الرئيسة \  تقارير  \  “فورين بوليسي”: كيف قد تبدو إستراتيجية أمريكا الكبرى بعد حرب أوكرانيا؟

“فورين بوليسي”: كيف قد تبدو إستراتيجية أمريكا الكبرى بعد حرب أوكرانيا؟

26.03.2022
ساسة بوست


ساسة بوست
الخميس 24-3-2022
يُقيِّم سبعة من كبار مفكِّري السياسة الخارجية كيف ستغير الحرب الروسية الأوكرانية السياسة الخارجية للولايات المتحدة. ونشرت مجلة “فورين بوليسي” تحليلًا يُقيِّم فيه سبعةٌ من كبار مفكري السياسة الخارجية حجم التأثير الذي ستُحدِثه حرب روسيا ضد أوكرانيا في كيفية التخطيط للسياسة الخارجية والأمن القومي في الولايات المتحدة وأوروبا.
ويستهل الكتَّاب تحليلهم بالقول: مضى قرابة شهر على الغزو الروسي لأوكرانيا، وتبدو تسميته بالتحوُّل التاريخي فكرة مبتذلة ومُكرَّرة في حقيقة الأمر، فهي أول حرب عدوانية شاملة في أوروبا منذ عام 1945. ويبدو أن الصين تتجه أكثر إلى الاقتراب من روسيا المنكوبة، فيما لم تكن الولايات المتحدة وحلفاؤها موحَّدين منذ عقود كما هم الآن، حتى أن ألمانيا أدركت حقيقة مدى حاجتها إلى إعادة التسلُّح.
دفعت صدمة الحرب إدارة بايدن جاهدةً لإعادة كتابة مخططها للأمن القومي. وكان من المقرر في الأصل أن تصدر إستراتيجية الدفاع الوطني لدى وزارة الدفاع الأمريكية، التي تحدد نهج الولايات المتحدة للتحديات الأمنية الطويلة المدى، في فبراير (شباط)، ولكنها لن تصدر حتى إشعار آخر.
وعندما تصدُر النسخة المنقَّحة من أهم وثيقة أمنية لواشنطن، سيتعين عليها أن تعكس الحقائق الجديدة على الأرض: لقد غيَّر العدوان الروسي الأمنَ الأوروبي تغييرًا جوهريًّا بطرق لا تزال غير واضحة في ظل استمرار الحرب، بحسب التحليل، وذلك لأسباب ليس أقلها انعدام اليقين بشأن مدى التقارب بين بكين وموسكو بسبب الصراع. علاوةً على ذلك، أعطت استجابة الغرب فجأة – بما في ذلك حرب اقتصادية غير مسبوقة – المخططين للسياسة الخارجية مجموعة أدوات أكبر للاستفادة منها أثناء تخطيطهم للتحديات المستقبلية.
كيف ستغير الحرب الإستراتيجية الكبرى للولايات المتحدة، والتي بدت قبل شهر تركِّز بالكامل تقريبًا على الصين والمحيط الهندي والمحيط الهادئ؟ طلبت المجلة من سبعة مفكِّرين بارزين في السياسة الخارجية تقييم الأوضاع.
سلِّموا أمن أوروبا إلى الأوروبيين
يقول ستيفن إم والت، كاتب عمود في “فورين بوليسي” وأستاذ العلاقات الدولية بجامعة هارفارد، إن الإستراتيجية الكبرى للولايات المتحدة قد ركزت، على مدار أكثر من قرن، على المساعدة في الحفاظ على توازناتٍ مواتية للقوة في أوروبا وشرق آسيا، وبدرجة أقل في الخليج العربي. وكان صعود الصين بمثابة أكبر تحدٍ على المدى الطويل لقدرة الولايات المتحدة على الحفاظ على هذه الترتيبات الإيجابية للقوة، ولا يغيِّر “الغزو الروسي الوحشي” لأوكرانيا هذه الحقيقة. وبالنظر إلى المستقبل، لا ينبغي لإدارة بايدن أن تسمح للأحداث المروعة في أوروبا بصرف انتباهها عن المهمة الأكبر المتمثلة في إعادة بناء القوة في الداخل وموازنة القوة الصينية في الخارج.
يضيف الكاتب: وإذا فهمنا الأمر على النحو الصحيح، فإن الحرب في أوكرانيا تُظهِر أن تحمُّل أوروبا مسؤولية أكبر عن أمنها ليس أمرًا مرغوبًا فيه فحسب، بل ممكن أيضًا. لقد كانت الحرب بمثابة جرس إنذار للأوروبيين الذين اعتقدوا أن نشوب حرب كبيرة في قارتهم أصبح مستحيلًا بسبب القواعد ضد الغزو والمؤسسات الدولية والاعتماد الاقتصادي المتبادل والضمانات الأمنية الأمريكية.
ويعتبر الكاتب أن تصرفات روسيا هي “تذكير وحشي” بأن القوة التي لا تُقهر لا تزال شديدة الأهمية، وأن دور أوروبا الذي تنسبه لنفسها باعتبارها “قوة مدنية” ليس كافيًا. واستجابت الحكومات من لندن إلى هلسنكي بقوة، مما يدحض التنبؤات بأن “التنافر الإستراتيجي” داخل أوروبا قد يمنع القارة من الاستجابة على نحو فعَّال للتهديد المشترك. حتى ألمانيا المسالمة في عهد ما بعد الحداثة، يبدو أن الرسالة وصلت إليها.
كما كشفت الحرب عن أوجه القصور العسكرية المستمرة لروسيا. وعلى الرغم من شهور من التخطيط والإعداد، كان الغزو الروسي لأوكرانيا شديد الضعف، بحسب تعبير والت، كارثة مُحرجة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وبغض النظر عما قد يأمله، من الواضح الآن أن روسيا ببساطة ليست قوية بما يكفي لاستعادة إمبراطوريتها السابقة – وستكون أقل قوة مع إعادة التسلح في أوروبا.
وعلاوةً على ذلك، حتى لو أُجبرت أوكرانيا في النهاية على الاستسلام بسبب تفوق الأعداد والتكتيكات الروسية الوحشية، بحسب وصف والت، فإن قوة موسكو ستستمر في التراجع والاضمحلال. ولن تعود أوروبا ولا الولايات المتحدة إلى العمل كالمعتاد مع روسيا طالما ظل بوتين في السلطة، والعقوبات المطبَّقة الآن ستعيق الاقتصاد الروسي المنهك لسنوات قادمة. ويرى والت أن إقامة نظام عميل في كييف ودعمه سيُجبِر روسيا على الاحتفاظ بكثيرٍ من الجنود التعساء على الأراضي الأوكرانية، في مواجهة التمرد العنيف نفسه الذي تواجهه عادةً جيوش الاحتلال. ولن يكون بالإمكان استخدام أي جندي روسي يُنشَر لحراسة أوكرانيا المتمردة لمهاجمة أي دولة أخرى.
أوروبا تستطيع التصدي للتهديد الروسي وحدها
ويخلُص الكاتب إلى أن أوروبا يمكنها التعامل مع التهديد الروسي المستقبلي بمفردها. ولطالما كان لدى أعضاء الناتو الأوروبيين إمكانات قوة كامنة تفوق بكثير التهديد الذي يواجه شرقهم: وهم معًا لديهم ما يقرب من أربعة أضعاف عدد سكان روسيا وأكثر من 10 أضعاف ناتجها المحلي الإجمالي. وحتى قبل الحرب، كان الأعضاء الأوروبيون في الناتو ينفقون ما بين ثلاثة إلى أربعة أضعاف ما تنفقه روسيا على الدفاع كل عام. والآن مع الكشف عن قدرات روسيا الحقيقية، يجب أن تزداد الثقة في قدرة أوروبا على الدفاع عن نفسها زيادة كبيرة.
لهذه الأسباب، تُعد الحرب في أوكرانيا لحظة مثالية للتحرُّك نحو تقسيم جديد للعمل بين الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيون – لحظة تكرِّس فيها الولايات المتحدة اهتمامها لآسيا بينما يتحمل الشركاء الأوروبيون المسؤولية الأساسية للدفاع عن أنفسهم، بحسب والت. ويجب على الولايات المتحدة التخلي عن معارضتها الطويلة الأمد للاستقلال الأوروبي ومساعدة شركائها بنشاط على تحديث قواتهم. ويجب أن يكون القائد الأعلى لحلف الناتو القادم جنرالًا أوروبيًّا، ويجب على قادة الولايات المتحدة ألا ينظروا إلى دورهم في الناتو على أنهم أول المستجيبين، ولكن باعتبارهم خط الدفاع الأخير.
يشدد الكاتب على لزوم تسليم مسؤولية أمن أوروبا إلى الأوروبيين تدريجيًّا، لافتًا إلى أن الوضع في أوكرانيا لا يزال دون حل، ولا يمكن استعادة القدرات الدفاعية الأوروبية بين عشية وضحاها، بيد أنه على المدى الطويل، يجب أن تسعى الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي أيضًا إلى بناء نظام أمني أوروبي لا يستبعد روسيا – لتعزيز الاستقرار في أوروبا ولإبعاد موسكو عن الاعتماد المتزايد على الصين. ويجب أن ينتظر هذا التطور وجود قيادة جديدة في موسكو، ولكن يجب أن يكون هدفًا طويل المدى.
وبعد 11 سبتمبر (أيلول)، انجرفت الولايات المتحدة إلى ما يسمى بحرب مكلفة على الإرهاب وجهود مضللة لإحداث تحولات الشرق الأوسط الكبير، بحسب والت. ويجب ألا ترتكب إدارة بايدن خطأً مماثلًا اليوم، إذ لا يمكن تجاهل أوكرانيا، لكن ذلك لا يبرر التزامًا أمريكيًّا أعمق تجاه أوروبا في الوقت الحاضر بمجرد حل الأزمة. ولا تزال الصين هي المنافس المناظر الوحيد وخوض تلك المنافسة بنجاح يجب أن تظل هي الأولوية الإستراتيجية القصوى للولايات المتحدة.
وتوضح شانون أونيل، نائبة رئيس مجلس العلاقات الخارجية ونائبة مدير الدراسات والباحثة الأولى في المجلس، أن حرب الغزو والدمار الروسية قد تردد في أوكرانيا أصداء ماضي أوروبا الوحشي في القرن العشرين، لكن الولايات المتحدة وحلفاءَها استجابوا برد واضح ينتمي للقرن الحادي والعشرين عندما فرضوا عقوباتٍ اقتصادية ومالية غير مسبوقة، مع توفير قدرٍ من المساعدات العسكرية التقليدية.
وتقول أونيل إن استجابة الولايات المتحدة وحلفائها لم تكن مجرد رد فعل محسوب لتجنب التصعيد مع قوة نووية، بل كانت أيضًا تجربة جريئة في الابتعاد عن قرون من كيفية خوض الحروب وتحديد مكانة القوة العظمى. وبدلًا من الاحتلال المادي، يقوم نهج الولايات المتحدة على الإخضاع المالي والدمار الاقتصادي. إنه حصار افتراضي وليس حصارًا فعليًّا، لكن الهدف هو نفسه: الضغط على روسيا للاستسلام. ويمكن أن يغيِّر هذا مجموعة أدوات السياسة الخارجية للولايات المتحدة إلى الأبد، مع عواقب عميقة لنظرة واشنطن.
تؤكد أونيل أن النتيجة غير مؤكدة بالطبع. ونادرًا ما أدَّى الاستخدام السابق للعقوبات – إن حدث – إلى تغيير النظام أو إنهاء الحروب. كما نرى جميعًا في أوكرانيا، حتى العقوبات الهائلة لم تحقق انتصاراتٍ ملموسة، وسيجد الغرب أن العقوبات لا تخلو من تداعيات بل وخسائر بشرية، كما أن انخفاض الأسعار وارتفاعها الناجم عن العقوبات سوف يقوض اقتصادات أمريكا وأوروبا، ومع ارتفاع أسعار المواد الغذائية ارتفاعًا كبيرًا، قد يموت المدنيون، خاصة في البلدان الفقيرة في أنحاء العالم، وستصبح المنازل ساخنة أو باردة على نحو لا يُطاق عند انقطاع الكهرباء.
ولكن إذا انتصرت الولايات المتحدة – وأجبرت المعركة الاقتصادية الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على سحب جيشه أو حتى خسارة السلطة – فستعمل الولايات المتحدة بكل تأكيد على صياغة إستراتيجية كبرى وتحديد ملامح طبيعة التحالفات والتسلسل الهرمي للقوى العظمى بالأساس في جزء كبير من القرن الحادي والعشرين.
سيُعيد ذلك تأكيد هيمنة الولايات المتحدة بوسائل جديدة للهيمنة، بحسب أونيل، وسيردع المعتدين الآخرين لأنهم سيدركون أن ليس لديهم طريقة كافية لحماية أنفسهم من التداعيات المدمرة للحرب الاقتصادية والمالية، وسيُنذر بنوع جديد من سباق التسلح غير العسكري، حيث تتنافس الدول على إقامة أنظمتها الخاصة وتكتلاتها التجارية الإقليمية، وإعادة تشكيل ميزان القوة الاقتصادية. وفي النهاية، ستعيد حرب روسيا في أوكرانيا تعريف معنى أن تكون قوة عظمى وطبيعة الصراعات القادمة.
ويشير توشيهيرو ناكاياما، أستاذ السياسة الأمريكية والسياسة الخارجية بجامعة كيئو اليابانية، إلى أن حرب روسيا في أوكرانيا ستُغيِّر التصورات الجيوسياسية أكبر بكثير من تغييرها للواقع الجيوسياسي. وفي حين أن روسيا تحت حكم الرئيس فلاديمير بوتين تلوح في الأفق باعتبارها تحديًا قصير المدى، ستظل الصين تمثل التهديد المهيمن على المدى المتوسط ​​إلى المدى الطويل، ويرى ناكاياما أن تحقيق التوازن بين الاثنين سيكون أمرًا مهمًا للغاية.
يشير ناكاياما إلى التغييرات الكبيرة المحتملة في روسيا بعد بوتين – إذا لم يأخذ العالم إلى الجحيم قبل نهاية حياته، لكن التهديد القادم من الصين جذري، حيث لن يؤدِّ التغيير في القيادة إلى تغييرات كبيرة. والحقيقة التي لا مِراء فيها هي أن الصين تعمل على تضييق فجوة القوة مع الولايات المتحدة.
ومع ذلك، يجب أن ينصب اهتمام واشنطن على الجبهة الأوروبية. وفي مواجهة محاولة روسيا إعادة إنشاء دائرة نفوذ من خلال استخدام القوة، ليس أمام الولايات المتحدة خيار سوى مواجهتها بالقوة. وحتى أوروبا، بعد أن نأت بنفسها على نحو ملحوظ عن الولايات المتحدة، أعادت اكتشاف حقيقة أن قوة الولايات المتحدة لا يمكن الاستغناء عنها، وتستند مراجعة ألمانيا لوضعها الدفاعي، على سبيل المثال، إلى هذه الفرضية.
وستحاول الصين التصرف باعتبارها دولة أكثر مسؤولية حتى في الوقت الذي تتقرب فيه من روسيا. وبالنظر إلى وحدة الغرب وشركائه في الاستجابة للحرب الروسية، ربما تكون بكين الآن قد بدأت في تعلُّم مدى خطورة لعبة محاولة تغيير الوضع الراهن بالقوة. وسيصبح من الصعب على الصين على نحو متزايد تبرير شراكة صينية روسية “بلا حدود”، كما وصفها بوتين والرئيس الصيني شي جين بينج قبل وقت قصير من الغزو.
وقد تؤكد الصين أنها ليست دولة خارجة عن القانون مثل روسيا بينما تضاعف من جهودها في إنشاء مجال نفوذ من خلال الإكراه غير العسكري، كما تفعل في الواقع. وفي واشنطن، يبدو كما لو أن المعركة بين دعاة المنافسة وأنصار المشاركة قد حُسِمت لصالح الفريق الأول، لكننا قد نرى مقاومة من جانب أولئك الذين يفضِّلون المشاركة استنادًا إلى الحجة القائلة إن الصين تتصرف بمسؤولية أكثر من روسيا.
ولا تملك الولايات المتحدة القدرة العملياتية أو الاهتمام المستمر بالتزام كامل طويل الأمد بقضيتين، لكن الواقع الجيوسياسي يتطلب أن تلتزم واشنطن بكليهما. وإذا كان هذا هو الحال، فلن يكون أمام حلفاء الولايات المتحدة وشركائها على كل من جبهتي أوروبا والهند والمحيط الهادئ خيار سوى إلزام أنفسهم بنشاط أكبر، والنبأ السار، بحسب ناكاياما، هو أن هناك دلائل على أن هذا يحدث بالفعل.
والرسالة تتضح بالتأكيد ومفادها أن الولايات المتحدة لن تتدخل في أوكرانيا تدخلًا مباشرًا، وهذا أمر مفهوم، حيث يوجد خط واضح بين أعضاء الناتو وغير الأعضاء. وفي حين أن هذا المنطق لا يمكن تطبيقه مباشرةً على آسيا، فلا شك في أن الطريقة التي ندرك بها مصداقية الولايات المتحدة ستتأثر تأثرًا كبيرًا بالطريقة التي تتعامل بها واشنطن مع أزمة أوكرانيا.
توضح آن ماري سلوتر، الرئيس التنفيذي لمؤسسة نيو أمريكا، أن الرأي المتفق عليه حول غزو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لأوكرانيا هو أننا في مواجهة منعطفٍ يخص الشؤون العالمية، وأن حقبة ما بعد الحرب الباردة قد انتهت الآن، وأنه إذا انتصر بوتين، فسيعيد كتابة قواعد النظام الدولي الليبرالي.
ويُعد غزو بوتين لأوكرانيا عملًا مروِّعًا ووحشيًا وانتهاكًا صارخًا للقانون الدولي، بحسب سلوتر، وعلى الغرب أن يفعل كل شيء -عدا إشراك روسيا مباشرةً- لمساعدة الأوكرانيين في محاربة القوات الروسية إلى أن ترتدع. لكن هل وصلت درجة اختلاف هذا الغزو إلى درجة أنه أصبح مختلفًا في طبيعته أيضًا؟
وتشير الكاتبة إلى أن بوتين انتهك القانون الدولي بالطريقة نفسها بالفعل عام 2014 عندما غزا أوكرانيا وضم شبه جزيرة القرم. وانتهكت الولايات المتحدة هذه الركيزة نفسها من القانون الدولي عندما غزت العراق دون موافقة رسمية من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. كما غزا كل من الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة دولًا عَدُّوها ضمن مناطق نفوذهم خلال الحرب الباردة.
والتغيير الأساسي اليوم ليس حرب بوتين؛ بل رفض الصين إدانة هذه الحرب. وتشير سلوتر إلى ما كتبه أحد أعضاء فريق “سي إن إن”، فريد زكريا، إن زيادة التقارب بين موسكو وبكين جاء نتيجة إستراتيجية مكلِّفة لسياسة إدارة بايدن في تحدي الصين واحتوائها.
وتشير سلوتر إلى خطورة العالم الذي تدعم فيه الصين وروسيا بعضهما بعضًا، في إعادة رسم الخرائط الإقليمية وإعادة كتابة قواعد النظام الدولي بدلًا من العمل على كسب النفوذ من داخل المؤسسات القائمة. وفي هذا السياق، تتجلى أكثر مدى حماقة إدارة بايدن في تصعيد التنافس بين الولايات المتحدة والصين باعتبار ذلك التنافس نقطة محورية لسياستها الأمنية.
وترى سلوتر أنه كان ينبغي على واشنطن التركيز على أوروبا أولًا من خلال بناء أجندة اقتصادية وسياسية وأمنية واجتماعية عبر المحيط الأطلسي وتوسيعها قدر الإمكان عبر نصف الكرة الأطلسي بأكمله، شمالًا وجنوبًا. وأفضل طريقة للتنافس مع الصين هي الاعتراف بأن القارات التي تعاملت معها أوروبا والولايات المتحدة على أنها ساحات خلفية لها تستحق المعاملة باعتبارها ساحات أمامية الآن.
ويؤكد غزو بوتين لأوكرانيا كيف أن أوروبا حليف عسكري لا غنى عنه للولايات المتحدة، ولكن ليس هذا فقط، بل يتضح أكثر أيضًا مكانتها بصفتها شريكًا اقتصاديًّا وأخلاقيًّا وقانونيًّا. لكن أوروبا لديها منظور مختلف، فمع أن الغزو يبدو وكأنه يقنع الدول الأوروبية، وخاصة ألمانيا، بزيادة إنفاقها الدفاعي، إلا أنهم لا يفعلون ذلك من أجل التقرب أكثر من الولايات المتحدة، بل لأنهم يستعدون لمستقبل قد لا تكون فيه أوروبا قادرة على الاعتماد على دعم الولايات المتحدة.
وتحدث المستشار الألماني أولاف شولتز عن شراء جيل جديد من الطائرات المقاتلة والدبابات، لكنه أصر على أنه يجب بناؤها في أوروبا ومع شركاء أوروبيين. وأثار عداء الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب لحلف شمال الأطلسي والخلل المستمر في النظام السياسي الأمريكي قلق القادة الأوروبيين حتى وهم يقدِّرون دبلوماسية إدارة بايدن المجتهدة ودعمها القوي.
ويتعين على الولايات المتحدة، بحسب سلوتر، تشجيع الجهود الأوروبية لتطوير دفاع أقوى وأكثر تماسكًا لعموم أوروبا، وذلك لأسباب ليس أقلها أن القوة العسكرية الأوروبية ستجعل واشنطن أقل احتمالًا لأن تتعامل مع أوروبا باعتبارها دولًا مضمونة. وفي الوقت نفسه، يجب على إدارة بايدن المضي قدمًا في عقد معاهدة تجارة واستثمار جديدة عبر المحيط الأطلسي وإنشاء سوق رقمية مشتركة.
ويجب على الولايات المتحدة أيضًا، بحسب سلوتر، تشجيع العلاقات الأوروبية مع دول الجنوب العالمي مع الاعتراف بأنهم غالبًا ما سيكونون مشحونين بأعباء ما بعد الاستعمار. وبعد رحيل بوتين، على واشنطن أن تدعم أوروبا في بناء بنية أمنية جديدة من المحيط الأطلسي إلى جبال الأورال، ربما مع دوائر متقاطعة ومتداخلة للتعاون الدفاعي بين مجموعات الدول. ولن يتمكن الناتو من التوسع في المحيط الهادئ، لذا يجب اتِّباع أُطُر عمل أخرى.
وستضع هذه الإستراتيجية الكبرى الديمقراطيات في مركزها، ولكن ليس من خلال تأطيرها على أنها صراع ملحمي بين الديمقراطيات والأنظمة الاستبدادية. بل يجب على الغرب أن يركِّز على الأشياء الجيدة العديدة التي يمكن أن تحققها الديمقراطية وسيادة القانون، التي تتمثل في الإدارة الفردية، والحكم الذاتي، والشفافية، والمساءلة، والتوزيع الأكثر عدالة للثروة، والانتصاف عند انتهاك حقوق الإنسان. إن وضع هذه القيم في قلب السياسة الخارجية للولايات المتحدة سيجعل الأمر أكثر إلحاحًا لتحقيقها في الداخل.
يقول رجا موهان، كاتب عمود في مجلة “فورين بوليسي” وزميل أول في معهد سياسة المجتمع الآسيوي، إنه على عكس إستراتيجية الأمن القومي لعام 2017 التي وضعتها إدارة ترامب والتي عَدَّت كلًا من روسيا والصين تهديدًا مساويًا للولايات المتحدة، ركَّزت إدارة بايدن في الأساس على الصين في توجيهاتها المؤقتة لعام 2021. حتى أن الرئيس الأمريكي جو بايدن تواصل مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سعيًا إلى علاقة مستقرة ويمكن التنبؤ بها تسمح لواشنطن بالتركيز على أولوياتها في المحيطين الهندي والهادئ.
والأمر المتوقع، أن الغزو الروسي لأوكرانيا أثار تساؤلات حول استدامة ميل بايدن نحو المحيطين الهندي والهادئ. ولكن هل تمتلك الولايات المتحدة الحيز السياسي والموارد العسكرية الكافية للتعامل مع التحديات المتزامنة في أوروبا وآسيا؟ يشعر بعض المعلِّقين في آسيا الآن بالقلق من أن التهديد الذي تمثله روسيا في أوروبا قد يجبر بايدن على تخفيف المواجهة مع الصين والعودة إلى إستراتيجية الصين أولًا في المنطقة.
وعلى الرغم من محاولات واشنطن الدبلوماسية لتجنيد مساعدة بكين في وقف حرب بوتين، إلا أن الإعلان المشترك في 4 فبراير (شباط) عن شراكة صينية روسية “بلا حدود” الذي أصدره بوتين والرئيس الصيني شي جين بينج يمنع بوتين من الاختيار بين أوروبا وآسيا. وعلاوةً على ذلك، تأسست المسارات الجيوسياسية لروسيا وبوتين والصين في عهد شي في ظل انعدام ثقة عميق ومشترك في الولايات المتحدة. ويبدو أن احتمال تفاوض أحد الزعيمين من أجل السلام على نحو منفصل مع واشنطن ضئيل جدًّا. فإذا كان هناك احتمال لأي شيء، فهو أن ضَعْف روسيا سيقربها من الصين أكثر.
وإذا كانت واشنطن تواجه الآن تحدياتٍ صينية وروسية، فإنه يجب عليها بالضرورة تمكين حلفائها وتجديد ترتيبات تقاسم الأعباء في آسيا وأوروبا. ولحسن الحظ، لدى إستراتيجية إدارة بايدن الكبرى مساحة للقيام بالأمرين. إن تركيزها الخاص على بناء ما يسميه مستشار الأمن القومي الأمريكي جاك سوليفان “العمل الشبكي للشراكات المرنة والمؤسسات والتحالفات ومجموعات الدول” قد اكتسب بالفعل زخمًا كبيرًا في آسيا.
وكما قال وزير الخارجية الصيني وانج يي مؤخرًا، طوَّرت الولايات المتحدة تشكيل “خمسة – أربعة – ثلاثة – اثنان” في آسيا “من تعزيز التحالف الاستخباراتي “خمسة أعين” إلى نشر الحوار الأمني الرباعي، ومن تجميع الاتفاقية الأمنية الثلاثية “أوكوس” إلى تشديد التحالفات العسكرية الثنائية”، لا يمكن أن يكون هناك تأييد أفضل للعمل الشبكي لإدارة بايدن في آسيا. وبفضل حرب بوتين على أوكرانيا، انتهت فترة إجازة أوروبا المطوَّلة من الجغرافيا السياسية. وهي مستعدة أخيرًا لبذل المزيد من أجل الدفاع عن نفسها، بما في ذلك القرار الألماني التاريخي بإعادة التسلح.
وإذا تحمل الحلفاء الأوروبيون للولايات المتحدة مسؤولية أكبر لتأمين أوطانهم من التهديد الروسي، فلن يكون هناك سبب وجيه لواشنطن لتقليل المخاوف الآسيوية من أجل الاستقرار الأوروبي. وعلى عكس التجلي الأخير للأوروبيين، كان حلفاء الولايات المتحدة وشركاؤها في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، خاصة أستراليا والهند واليابان، على استعداد لتحمل مسؤوليات أكبر فيما يتعلق بالأمن الآسيوي.
ولا تستطيع آسيا ولا أوروبا تحقيق التوازن بين الصين وروسيا بمفردها في المستقبل المنظور. ولكن من خلال بذل مزيد من أجل أمنهم، فإنهم يساعدون في تعزيز الدعم السياسي المحلي للولايات المتحدة من أجل استمرار الالتزام العسكري في المنطقتين. ومن خلال تعزيز دور أكبر لحلفائها وزيادة تفعيل موقفهم السياسي، يمكن لواشنطن بناء توازناتٍ إقليمية دائمة للقوى في آسيا وأوروبا، مدعومةً بالقوة العسكرية الأمريكية. وهذا بدوره قد يجبر بكين وموسكو على تبنِّي نهج أكثر منطقية مع جيرانها وغض الطرف عن الاعتقاد بأنهما قادرتان على عقْد صفقات القوى العظمى مع واشنطن على حساب آسيا وأوروبا.
ومن شأن الأعباء المشتركة والتحالفات القوية مع الولايات المتحدة أن تسهل على آسيا وأوروبا التوازن بين نهجي الاحتواء القريب المدى والمصالحة الطويلة المدى مع الصين وروسيا. وهذه النتيجة تعزز الهدف الدائم لإستراتيجية الولايات المتحدة الكبرى وهو منع هيمنة أي قوة عظمى على إحدى المنطقتين بمفردها.
يقول روبين نيبليت، مدير معهد تشاتام هاوس، إن غزو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لأوكرانيا كشف عن حالة النظام الأمني الأوروبي بقدر ما غيرَّه أيضًا. ولطالما أعلن بوتين رفضه توسُّع حلف الناتو والاتحاد الأوروبي باتجاه الشرق، والمخاطر التي يعتقد أن هذه الموجة الليبرالية الديمقراطية تمثلها على المصالح الروسية. كما سعى بوتين مرتين لكبح جماح هذا المد: كان أولها في جورجيا عام 2008 ثم مرةً أخرى بهجومه الأول على أوكرانيا عام 2014 بعد إطاحة الرئيس الأوكراني الموالي لروسيا، فيكتور يانوكوفيتش.
وقد اعتاد صانعو السياسة في واشنطن والعواصم الأوروبية على الغموض الإستراتيجي. إذ بدا أن الوضع الراهن مستدامًا، إن لم يكن مُرضيًا، لإبقاء روسيا تحت العقوبات المعتدلة المستمرة بسبب استيلائها على القرم والحرب بالوكالة التي تتبناها في شرق أوكرانيا، بينما تعزز هذه الدول بهدوء الاستثمار الأوروبي والأمريكي في الناتو والدفاع الوطني، على الأقل حتى لحظة خروج بوتين من الكرملين. وفي العموم، بدت روسيا لاعبًا صغيرًا في بنية الأمن العالمي، تتدخل في الانتخابات وتواصل هجماتها السيبرانية العرضية والاغتيالات المدبرَّة، وتعيد ترسيخ أقدامها في الدول غير المستقرة حول العالم.
ويرى نيبليت أن ذلك قد أفسح المجال لإدارة بايدن للقيام بتمحور جيوسياسي جاد تجاه المحيطين الهندي والهادئ بعد توقف هذه الجهود أثناء إدارتي أوباما وترامب. وعزز هذا التمحور علاقات الولايات المتحدة الأمنية مع حلفائها الرئيسين في المنطقة، وأضفى الطابع الرسمي عليها في مستويات مختلفة، بداية من الحوار الأمني الرباعي الأكثر ليونة مع أستراليا والهند واليابان إلى اتفاقية أوكوس، بأبعادها الأمنية العلنية.
واستلزمت إستراتيجية الولايات المتحدة في المحيطين الهندي والهادئ أيضًا اتخاذ موقف أكثر تشددًا تجاه الصين، إذ وضعت الولايات المتحدة قيودًا على نقل التكنولوجيا وفرضت عقوبات على بكين بسبب انتهاكها لحقوق الإنسان في شينجيانج والقمع المناهض للديمقراطية في هونج كونج. ومن وجهة نظر إدارة بايدن، هذه هي اللحظة التي تدرك فيها أن العالم لم ينتقل إلى مواجهة ثنائية القطبية بين الصين والولايات المتحدة، بل انتقل إلى صراع عالمي بين العالم الديمقراطي والنظامين المستبدين الرئيسين؛ روسيا والصين.
وقد أدَّى ربط الصين في مدار العقوبات الغربية إلى جانب روسيا، وإن كان لأسباب مختلفة، إلى تقارب هاتين القوتين العظميين أكثر، كما يتضح من إعلان بوتين والرئيس الصيني شي جين بينج المشترك في فبراير بأن دعمهم لبعضهم “لا حدود له”. ويبدو أن الصين، من خلال دعمها الخطابي للحرب الروسية، ملتزمة بهذه الاتفاقية.
ومن الواضح أن محاولة فصل الصين عن روسيا في خضم هذه الأزمة صعب جدًّا، بحسب نيبليت، إذ إن التهديد بفرض عقوبات ثانوية على الصين إذا قدمت دعمًا اقتصاديًّا صريحًا لروسيا سيحمل معه مخاطر كبيرة على إستراتيجية الولايات المتحدة الأوسع. وستظل السوق الصينية مهمة للدول الأوروبية والآسيوية بطرق لا تنطبق على الاقتصاد الروسي. وستكون السيطرة على التحالفات عبر المحيط الأطلسي وعبر المحيط الهادئ أكثر صعوبة إذا انفلت الصراع من كونه بين الغرب وروسيا فحسب، ليصبح بين الغرب والحليفتين روسيا والصين.
وسترغب قلة من الدول في الانضمام إلى الولايات المتحدة في ظل هذا العالم المنقسم بشدة. ويظل التحدي هو الإبقاء على عزلة روسيا وكشفها بسبب غزوها السافر والوحشي على سيادة جارتها. ولتجنب، ما أمكن، العبء الذي تتحمله إستراتيجية الولايات المتحدة والمتمثل في الاضطرار إلى إدارة مخاطر صراع ذي مسارين مع دولتين حليفتين قد تكون أكثر تناقضًا بشأن سيناريو كهذا من التهديد الذي تشكله روسيا وحدها في أوروبا.
يرى كيشور محبوباني، الزميل البارز في معهد أبحاث آسيا في جامعة سنغافورة، أن الدرس المستفاد لإستراتيجية الولايات المتحدة من حرب روسيا في أوكرانيا بسيط جدًّا، وهو أن البراجماتية الجيوسياسية أفضل في الحفاظ على السلام من وجهة النظر الأخلاقية المطلقة التي ترى أن كل بلد حر في اختيار مصيره، بغض النظر عن العواقب الجيوسياسية.
ويجب بالطبع إدانة الغزو الروسي، إلا أن أولئك الذين يدافعون بلا مبالاة عن عضوية أوكرانيا في حلف الناتو وتسريع وصول شحنات الأسلحة الغربية لأوكرانيا يجب أن يتحملوا أيضًا بعض المسؤولية الأخلاقية لقيادتهم الحَمَل الأوكراني إلى الذبح وإنشاء عدم استقرار عالمي مهول. فقد كان من الممكن تجنب كل هذا الألم والمعاناة لو استمع هؤلاء إلى المفكرين الإستراتيجيين العظماء، بمن فيهم جورج كينان وهنري كيسنجر، الذين نصحوا بالبراجماتية الجيوسياسية وحذروا من هذه القضية تحديدًا.
وفي آسيا، من الخطير بالقدر نفسه تبني وجهة النظر الأخلاقية المطلقة بأن شعب تايوان يجب أن يكون حرًّا في تقرير مصيره. ودعا وزير الخارجية الأمريكي الأسبق مايك بومبيو إلى ذلك في زيارة قام بها مؤخرًا إلى تايوان عندما قال: “على الحكومة الأمريكية أن تتخذ الخطوات الضرورية التي طال انتظارها فورًا”، وعرض على تايوان “الاعتراف الدبلوماسي بها على اعتبارها دولة حرة وذات سيادة”. وهناك قليل من اليقين الجيوسياسي في العالم، واحد منه أنه إذا أعلنت تايوان الاستقلال من جانب واحد، فإن الصين ستعلن الحرب عليها. وهذا هو السبب في أن قلة من الناس في آسيا تؤيد استقلال تايوان.
وعلى القدر نفسه من الأهمية، وعلى عكس الرد الغربي القوي على الغزو الروسي لأوكرانيا، لن يكون هناك رد آسيوي موحَّد مماثل ضد الغزو الصيني لتايوان. إن عدم وجود رد قوي لن يثبت أن الدول الآسيوية غير أخلاقية، بل إنها لا توافق على التهور الجيوسياسي فحسب.
إن أكبر تغيير مطلوب في عقلية صانعي السياسية الأمريكية المنخرطين في سياسة المحيطين الهندي والهادئ هو التخلي عن العدسة التي تصنِّف الأمور إلى أبيض وأسود، بحسب محبوباني، ومن ثم تقودهم للعمل مع الحلفاء والشركاء فقط، مثل الدول المشاركة في اتفاقية “أكوس”؛ أستراليا والمملكة المتحدة، أو أعضاء الحوار الأمني الرباعي وهم أستراليا والهند واليابان. وبدلًا من ذلك، تحتاج الولايات المتحدة إلى أن تتعلم كيف تكون براجماتية من الناحية الجيوسياسية وتعمل مع مجموعات في آسيا تشمل الصين.
وهناك اختلاف جوهري واحد بين أوروبا وآسيا قد يفكر فيه صانعو السياسة في الولايات المتحدة أثناء تشكيلهم إستراتيجيتهم المستقبلية. وهو أنه في حين أن الاقتصاد الروسي، بالرغم من دوره باعتباره مورِّدًا للطاقة، مندمج اندماجًا طفيفًا في الفضاء الجغرافي الاقتصادي الأوروبي، إلا أن الصين مندمجة تمامًا في آسيا. فعلى سبيل المثال، تضاعف حجم تجارة رابطة دول جنوب شرق آسيا مع الصين مع الولايات المتحدة عام 2020.
إن منتقدي إستراتيجية واشنطن في المحيطين الهندي والهادئ مُحِقون في الإشارة إلى الثغرة الكبيرة في هذه الإستراتيجية؛ حيث يجب أن تكون السياسة الاقتصادية طويلة المدى. ولكن الفجوة حتى أكبر من ذلك؛ إذ تفتقر الولايات المتحدة إلى القدرة على صياغة إستراتيجيات براجماتية جيوسياسية تتماشى مع إستراتيجيات معظم الدول الآسيوية، التي ليس لديها مشكلة في العمل مع الصين في تجمعاتها الإقليمية، بل إنهم يعتقدون أن ربط الصين في هذه المجموعات المتعددة الأطراف هو نهج أفضل. وإذا كان هذا النوع من البراجماتية الجيوسياسية يمنع اندلاع الحرب في آسيا، سواء حول قضية تايوان أو أي من القضايا الأخرى، فسيكون ذلك أفضل بكثير من استبداد الغرب الأخلاقي على أوكرانيا.