الرئيسة \  تقارير  \  فورين بوليسي: هكذا يحاول مقتدى الصدر أن يصبح “خميني العراق”

فورين بوليسي: هكذا يحاول مقتدى الصدر أن يصبح “خميني العراق”

15.08.2022
عبدالرحمن النجار


عبدالرحمن النجار
ساسة بوست
الاحد 14/8/2022
أعد شايان طالباني تحليلًا نشرته مجلة “فورين بوليسي”، إنه على الرغم من معارضة مقتدى الصدر – رجل الدين الشيعي – النفوذ الإيراني في العراق، فإن قدوته هو مؤسس إيران والمرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية، آية الله الخميني.
في الأشهر الأخيرة، انتقل الصدر من طليعة الجهود المبذولة لتشكيل حكومة في العراق إلى قيادة البلاد نحو ما يسميه ثورة. ويستمر أنصار الصدر في التظاهر، كما احتلوا مبنى البرلمان العراقي والمنطقة الخضراء في بغداد، مما أربك عملية تشكيل الحكومة العراقية.
وأوضح طالباني أنه بعد نجاح كتلة تحالف “سائرون” – التي يتزعمها الصدر – في الانتخابات البرلمانية في أكتوبر (تشرين الأول) 2021، بدا أن الصدر يهز السياسة العراقية من خلال تشكيل حكومة استبعدت خصومه المدعومين من إيران من السلطة. بصفته زعيم الكتلة التي تمتلك أكبر عدد من المقاعد، رفض الصدر الصيغة الخاصة بحكومات تقاسم السلطة القائمة على التوافق، والتي كانت هي القاعدة منذ إطاحة الرئيس العراقي السابق صدام حسين في عام 2003.
بدلًا من ذلك، شكَّل الصدر تحالفًا ثلاثيًّا بعنوان “أنقذوا الوطن” مع أكبر حزب كردي، وهو الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البرزاني، وكذلك تحالف السيادة الذي يتزعمه رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، وهو كتلة سياسية سنية – ومن ثم ضمن الأغلبية في البرلمان العراقي. ثم كلف التحالف بتشكيل الحكومة العراقية.
بالنسبة للكثيرين، يمثل هذا بداية جديدة، وما يأمل البعض أن يؤدي إلى تضاؤل ​​النفوذ الإيراني في البلاد. وتوافقت التأييدات الدولية والإقليمية على الصدر، حيث وصف بعض المعلقين الصدر في العراق والولايات المتحدة بأنه أفضل أمل – وهو تحول ملحوظ في الموقف من الصدر بعد عام 2003 عندما كانت مليشيا جيش المهدي التابعة له تقود ما وصفه الكاتب بأنه “تمرد عنيف” في العراق، بما في ذلك ضد القوات الأمريكية. يعتقد العديد من المحللين الغربيين والقادة الإقليميين الآن أن الصدر يمكن أن ينقذ العراق من المليشيات الشيعية الجامحة أو على الأقل يضمن تحالف العراق مع المعسكر المناهض لإيران وحلفائها الإقليميين.
ولكن في 12 يونيو (حزيران)، قلب الصدر عملية تشكيل الحكومة رأسًا على عقب عندما طلب من جميع أعضائه البرلمانيين البالغ عددهم 73 نائبًا الاستقالة بزعم كسر الجمود السياسي الذي ترك العراق بدون حكومة بعد نحو تسعة أشهر من الانتخابات البرلمانية. يشير الطالباني إلى أنه نتيجة لذلك جرى تكليف خصومه السياسيين الموالين لإيران، تحالف إطار التنسيق، بتشكيل حكومة. وفي 25 يوليو (تموز)، أعلنوا أن محمد السوداني مرشحهم لرئاسة الوزراء. بعد ذلك، دعا الصدر إلى الاحتجاج على ترشيح السوداني، فخرج مئات من أنصاره إلى الشوارع واقتحموا البرلمان العراقي والمنطقة الخضراء ورددوا شعارات مناهضة لإيران ورفعوا صور الصدر.
قبلها بأيام قليلة، أطلق صحافي عراقي مقيم في الولايات المتحدة سلسلة من التسجيلات الصوتية المسربة لرئيس الوزراء العراقي السابق، ورئيس “إطار التنسيق”، نوري المالكي، وهو يهين وينتقد زملاءه من إطار التنسيق وتيار الصدر. يُزعم أن التسجيل الصوتي يكشف عن تلميح المالكي إلى حرب شيعية مقبلة. ولا شك أن التسريب لعب دورًا في التطورات الأخيرة، مما شجع الصدر على اتخاذ خطواته الأخيرة. ولمصلحة الصدر، أثرت التسجيلات على موقف المالكي داخل الجبهة الشيعية وفي مواجهة طهران، التي دفعت تقليديًّا نحو تشكيل كتلة شيعية كبيرة وموحدة في العراق.
لا شك في أن الصدر لعب الورقة القومية في السنوات الأخيرة، وفق الكاتب. ومع ذلك، مثل العديد من وسطاء القوة السياسية في العراق، فإن علاقته مع إيران معقدة ومتعددة الأوجه، وعلى الغرب فهم ذلك. وعلى الرغم من جهود الصدر الواضحة للعمل حصنًا ضد النفوذ الإيراني في العراق، ربما يكون مصدر إلهامه الرئيسي هو مؤسس إيران والمرشد الأشهر آية الله روح الله الخميني. إن مزيج الصدر الإستراتيجي بين القومية العراقية ومعاداة الغرب والإسلام الشيعي هو أمر مستوحى مباشرة من منهج خميني.
على مدى عقود، اتخذ الصدر خطوات سياسية محسوبة. فقد حافظ على توازن دقيق بين مختلف المصالح في العراق، بما في ذلك مصالح إيران ودول الخليج العربي. وفي الماضي، عندما تخلت الجهات السياسية العراقية عن هذا التوازن، واجهت البلاد عدم استقرار متزايد. وسيكون شخص مثل الصدر، على دراية بالسياسة العراقية، مدركًا تمامًا أن حكومة الأغلبية المُشكَّلة أساسًا لاستبعاد الأحزاب والشخصيات الموالية لإيران من البداية لن تكون مجدية، ويمكن أن تندلع بسهولة حرب أهلية.
وهنا يتساءل الطالباني: هل إستراتيجية الصدر الأخيرة تفكير قاصر أم محاولة متعمدة لزعزعة الاستقرار؟
كيف تغيرت مواقف الصدر عبر السنين؟
على مر السنين، تحول الصدر من تقديم نفسه بصفته زعيم مليشيا طائفية شيعية إلى إصلاحي مؤيد للديمقراطية وقومي عراقي، حيث كان يزرع بعناية وبراجماتية مواقفه السياسية وخطابه للاستيلاء على المزاج السياسي في العراق. على الرغم مما قد يفكر فيه المرء بشأن مدى صدقه، فقد قام الصدر بتأطير سياسته وخطابه لجذب المشاعر الشعبية في العراق. وقد ظهرت في خطابه المشاعر المعادية لإيران وتركيا، والقومية العراقية، والاستياء العام من الفساد وسياسات الوضع الراهن.
إن سياسات الصدر ليست بالضرورة معادية لإيران بطبيعتها وليست مدفوعة بالكامل بالمنافسات الشخصية، مثل تلك مع المالكي. وبدلًا من ذلك، كانت براجماتية الصدر، وذكاؤه السياسي، ومواقفه الذاتية الحذرة هي التي سمحت له بالاستفادة من لحظات عدم الاستقرار
يشير الكاتب إلى أنه استنادًا إلى سنوات التحولات التكتيكية التي قضاها الصدر؛ فمن غير المرجح أن يرغب في أن يكون جزءًا من حكومة أغلبية، ومن المرجح أنه كان يعول على فشل التحالف. وبذلك، سيكون الصدر قادرًا على القول إنه حاول العمل من أجل مصلحة البلاد، لكن في النهاية، لم تنجح جهوده بسبب من يسميها النخبة الفاسدة في البلاد.
مثلما فعل الخميني في إيران، بنى الصدر ووالده من قبله شعبيتهما في العراق على مر السنين بناءً على شهرتهما بين الشيعة الفقراء والمحرومين في البلاد: مستضعفي العراق. صاغ الصدر سياساته بذكاء حول المشاعر المتزايدة في العراق والشرق الأوسط الأكبر، حيث ترفض الغالبية العظمى من الناس أيديولوجية الحركات الدينية المسيسة، وبدلًا من ذلك يفضلون الحكومات البراجماتية التي يمكن أن تخلق المزيد من فرص العمل للشباب، وإصلاح المؤسسات الدينية، وتحسين الخدمات العامة.
وقد أظهر الصدر مرونة في تحالفاته السياسية وخطابه لتعكس هذه الرغبات. لقد حاول دعم واستغلال تصاعد الاحتجاجات التي يشهدها العراق منذ 2018، لأنه يعلم أن مستقبل البلاد يتطلب فهمًا عميقًا لسياسات الشارع. كانت احتجاجات أكتوبر العراقية التي بدأت في عام 2019 هي التي أطاحت في نهاية المطاف رئيس الوزراء العراقي السابق وأسفرت عن انتخابات مبكرة. وشهدت خروج العراقيين إلى الشوارع مطالبين بإنهاء الحكم الطائفي، والتدخل الأجنبي، والفساد الذي تفرضه الدولة، فضلًا عن الدعوة إلى توظيف أفضل، وخدمات عامة، وظروف معيشية.
الصدر ليس غريبًا عن التاريخ الحديث للشرق الأوسط وقوة تعبئة الشوارع لإطاحة الأنظمة، بما في ذلك في إيران عام 1979. ولكن مثل الخميني قبله، فهو مقيد بصورته: أي تاريخ عائلته وخلفيته الدينية ونوع معين من السياسات الإسلامية الشيعية.
مقتدى الصدر سليل عائلة ثورية
كشف الطالباني عن أن الصدر ينحدر من سلالة محترمة من رجال الدين الشيعة العراقيين. كان أحد أعمام مقتدى البارزين من بين قادة الثورة العراقية عام 1920 ضد الاحتلال البريطاني. يعد والد زوجة مقتدى وابن عمه آية الله العظمى محمد باقر الصدر (1935-1980) أحد أهم علماء الشيعة في القرن العشرين. ساعدت أفكاره في تطوير نماذج من النشاط الديني تختلف عن النهج الأكثر هدوءًا السائد في المؤسسة الدينية في النجف في ذلك الوقت.
كان باقر الصدر أحد مؤسسي حزب الدعوة الإسلامي الشيعي في الستينيات وكان زعيمه الأيديولوجي المرشد. وبعد إنشاء جمهورية الخميني الإسلامية في إيران المجاورة، والتي يمكن القول إنها مستوحاة جزئيًّا من أفكار باقر الصدر، اتهم نظام صدام باقر الصدر بمحاولة قيادة ثورة مماثلة في العراق. وخوفًا من ذلك، أعدم النظام باقر الصدر في عام 1980. وبعد أكثر من 40 عامًا، يبدو أن مقتدى الصدر يريد تحقيق تلك الثورة.
لطالما جرى تحليل سياسات الخميني وتفسيرها. تضمنت الهويات الإيرانية والأفكار التي أثارها الخميني تشكيلة شعبوية من الإسلاموية الشيعية والماركسية والخطاب الشعبي المناهض للاستعمار والغرب والمناهض لإسرائيل – وكلها كانت مفيدة في اختطاف ثورة 1979 الإيرانية.
يؤكد طالباني أن خطاب الصدر قد تطور بالمثل على مر السنين. استغل المشاعر المعادية للولايات التي أعقبت غزو عام 2003 وحافظ على الخطاب القوي المناهض للإمبريالية ولإسرائيل على مدار العقدين الماضيين، لكنه أيضًا كيَّف أيديولوجيته وغيَّرها مع الزمن، وتحول من الطائفية الشيعية الصريحة في السنوات التي أعقبت الغزو الأمريكي إلى القومية العراقية في السنوات الأخيرة.
وبالمثل، ازدادت نبرته المناهضة لإيران مع تزايد المشاعر المعادية لطهران داخل البلاد، وعندما نزل العراقيون إلى الشوارع للتنديد بالضربات الصاروخية التركية على منتجع سياحي في 20 يوليو، دعا الصدر أنصاره إلى النزول إلى الشوارع والقتال ضد تركيا.
لطالما شغل الصدريون وأتباعهم مناصب رئيسية في حكومات ما بعد عام 2003 في العراق، ولكن من خلال رفضه لعب دور مباشر في الحكومة، كان الصدر قادرًا على الإصرار على أنه غير مسؤول عن تناقضات الحكومة وأخطائها. وبدلًا من ذلك، حاول أن ينمي صورة “رجل الشعب”. يستخدم الصدر عدم القدرة على التنبؤ بخططه للحفاظ على هذه الصورة لأن الظهور خارج النظام السياسي العراقي هو جزء من هدفه الأكبر.
دفعت أحداث الأسبوع الماضي عملية تشكيل الحكومة العراقية إلى فوضى عارمة. بعد أن اقتحم أنصار الصدر مجلس النواب والمنطقة الخضراء بعد دعوته للثورة. هدد معارضو مقتدى بثورة مضادة، ويشعر الكثير من العراقيين أنهم على شفا حرب أهلية. والآن، دعا الصدر إلى إعادة الانتخابات بينما يواصل أنصاره التجمع داخل البرلمان وحوله، مما يطيل من عدم الاستقرار السياسي في البلاد أكثر. لكن هذا هو بالضبط هدف الصدر النهائي: إثارة الأمة واختطاف المشاعر الشعبية ليصبح الرجل الأقوى في العراق.
الرقص على كل الحبال
يرى الطالباني أنه على الرغم من أن الصدر يقف في مواجهة إيران ظاهريًّا، لأن ذلك يتوافق مع المزاج الشعبي، لكنه في الواقع يحتفظ بعلاقات وطيدة معها. يدرك الصدر بحكمة أن إيران لا تزال الفاعل الخارجي الأقوى في العراق، وأن علاقته بها ليست متوترة كما يود الناس أن يظنوا. لا تزال إيران تسيطر على الصدر، وهو يدرك أهمية عدم قطع تلك العلاقات.
يزور الصدر إيران بشكل متكرر لأسباب عائلية ودينية. في عام 2019، احتفل الصدر بيوم عاشوراء بزيارة المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي في طهران. بعد بضعة أشهر، في نوفمبر (تشرين الثاني) 2019، خلال ذروة الاحتجاجات، شوهد الصدر في مدينة قم، مكان دراسته السابق وهي بمنزلة العاصمة الدينية لإيران. في فبراير (شباط) من هذا العام، عقب اجتماع مع فيلق قائد القدس التابع للحرس الثوري الإسلامي اللواء إسماعيل قآني، خرج الصدر ببيان بخصوص تشكيل الحكومة العراقية ونقل مباشرة عن الخميني قوله: “لا شرق ولا غرب – حكومة أغلبية وطنية”. الصدر ليس معاديًا لإيران. إنه يريد فقط أن يكون الشخصية الأساسية التي يتعين على الإيرانيين والجميع التعامل معها.
لقد أصغى الصدر لصوت الشارع، مما سمح له باستغلالهم بدرجة من النجاح. لكن هذا الجمهور قد يتغير بسرعة أكبر مما يستطيع الصدر مواكبة ذلك. دعا المتظاهرون إلى مستقبل مختلف تمامًا للعراق، مستقبل تقدمي وديمقراطي. على الرغم من النجاحات التي حققها الصدر، شهدت الانتخابات الأخيرة في العراق انخفاضًا كبيرًا في نسبة الاقتراع، ويبدو أن نجاحات الصدر ترجع إلى قدرته على التنظيم والتعبئة أكثر من شعبيته.
ولكن مثلما من المحتمل ألا تنال ثورة الخميني الدعم في إيران لو أنها اندلعت اليوم، فإن مشروع الصدر في العراق لن يناسب كل العراقيين اليوم. ويشتكي الشباب في إيران اليوم شكاوى مختلفة عن جيل آبائهم. بالنسبة للعديد من هؤلاء الشباب، فإن إيجاد الوظائف والفرص، والتواصل مع العالم، والاستمتاع بالحياة هي أولوية أعلى من الطموحات الثورية الإسلامية. تؤكد الاحتجاجات التي يقودها الشباب في العراق قصة مماثلة: كان المتظاهرون متنوعين عرقيًّا ودينيًّا وتقدميين، وركزوا على إصلاح النظام السياسي في العراق وتحديثه والحفاظ على ديمقراطيته، وليس إطاحته. لا يحتاج العراق إلى ديكتاتور قوي آخر. سيكون ذلك حلًّا قصير المدى لبحر من المشكلات.
يلعب الصدر لعبة طويلة، ويظهر بحذر نفسه بديلًا معقولًا لزعيم العراق، سواء للداخل أو لصانعي السياسات الإقليميين والدوليين. مثل الخميني والشعبويين الآخرين من قبله، فهو على استعداد لتوجيه العراق إلى مسار مقلق للغاية لتحقيق هذا الهدف. ليس هناك شك في أن سياسات العراق كانت بالفعل فوضوية بشدة في بعض الأحيان. ومع ذلك، فإن استعداد الصدر لتفاقم الاضطرابات السياسية في العراق، وتأخير تشكيل الحكومة العراقية، وتصعيد الاحتجاجات أكثر – مما يهدد بحرب شاملة مع الجماعات الشيعية المتنافسة – يجب أن يكون بالتأكيد تحذيرًا بأنه قادر على دفع البلاد نحو الهاوية.