الرئيسة \  تقارير  \  فورين بوليسي: لهذه الأسباب لن يؤدي تدخل الناتو في أوكرانيا إلى حرب عالمية ثالثة

فورين بوليسي: لهذه الأسباب لن يؤدي تدخل الناتو في أوكرانيا إلى حرب عالمية ثالثة

10.04.2022
عبدالرحمن النجار


عبدالرحمن النجار
ساسة بوست
 السبت 9-4-2022
يُعَد الحديث عن اندلاع حرب عالمية ثالثة إذا ما تدخل الناتو بشكل مباشر للتصدي للغزو الروسي لأوكرانيا مبالغًا فيه، كما أن النفور الغربي من الخسائر البشرية والمخاوف من استخدام روسيا السلاح النووي يعيق تدخل الناتو ضد خصم أضعف بكثير. هذا ما استنتجه تحليل نشرته مجلة “فورين بوليسي”، وأعدته الصحافية ليمور سيمهوني.
وأوضحت سيمهوني أن الديمقراطيات الليبرالية تعاني من إجهاد الحرب. وقد تجلى ذلك من خلال فك الارتباط والانسحاب من النزاعات (كما هو الحال في أفغانستان) والتدخلات المحدودة (كما هو الحال في سوريا وليبيا واليمن)، حيث قللت تلك الدول من اعتمادها على القوات البرية، وركزت على الضربات الجوية ومساعدة القوات المقاتلة الأخرى، مثل السعوديون في اليمن والمعارضة المسلحة في سوريا. ومر ضم روسيا لشبه جزيرة القرم في 2014 بعواقب قليلة بالنسبة لروسيا، وبينما كانت روسيا تستعد لغزو بقية أوكرانيا في 24 فبراير، كان من الواضح أن الدول الغربية ستلتزم بسياسة عدم الانخراط.
بينما فُرضت عقوبات قاسية على روسيا، تلقت القوات الأوكرانية أسلحة ومعدات ومعلومات استخباراتية قيمة من الدول الغربية، مما سمح لها بالصمود على غير المتوقع أمام القوات الروسية، فتمكنت من إيقاع آلاف الضحايا والدبابات وغيرها من المركبات المدرعة وقاذفات الصواريخ والطائرات والسفن، كما كانت الجهود الدبلوماسية لإبقاء روسيا معزولة جهودًا جوهرية حاسمة أيضًا.
فزاعة الحرب العالمية الثالثة
ولكن تستدرك سيمهوني بأن الهجمات الروسية العشوائية ضد المدنيين الأوكرانيين – بما في ذلك قصف المستشفيات والمدارس وكذلك استخدام أسلحة محظورة، مثل القنابل العنقودية والفوسفور الأبيض – لا بد أن يدفع الغرب إلى إعادة تقييم سياسة المشاركة في الحرب، والاضطلاع بدور أكثر نشاطًا من خلال تنفيذ منطقة حظر طيران أو تأمين ممرات إخلاء – وربما حتى محاربة القوات الروسية بشكل نشط.
يكمن القلق الرئيسي في أن أي تصعيد من هذا القبيل يمكن أن يؤدي إلى الحرب العالمية الثالثة. ولكن هناك سببان لعدم احتمال حدوث ذلك. الأول هو أن القدرات العسكرية الروسية ضعيفة مقارنة بقدرات الجيوش الغربية، إذ تعد قواتهم غير مدربة تدريبًا كافيًا؛ ومعداتهم وأسلحتهم قديمة وأقل كفاءة؛ وهم يواجهون صعوبات لوجستية وتشغيلية وتكتيكية كبيرة؛ ومعنويات جنودهم منخفضة.
كما أن العقوبات الاقتصادية المدمرة المفروضة تعني أيضًا أن روسيا قد لا تكون قادرة على تمويل حرب أوسع. ويعد التوقع بأن موسكو ستكون قادرة على تصعيد الحرب إلى مسارح أخرى بطريقة فعالة، خاصة بالوسائل التقليدية، غير واقعي. من المحتمل أنه إذا استمر الجيش الروسي في المعاناة، فقد ينشر الرئيس فلاديمير بوتين أسلحة كيميائية أو حتى نووية لزيادة المكاسب وردع الغرب عن التدخل – لكن هذا غير مرجح، بحسب الكاتبة.
السبب الثاني هو أن روسيا أصبحت معزولة. ومن أجل خوض حرب عالمية، تحتاج روسيا إلى حلفاء أقوياء غير موجودين، إذ ظلت الصين، أقوى حليف لموسكو، على الهامش إلى حد كبير منذ بدء الحرب، فقد امتنعت عن التصويت ضد قرار الأمم المتحدة الذي يطالب روسيا بإنهاء هجومها، كما أنها تتوجس من عقوبات ثانوية إذا ساعدت روسيا. وكانت الدول الوحيدة إلى جانب روسيا التي صوتت لرفض القرار هي بيلاروسيا وكوريا الشمالية وإريتريا وسوريا، لقد شهدت كلتا الحربين العالميتين حلفين قويين يقاتلان بعضها البعض، أما حاليًّا، مثل هذا الحلف غير موجود في الجانب الروسي.
تعني هذه العوامل أنه لا يوجد خطر كبير من حدوث تصعيد يصل إلى حرب عالمية شاملة. يجب أن يكون هذا كافيًا لإقناع الدول الغربية بتغيير سياسة الاشتباك الخاصة بها ومساعدة أوكرانيا على كسب الحرب من خلال صد خصم أقل شأنًا منها. ولكن من غير المحتمل أن يحدث ذلك لسببين رئيسيين: الخوف من الأسلحة النووية الروسية ونفور الغرب من وقوع إصابات.
الخوف من السلاح النووي الروسي
تكشف سيمهوني أن السبب القابل للنقاش بصورة أكبر هو القلق من أن روسيا سوف تستخدم الأسلحة النووية إذا تدخل الناتو عسكريًا. فقد شدد بوتين على حق روسيا في استخدام الأسلحة النووية في أوكرانيا، مما يجعل هذا مصدر قلق مشروع، ومع ذلك، فمن المرجح أن الردع النووي – وإن كان مختلفًا عن ردع الحرب الباردة – سوف يستمر. وقد يؤدي استخدام روسيا للأسلحة النووية، سواء ضد أوكرانيا أو ضد دولة عضو في الناتو، إلى عواقب وخيمة على روسيا.
قال وزير الدفاع جيمس ماتيس في عام 2018، رافضًا الفكرة القائلة بأن الأسلحة النووية التكتيكية تمثل تهديدًا أقل بطريقة ما، مؤكدًا أن “أي سلاح نووي يستخدم، هو تغيير إستراتيجي للعبة”. لذلك، إذا قام الناتو بالرد بقوة، سواء بأسلحة نووية أو تقليدية، فقد يستهدف المواقع العسكرية الروسية الإستراتيجية وربما حتى مواقع القوة السياسية، بهدف القضاء على القدرات العسكرية الروسية واستهداف من هم في مواقع السلطة – وهي خطوة يمكن أن تهدد قيادة بوتين. لذلك يجب اعتبار انتقام الناتو تهديدًا كبيرًا لبوتين، خاصة وأن خصوم موسكو يشملون العديد من الدول ذات القدرات النووية الكبيرة، مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا.
بالإضافة إلى ذلك، تكمن الهوية الوطنية في قلب هذا الصراع. ليس لدى بوتين دافع كبير لتدمير دولة يرغب في ضمها ولم يجر أي استعدادات لاستخدام الأسلحة النووية، ويفسر الخوف من القنبلة أحد أسباب قرار الغرب ترك أوكرانيا تقاتل بمفردها، وهناك اعتبار آخر أساسي بالنسبة للغرب: حساسية الضحايا. إذ تقول سيمهوني إن الحساسية للضحايا – وتحديدًا الوفيات بين القوات – أضحت عنصرًا رئيسيًا يؤثر في استعداد الغرب للحرب واستخدام القوة، وعملية صنع القرار فيما يتعلق بالمشاركة في الحروب.
جاءت صدمة ما يسمى بالجيل الضائع في بريطانيا بعد خسارة 750 ألف جندي في الحرب العالمية الأولى. لقد طغت الصدمة على الشعب وأثرت في السياسة الخارجية والتأهب العسكري في فترة ما بين الحربين في محاولة مضللة لتجنب حرب أخرى. وحدث الشيء نفسه في الديمقراطيات الليبرالية الأخرى التي شوهتها الحرب، مثل فرنسا، في حين أن البلدان التي لم تكن ديمقراطية – مثل ألمانيا، والتي عانت من خسائر أكبر من فرنسا وبريطانيا – انجذبت بالتالي نحو الفاشية وعادت إلى النزعة العسكرية.
تغير وجهات النظر حول الحرب
خضعت المواقف العامة تجاه الحروب لتغييرات عميقة خلال القرنين العشرين والحادي والعشرين نتيجة لعمليات التحرير والديمقراطية واسعة النطاق. وأدت المفاهيم الليبرالية للفردانية، والحريات الشخصية، والحد من العنف الداخلي، ونمط الحياة المريح إلى تغييرات في المواقف حول الحرب – في المقام الأول، بجعلها طريقة غير مرغوب فيها لحل النزاعات. إن رفض العنف والمعاناة المصاحبين لها جعل من الصعب على قادة الديمقراطيات الليبرالية تبرير المشاركة العامة في الحروب، خاصة التي لا تتعرض فيها الأمة لتهديد مباشر.
تضيف سيمهوني أن تدخلات الولايات المتحدة في فيتنام ولبنان والصومال والعراق، على سبيل المثال، ارتبطت بالخسائر التي حدثت فيها. وأثار قصف ثكنات مشاة البحرية عام 1983 في لبنان والذي أسفر عن مقتل 241 جنديًا أمريكيًا ومعركة مقديشو عام 1993، حيث قتل 18 جنديًا أمريكيًا، ردود فعل قوية ضد مثل هذه المهمات، مما أدى إلى إنهائها بشكل مفاجئ على الرغم من تمتعها في البداية بدعم شعبي واسع.
جاء رد فعل مماثل بعد هجوم تيت في فيتنام في يناير 1968، والذي أسفر عن مقتل 1500 أمريكي، وكانت هذه لحظة فاصلة غيرت الجدل حول الحرب وأدت إلى تعليق خطط التصعيد، كما انخفض التأييد للحرب الثانية في العراق بشكل كبير مع تصاعد القتلى، مما دفع الجمهور الأمريكي للتشكيك في ضرورة شن الحرب أو طريقة إدارتها وفرص نجاحها.
تشير الكاتبة إلى أن استخدام إسرائيل للقوة ضد حزب الله في لبنان تأثر بالخوف من سقوط ضحايا، وشمل ذلك الاعتماد المفرط على القوة الجوية في محاولة للحد من القتلى بين القوات البرية خلال حرب لبنان عام 2006 مقابل تقويض الفعالية العسكرية. وقد علق رئيس الأركان الإسرائيلي آنذاك، الجنرال دان حالوتس: “لم نرسل قوات برية إلى لبنان لأن الإسرائيليين لا يمكنهم تحمل المزيد من القتلى”.
كما تأثر انسحاب إسرائيل من جنوب لبنان بشدة أيضًا بعدم رضا الجمهور عن الخسائر التي تكبدها الجيش، لا سيما بعد عدة حوادث مكلفة خلال التسعينيات قوضت الدعم لاستمرار الوجود العسكري وأثارت انتقادات متزايدة للحكومة.
لا تظهر البلدان غير الديمقراطية والمنظمات المتطرفة مثل هذا النفور من الضحايا. وخلال الحرب العراقية الإيرانية، ضحى كلا الجانبين بوحشية بالأطفال باستخدامهم كاسحات ألغام ودروعًا بشرية. وبالمثل، أظهر كل من الفيتكونج في فيتنام وحزب الله في لبنان استعدادًا كبيرًا للتضحية بالأرواح على الرغم من تكبدهم خسائر أكثر من أعدائهم، بحسب الكاتبة. وتشير إلى ما مقولة الرئيس المصري آنذاك أنور السادات الشهيرة “مصر ستضحي بمليون جندي” في حرب أكتوبر 1973 ضد إسرائيل، على الرغم من عدم مواجهة بلاده تهديدًا وجوديًّا أو مخاوف إستراتيجية خطيرة، بحسب سيمهوني.
الخوف من وقوع الضحايا
تؤكد سيمهوني أنه ليس هناك الكثير من الأدلة التي تشير إلى وجود حساسية متزايدة للخسائر بين القوات في روسيا، وهي دولة لها تاريخ من الوفيات الجماعية في كل من الحروب العالمية، والحرب الأهلية، وكذلك القمع والقتل الوحشي لشعبها. يشير الاستخدام المستمر للقوة في أوكرانيا، الذي أسفر عن مقتل ما يصل إلى 15 ألف عسكري روسي حتى الآن وفقًا لصحيفة واشنطن بوست، إلى أن الخسائر البشرية لا تهم كبار الضباط الروس. وتقف أوكرانيا على النقيض من ذلك، فهي تقبل خسائرها لأنها تخوض حربًا وجودية من أجل الاستقلال الوطني.
كانت حساسية الإصابات أحد العوامل التي تشكل سلوك الديمقراطيات، حيث يفضل السياسيون الغربيون تجنب الانخراط المباشر في الحروب وتجنب استخدام القوات البرية، حتى على حساب الأهداف والردع. إنه أحد الأسباب التي أدت إلى تبني سياسة عدم الانخراط دون تردد فيما يتعلق بأوكرانيا، قبل وقت طويل من رفع بوتين حالة التأهب للترسانة النووية الروسية.
كشف الخوف من الخسائر بين الجنود أن سياسة عدم الاشتباك كانت قائمة قبل الغزو الروسي – وبالتالي لا علاقة لها بالقلق من التصعيد إلى حرب أوسع. لقد فهم بوتين ذلك، الذي راهن – بشكل صحيح – على أن الدول الغربية لن تلعب دورًا نشطًا في الحرب باستخدام القوة المباشرة ضد القوات الروسية، ليس فقط خوفًا من التصعيد ولكن نتيجةً لعقيدة موجودة مسبقًا تسعى إلى تقليل الخسائر. لو قلل الغرب تحفظه من وقوع الإصابات، لكان ذلك بمثابة رادع أكبر للعدوان الروسي.
بالنسبة للحرب في أوكرانيا، على عكس خطر التصعيد واستخدام الأسلحة النووية، فإن خطر تكبد الخسائر كبير. وبالنظر إلى مدى النفور من الخسائر البشرية، فإن تكليف القوات بمحاربة روسيا سيتطلب من الديمقراطيات الليبرالية أن تخضع لتحول كبير في النهج.
لكن هناك طرقًا للتخفيف من تأثير حساسية الضحايا على الرأي العام – تستدرك سيمهوني. إن تعديل توقعات الجمهور فيما يتعلق بطول فترة الحرب والخسائر التي ستنجم عنها وكذلك إظهار الوحدة السياسية الداخلية يمكن أن يساعد. ويمكن الاعتماد بشكل أساسي على القوة الجوية، مما يحد من الخسائر. فخلال حرب إسرائيل عام 2006 في لبنان والحروب الأخرى، ثبت أن هذا له فعالية محدودة، ومع ذلك، إذا تم ذلك بالتعاون مع القوات البرية الأوكرانية، فقد يكون لهذا فرص أفضل للنجاح، بحسب الكاتبة.
أحدثت هذه الحرب تحولًا في المواقف تجاه الحروب في أوروبا. شهد الألمان، الذين اشتهروا بأنهم من دعاة السلام منذ عام 1945، أكبر تحول وهم يدعمون الآن المساعدة العسكرية لأوكرانيا وزيادة كبيرة في الإنفاق لإعادة بناء القوة العسكرية لألمانيا. لكن هناك حاجة إلى تحول أكبر بالنظر إلى العدوان الروسي.
ليس غريبًا على روسيا استهداف المدنيين، حيث سبق أن شنت قصفًا مكثفًا على جروزني في الشيشان خلال أعوام 1994 إلى 1995 ومن 1999 إلى 2000. وهي تفعل ذلك مرة أخرى الآن. لقد حان الوقت لكي يتوقف الغرب عن الخوف من التهديدات المحدودة التي من غير المحتمل أن تتحقق وأن يستخدم تفوقه العسكري لمساعدة أوكرانيا في الدفاع عن استقلالها، بحسب الكاتبة.
لن يحول تدخل الناتو هذا الصراع المحلي إلى حرب عالمية ثالثة. ثمة خطر من هجوم نووي تكتيكي على أوكرانيا، لكنه محدود بالنظر إلى ما قد يعنيه أي انتقام بالنسبة لروسيا. لذلك يجب على الغرب أن يقرر إلى متى سيمنعه الخوف من وقوع الإصابات من المشاركة، ويسمح لروسيا بزرع الدمار في طريق سعيها وراء طموحات توسعية.