الرئيسة \  تقارير  \  “فورين بوليسي”: كيف حطّم القمع الهندي الاستقرار في إقليم كشمير؟

“فورين بوليسي”: كيف حطّم القمع الهندي الاستقرار في إقليم كشمير؟

23.12.2021
ساسة بوست


الساسة بوست             
الاربعاء 22/12/2021
تناولت مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية الأوضاع في كشمير الهندية مشيرةً إلى ازدياد السخط في إقليم كشمير بعد قيام الحكومة الهندية بتجريدها من الحكم الذاتي، وتغيير وضعها إلى إقليم هندي، وبشأن الحجج التي ساقتها حكومة مودي، وما أسفر عنه هذا التحرك من زيادة الغضب، والعنف، وتداعي الأوضاع الاقتصادية، التي جعلت المنطقة هي الأعلى بطالة بين الولايات والمناطق الهندية. جاء ذلك في مقالٍ نشرته المجلة الأمريكية للكاتب والمحرر الصحافي فهد شاه الذي يغطي حاليًا شؤون كشمير ونيودلهي”.
ويستهل الكاتب مقاله بالإشارة إلى قرار الحكومة الهندية في أغسطس (آب) 2019، حين راجعت علاقتها بإقليم كشمير المتنازع عليه مراجعة جذرية، ومن ثم ألغت الأحكام الدستورية التي سمحت بحكم ذاتي محدود للمنطقة لما يقرب من 70 عامًا. وبجرة قلم لم تعد منطقة كشمير إقليمًا يسعى للاستقلال داخل الهند، وبدلًا عن ذلك أصبحت “منطقة اتحاد” تحكمها نيودلهي مباشرةً.
وكان البند الرئيس الذي ألغته الحكومة المادة 370 من الدستور الهندي، التي كانت تمنح كشمير – الولاية الوحيدة ذات الأغلبية المسلمة في الهند ذات الأغلبية الهندوسية – السيطرة على معظم شؤونها باستثناء مسائل الدفاع، والاتصالات السلكية واللاسلكية، والسياسة الخارجية، وأعطت مادة أخرى – هي المادة 35 – السكان الأصليين للمنطقة حقوق ملكية خاصة، وجعلت من الصعب على غير الكشميريين الاستقرار في كشمير.
لكن العديد من الهنود، بمن فيهم القوميين الهندوس من أتباع حزب بهاراتيا جاناتا بزعامة رئيس الوزراء ناريندرا مودي، شكَّكوا منذ مدة طويلة في الحكمة من هذه الحماية الدستورية، بحجة أنها منعت كشمير من الارتباط بباقي البلاد، ولم تساعد إلا في تأجيج التشدد و(الإرهاب) الذي ابتُليت به المنطقة منذ عقود، وكانت كشمير نقطة حساسة بين الهند العلمانية اسميًّا وجارتها المسلمة باكستان، التي تدَّعي أن الإقليم تابع لها، ودعمت التمرد هناك، ويمثل إلغاء المادة 370 إنجازًا لمشروع قومي هندوسي يعود تاريخه إلى تقسيم الهند البريطانية في عام 1947.
غير أن مودي حاول التقليل من أهمية الأبعاد الأيديولوجية لهذه الخطوة. ووضع الخطوط العريضة لرؤية خاصة بـ”كشمير جديدة” مسالمة ومزدهرة ومرتبطة ارتباطًا أقوى بالهند. وأصرَّ على أن الاستثمار سيتدفق إلى المنطقة؛ مما سيوفر فرص عمل، وسيؤدي إلى استنزاف مجموعة الشباب الساخطين الذين يميلون إلى الانضمام إلى الجماعات المتشددة. وزعم مودي أن هذا الإجراء الجريء سينهي عقودًا من الإدارة الهندية غير الفعَّالة لكشمير ويؤدي إلى اندماجها في الهند.
ويوضح الكاتب أنه بعد مرور عامين، يبدو هذا الحلم وكأنه صرحٌ من خيال؛ إذ ازداد العداء في كشمير تجاه الهند بفضل السياسات القسرية لحكومة مودي، والقمع ضد المعارضة. وتصاعد نشاط المتشددين مع اكتساب المتمردين مجنَّدين جدد، وشنّ مزيد من الهجمات العام الماضي. ولم يزل اقتصاد المنطقة في حالة يُرثى لها. وإذا كان هناك أي شيء يمكن أن يُقال، فإن الصورة في كشمير اليوم هي عكس الرؤية التي سوَّقها مودي للعالم.
أين حلم كشمير جديدة؟
يلفت الكاتب إلى أن حكم نيودلهي المباشر لكشمير – وما نتج عنه من عدم وجود حكومة محلية منتخبة – أدَّى إلى ظهور سوء الإدارة والاستياء. ويدير البيروقراطيون وكبار المسؤولين من خارج كشمير الشؤون اليومية في الإقليم، ويهمِّشون السكان المحليين في العديد من المناصب في الإدارات ووكالات إنفاذ القانون.
وقد أدَّى الفشل في إجراء الانتخابات المحلية إلى زيادة التأكيد على التصوُّر العام السائد بين الكشميريين وهو أنهم سيُحْكَمون رَغمًا عنهم. وعلى الرغم من وعود نيودلهي، لم تزل الانتخابات بعيدة المنال في خضم عملية أطلقتها الحكومة لإعادة ترسيم الدوائر السياسية، وهو جهد يشير البعض إلى أنه يهدف إلى جعل التوازن الانتخابي في كشمير أكثر موالاة لحزب بهاراتيا جاناتا.
بين البطالة وتهديد الطابع المسلم
يضيف الكاتب موضحًا أن حكومة مودي برَّرت تجريد كشمير من الحكم الذاتي بزعم أن هذه الخطوة ستولِّد الاستثمار والوظائف من خلال السماح للشركات الهندية بدخول المنطقة بسهولة أكبر، وهذا لم يحدث بعد. وقد أضرَّت أشهر من القيود وانقطاع الاتصالات بعد أغسطس 2019 بالاقتصاد المحلي بشدة، ثم جاءت جائحة كوفيد-19 وعمليات الإغلاق المصاحبة له. وفي يوليو (تموز) 2019، وقبل شهر من مناورة مودي، كان معدل البطالة في كشمير 16.3٪.
واليوم يبلغ 21.4٪ – وهي أعلى نسبة بين جميع الولايات والأقاليم الفيدرالية في الهند، وأعلى بكثير من المتوسط ​​الوطني البالغ 7.4٪. وبين أغسطس 2019 ويوليو 2020 عانت المنطقة من خسائر اقتصادية قدرها 5.3 مليار دولار، وسَعَت حكومة مودي إلى جذب مزيد من الهنود للانتقال إلى كشمير لكن هذه الجهود أثبتت عدم جدواها حتى الآن.
ويبدو أن العديد من القوانين التي مُرِّرت منذ أن أصبحت كشمير إقليمًا فيدراليًّا تهدد الطابع المسلم الذي يغلب على المنطقة، وبعد أن تخلصت الحكومة من المادة 35 إيه أصدرت قانون إقامة جديدًا يسمح الآن لأي شخص عاش في المنطقة لمدة 15 عامًا أن يصبح مقيمًا دائمًا بها، وفي السابق كانت الأحكام القانونية التي ضمنت الاستقلال النسبي لكشمير تمنع غير الكشميريين من الاستقرار في المنطقة، ووسَّعت الحكومة الهندية أكثر من 890 قانونًا فيدراليًّا لتغطي المنطقة، بما في ذلك قوانين الأراضي التي يمكن للسلطات بموجبها الاستيلاء على أي منطقة للاستخدام الصناعي، أو العام، أو للاستخدام من جانب القوات المسلحة.
وتسبَّبت الحكومة في مزيد من القلق بعد أن شجَّع المسؤولون الأقلية الهندوسية في كشمير بالمطالبة بتعويض عن ممتلكاتهم التي فقدوها خلال الاضطرابات في أواخر الثمانينات والتسعينات، وحاولوا إغراء غير الكشميريين بالانتقال إلى كشمير، وبدأوا في نقل أراضي الغابات إلى القوات المسلحة، وأثارت هذه الإجراءات مخاوف الكشميريين من أن الحكومة الهندية مصممة على تغيير التركيبة السكانية في المنطقة، وحذَّرت الجماعات المتشددة من تصعيد الهجمات إذا بدأ الغرباء العيش في كشمير. وفي الأشهر الأخيرة بدأت تلك الجماعات في الوفاء بوعدها المروِّع.
تحذيرات وهجمات
وأردف الكاتب أن تجريد كشمير من الحكم الذاتي أدَّى إلى تحريض المسلَّحين؛ مما أدَّى إلى ظهور جماعات جديدة وموجات جديدة من العنف. ووفقًا لبوابة (الإرهاب) في جنوب آسيا (Terrorism Portal)، وهو موقع إلكتروني للرصد الأمني يديره معهد إدارة النزاعات، وقعت 937 حادثة من جانب المسلَّحين، مثل هجمات بالقنابل اليدوية ومعارك بالأسلحة النارية في كشمير منذ عام 2019، مع زيادة مطردة في وتيرة هذه الحوادث، وبين عامي 2019 و2020 زاد عدد المجنَّدين في صفوف الجماعات المسلحة بنسبة 22٪.
وفي أكتوبر (تشرين الأول) 2019 أعلنت جماعة جديدة تُدعى جبهة المقاومة عن وصولها بهجوم بقنبلة يدوية على العاصمة سريناجار، وأصدرت الجماعة منذ ذلك الحين تحذيرات أخرى، ونفذت عدة هجمات. وأصرت جبهة المقاومة على أن “أي هندي يأتي بنية الاستقرار في كشمير سيجرى التعامل معه… ليس باعتباره مدنيًّا، ولكن بالشكل المناسب الذي يليق به”. وقتلت (الجماعات المتشددة) ثمانية من غير الكشميريين في الشهرين الماضيين.
ويعتقد العديد من الخبراء أن المتمردين في كشمير وجدوا الإلهام أيضًا في استيلاء طالبان على أفغانستان في أغسطس. وقال مسؤول أمني تحدث معي بشرط عدم الكشف عن هويته: إن انتصار طالبان سيؤثر على كشمير على المدى الطويل من خلال تأجيج مزيد من (التشدد).
حكومة الهند والمواجهات الوهمية
ومن جانبها لم تزل القوات الحكومية تواجه اتهامات ذات مصداقية بانتهاكات حقوق الإنسان، بما في ذلك القتل المستهدف للمدنيين وتلفيق الاشتباكات – المعروفة في الهند باسم “المواجهات الوهمية” – حيث تحاول السلطات تمرير مقتل المدنيين أو المشتبه بهم المسلحين باعتبار ذلك جزءًا من معركة بالأسلحة النارية. وفي العامين الماضيين دأبت السلطات على دفن جثث المسلحين القتلى في مناطق نائية، وغالبًا ما تكون جبلية؛ مما حرم العائلات من فرصة دفن أقاربهم. ويزعم المسؤولون أن تهديد كوفيد-19 يجعل التجمعات الكبيرة في الجنازات تشكل خطرًا على الصحة العامة، لكن يبدو أن هذه الخطوة مصممة لمنع الاحتجاجات العامة – وعلى أي حال، أدَّى ذلك إلى نتائج عكسية من خلال التسبب في مزيد من الغضب.
وفي إحدى الحالات التي جرت تغطيتها بشكل بارز في ديسمبر (كانون الأول) 2020، نُقِلت جثة مراهق يُزعم أنه قُتل خلال معركة بالأسلحة النارية بين قوات الأمن والمسلحين لدفنها بعيدًا، ونفى والد الصبي بشدة ادعاء الحكومة أن ابنه كان مناضلًا، وطالب بإعادة جثته، وأبقى قبرًا فارغًا في قريتهم احتجاجًا على ذلك، وردًا على هذا اتَّهمت السلطات الأب بانتهاك قانون صارم لمكافحة (الإرهاب) يُحِد من حرية التعبير والإفصاح عن أي شكل من أشكال المعارضة، وأكد الكاتب أن الصورة في كشمير اليوم عكس الرؤية التي سوَّقها مودي للعالم.
كما قمعت السلطات موظفي مختلف الإدارات الحكومية بسبب ما يسمى بالأنشطة المناهضة للوطنية؛ مما أدَّى إلى طرد المسؤولين الذين قد لا يقبلون السياسات المتشددة الجديدة، وقد رُفِعت عدة قضايا ضد الصحافيين الذين أبلغوا عن انتهاكات حقوق الإنسان في كشمير، وخضع عشرات المراسلين الذين يعملون مع وسائل الإعلام المحلية والدولية للاستجواب والمضايقات، وفي ظل هذا المناخ المخيف، تبنَّت وسائل الإعلام المحلية والوطنية قدرًا كبيرًا من الرقابة الذاتية، وأصبحت أكثر ترددًا في تركيز التدقيق على تصرفات قوات الأمن.
ويشير الكاتب إلى أن سياسات حكومة مودي القاسية في التعامل مع الاضطرابات المتصاعدة جعلت الوضع أسوأ. وأخبرني ضابط شرطة كبير أن العديد من مسؤولي الأمن يعتقدون أن انتفاضة مدنية في كشمير مرجَّحة في السنوات القليلة المقبلة، لقد أدَّى هذا الخوف إلى تغذية الدائرة المفرغة المألوفة، حيث لا تؤدي الإجراءات الصارمة ضد المعارضة إلا إلى إثارة مزيد من الغضب.
نهج القبضة الحديدية
وألمح الكاتب إلى أن الحكومة الهندية اعتمدت في كثير من الأحيان على العنف لقمع الاضطرابات في كشمير. وشجَّع نهج القبضة الحديدية الذي اتبعته الحكومة الهندية في التعامل مع التمرد في التسعينات على بروز تمرد لاحق أكثر وحشية. وأدَّى القمع في العقد التالي إلى انتفاضات مدنية كبرى في 2008 و2010 ثم 2016، إن النهج الذي يعطي الأولوية للتعاون، وتمكين الكشميريين هو وحده الذي سيحقق السلام، لكن حكومة مودي لم تقدم شيئًا يذكر لكشمير، بينما تطالبها بالامتثال.
ويمكن للحكومة أن تتراجع خطوة إلى الوراء، وأن تأخذ في الحسبان حقيقة أن نهجها لم يحقق الكثير على أرض الواقع، لكن الحقيقة هي أن مصالح حكومة مودي في كشمير سياسية إلى حد كبير، إنها تريد تسويق رواية بين الجمهور الهندي الأوسع عن أفعال جريئة ومدروسة. ومن وجهة نظر مودي لن يؤدي اعتدال سلوك الحكومة في كشمير إلا إلى الإضرار بمكانته في بقية البلاد، وطالما استمرت هذه الحسابات السياسية، فسوف تستمر صراعات كشمير.
ينوِّه الكاتب إلى أنه لطالما أراد مودي وحزبه السياسي دمج كشمير بقوة أكبر في الهند، لكن منذ توليه السلطة في 2014 تغيرت الهند نفسها، وفي ظل حكم مودي أصبحت البلاد أقل ترحيبًا بالاختلاف الديني، وأقل التزامًا بمُثُلها التأسيسية المتمثلة في التعددية والعلمانية، وأصبحت غير متسامحة على نحو متزايد مع أولئك الذين لا يرغبون في قبول الهند كأمة هندوسية، وليست دولة تعددية.
ويختتم الكاتب مقاله بالتأكيد على أن السلام والاستقرار الذي وعد به مودي ومساعدوه بكشمير لم يزل بعيد المنال، ومن المحتمل أن تشهد السنوات المقبلة زيادة في عزلة الكشميريين عن الهند، وأصبحت علاقة الهند مع جارتها وعدوها المتكرر باكستان – وهي طرف آخر في نزاع كشمير – أكثر توترًا في العامين الماضيين. وفي هذا السياق، وفي غياب الانخراط السلمي الهادف بين الكشميريين والحكومة الهندية، لن يكون هناك سوى مزيد من العنف.