أن روسيا والصين ظلتا لسنوات تعارضان النشر المحتمل للأسلحة في الفضاء الخارجي، بما في ذلك نشر الولايات المتحدة الصواريخ الباليستية الاعتراضية، خاصة بعد انسحاب الصين من معاهدة الصواريخ المضادة للباليستية في عام 2002، وفي هذا الصدد، حاولت روسيا والصين اقتراح مبادرات مختلفة تحت مظلة “لجنة نزع السلاح والأمن” التابعة للأمم المتحدة في جنيف من أجل التوصل إلى اتفاقية تكميلية لمعاهدة الفضاء الخارجي للحد من عسكرة الفضاء ومنع تسليحه.
وعلى سبيل المثال، قدَّمت روسيا والصين في عام 2008 مشروع معاهدة بشأن حظر نشر الأسلحة في الفضاء الخارجي، لكن المشروع كان غير واضح فيما يتعلق بالأسلحة المضادة للأقمار الصناعية. ولاحقًا، تبين أن مشروع المعاهدة المقترحة تُركز على نشر الأسلحة في الفضاء فحسب؛ وأنها لا تتضمن الأجهزة المضادة للأقمار الصناعية وغيرها من الأنظمة الأرضية، ولم تفلح هذه المبادرات لعدة أسباب:
أولًا: تصورت عدة دول أن هذه المبادرات مجرد محاولات لمواصلة تطوير الأسلحة المضادة للأقمار الصناعية والأسلحة الأرضية واستخدامها.
ثانيًا: أدَّت التوترات الإستراتيجية بين الولايات المتحدة والصين وروسيا والدول الأقل قوة إلى أن التوصل إلى اتفاق دولي بشأن هذه القضية سيكون أمرًا بعيدَ المنال.
وألمحت الكاتبة إلى أن موسكو أكدَّت، من خلال الإعلانات الرسمية الصادرة عن الحكومة بعد استعراض قدراتها باختبار الأسلحة المضادة للأقمار الصناعية هذا العام، أن تحركها يهدف إلى تعزيز قدراتها الدفاعية. والأهم من ذلك، ذكر بعض المسؤولين الروس أن الولايات المتحدة والصين والهند استعرضت قدرات مماثلة أيضًا في السابق، كما أشارت روسيا إلى أن الحكومة الأمريكية ترفض التعاون مع المقترحات المقدمة من روسيا والصين بشأن التوصل إلى اتفاقيات للحد من التسلح في الفضاء الخارجي.
وفي عام 2017، كوَّنت الجمعية العامة للأمم المتحدة فريقًا من الخبراء الحكوميين ومعهم ممثلين عن 25 دولة، والذي أسندت إليه مهمة بمنع حدوث سباق تسلح في الفضاء الخارجي، والذي يتضمن تجنب نشر أسلحة في الفضاء، وفي مارس 2019، أجرت الهند اختبار الأسلحة المضادة للأقمار الصناعية خلال الجولة الثانية من محادثات تلك المجموعة، والتي انتهت دون التوصل إلى توافق في الآراء. وأعربت الولايات المتحدة وروسيا عن قلقهما إزاء التجربة التي أجرتها الهند، لكن كليهما واصل تعاونه مع الهند بل عزَّزه.
هل ينجح المجتمع الدولي هذه المرة؟
تؤكد الكاتبة أن التجربة الروسية الأخيرة للأسلحة المضادة للأقمار الصناعية والاستجابة السلبية الواسعة التي قوبلت بها من واشنطن وحلفائها، تعزز الأهمية التي توليها القوى العظمى للنشاط الفضائي في سياق تنافسها المتزايد على قيادة العالم والتفوق التكنولوجي. ومن الناحية التاريخية، كانت أوقات التنافس الشديد بين القوى العظمى سببًا في توفير تربة خصبة للارتقاء باللوائح التنظيمية على الصعيد الدولي.
وفي الأول من نوفمبر، تبنَّت الأمم المتحدة مبادرة بريطانية، بدعم من الولايات المتحدة، لتشكيل مجموعة عمل مفتوحة العضوية لمناقشة هذه القضايا، وربما صياغة اتفاقية قانونية ملزمة، وكانت لجنة نزع السلاح والأمن (اللجنة الأولى) التابعة للجمعية العامة للأمم المتحدة، التي تتعامل مع نزع السلاح وتهديدات الأمن الدولي، قد مرَّرت المبادرة بأغلبية 163صوتًا. وصوتت الصين وروسيا ضد المبادرة لكنهما لم يستبعدا مشاركتهما المحتملة في مجموعة العمل، ويتعين على الجمعية العامة للأمم المتحدة الموافقة على مجموعة العمل خلال دورتها المنعقدة في ديسمبر، وفي حالة الموافقة عليها، ستجتمع المجموعة لأول مرة في عام 2022 ومرةً أخرى في عام 2023.
وترجح الكاتبة قائلة: يبدو أن المجتمع الدولي هذه المرة سيكون قادرًا على وضع أنظمة أكثر صرامة بشأن أسلحة الفضاء والموافقة عليها؛ إذ قد يؤدي القلق الحقيقي من مشكلة الحطام الفضائي المتفاقمة بسبب التصرفات المماثلة من الدول الأخرى، ناهيك عن زيادة استخدام الفضاء للأنشطة الدفاعية والمدنية والتجارية، إلى إقدام القوى العظمى على حظر جميع أشكال الممارسات والتجارب على غرار ما أجرته روسيا الشهر الماضي.
وتختتم الكاتبة مقالها بالإشارة إلى أن روسيا، بصفتها دولة رائدة في مجال الفضاء الخارجي واضطلاعها بدور فعَّال في المناقشات الدولية بشأن الحد من التسلح في الفضاء، كانت على دراية تامة بالضرر البيئي الذي قد يسببه اختبار الأسلحة المضادة للأقمار الصناعية على ارتفاعات عالية من خلال توليد كمية كبيرة من الحطام، وقد تكون روسيا أخذت ذلك في الاعتبار وتوقعت تعرضها لإدانة دولية.
وفي حقيقة الأمر، كان لدى روسيا مصلحة في الحصول على الاهتمام الدولي؛ إذ تتمثل إحدى نتائج اللوائح الملزمة التي تحظر اختبار الأسلحة المضادة للأقمار الصناعية واستخدامها في أن مثل هذه اللوائح قد تمنع الآخرين من اللحاق برَكْب الكرملين، وهو ما يعني الحفاظ على الدور الرائد لقوى الفضاء الحالية، ومنها روسيا.