الرئيسة \  تقارير  \  فورين بوليسي : كيف سيطرت شركات النفط الخاصة على أمن الطاقة في أمريكا؟

فورين بوليسي : كيف سيطرت شركات النفط الخاصة على أمن الطاقة في أمريكا؟

24.05.2022
ساسة بوست


ساسة بوست
الاثنين 23/5/2022
نشرت مجلة “فورين بوليسي” مقالًا لجريجوري برو، زميل الدكتوراة في معهد جاكسون للشؤون العالمية بجامعة ييل الأمريكية، سلَّط فيه الضوء على تأثير شركات النفط الخاصة على قطاع الطاقة وأمنه في أمريكا، مشيرًا إلى أن هذه الشركات على مدار القرن الماضي كانت تُقدم مصالحها التجارية على الصالح العام والأمن القومي الأمريكي.
استهل الكاتب مقاله بالإشارة إلى تنامي المخاوف المتعلقة بأمن الطاقة في أعقاب غزو روسيا لأوكرانيا؛ إذ ارتفعت أسعار النفط الخام متجاوزةً 120 دولارًا للبرميل الواحد، بينما تخطى متوسط ​​سعر جالون الوقود في الولايات المتحدة أربعة دولارات. وعلى الرغم من التهديد الذي يلوح في الأفق بسبب التغير المناخي والحاجة إلى تخلص الاقتصاد العالمي من الكربون، يجادل السيناتور الديمقراطي جو مانشين وعدد من المشرِّعين في الكونجرس الأمريكي بأن أفضل طريقة أمام واشنطن كي تعالج هذه الأزمة الحالية هي زيادة الإنتاج المحلي من النفط والغاز.
تداعيات اعتماد أمريكا على الشركات الخاصة
يقول الكاتب: يبدو هذا الرأي منطقيًّا في الظاهر؛ إذ يرتبط إنتاج الوقود الأحفوري ارتباطًا وثيقًا بأمن الطاقة، بمعنى أن تكون الدولة قادرة على تلبية احتياجاتها من الطاقة بإمدادات ثابتة وبأسعار يُمكن السيطرة عليها. وكلما زاد إنتاج أية دولة من النفط، قَلَّ تعرضها لصدمات الإمدادات الخارجية. ولكن على النقيض من الدول الرئيسة المُنتِجة للنفط، مثل السعودية أو كبار المستهلكين مثل الصين، تعتمد الولايات المتحدة على الشركات الخاصة، بدلًا عن الكيانات المملوكة للدولة، لتنفيذ عمليات التنقيب عن منتجات الطاقة، وإنتاجها، وتكريرها، ونقلها، وتسويقها. وخلافًا للكيانات المملوكة للدولة، والتي تسعى وراء أية فرص تجارية لخدمة الأولويات الوطنية، لا يقود شركات النفط الخاصة سوى الدافع وراء تحقيق الأرباح.
وعلى الرغم من أن الشراكة بين المصلحة العامة ورأس المال الخاص قد عَمِلت على تلبية احتياجات أمريكا من الطاقة في السابق، فإن نهج واشنطن التقليدي قد يكون غير كافٍ للتغلب على أزمتها الراهنة. وبحسب الكاتب تواجه الولايات المتحدة مشكلة ثلاثية الأبعاد: كيفية تزويد البلاد بمنتجات الطاقة، وتلبية احتياجات حلفائها في أوروبا من الطاقة، واتخاذ تدابير للتخفيف من آثار التغير المناخي العالمي، وينبغي عليها حل كل هذه المشكلات دون أن تتسبَّب في حدوث تداعيات اقتصادية سلبية. وتُظهِر السوابق التاريخية أن توقُّع تلبية الجهات الفاعلة التابعة للشركات الاحتياجات العامة لن يكون كافيًا لحل هذه المشكلات، بل يُمكن أن يعرِّض ذلك الأمن القومي الأمريكي للخطر من خلال إخضاعه للمصالح التجارية الضيقة الخاصة بصناعة بعينها.
ويوضح الكاتب أنه على مدار القرن العشرين اضُّطُر صانعو السياسة الأمريكية في أحيانٍ كثيرة، بسبب المخاوف المتعلقة بشأن النقص المرتقب في النفط، إلى الضغط على شركات النفط الأمريكية لزيادة الإنتاج داخل البلاد وخارجها. وفي أعقاب الحرب العالمية الأولى، وبالتزامن مع تراجع إنتاج النفط الأمريكي لمدة وجيزة بعد سنوات من ارتفاع الطلب في زمن الحرب، حثَّ المسؤولون الأمريكيون الشركات الخاصة على توسيع أنشطتها دوليًّا أثناء بحثها عن مزيد من النفط داخل البلاد؛ مما أدَّى إلى تحقيق زيادة كبيرة في إنتاج النفط المحلي.
وخلال الحرب العالمية الثانية حظيت الشركات الأمريكية بدعمٍ من وزارة الخارجية الأمريكية لتطوير ممتلكاتها في الشرق الأوسط. وكان النفط الرخيص القادم من الخليج العربي أحد المكونات الأساسية في مشروع مارشال، الذي أعاد بناء أوروبا الغربية الممزَّقة جرَّاء الحرب. ولدعم عمليات الشركات سمحت وزارة الخزانة الأمريكية لها بخصم الضرائب المدفوعة لحكومات الشرق الأوسط من إجمالي الضرائب التي تدفعها تلك الشركات.
ونتيجةً لهذه الشراكة بين القطاعين العام والخاص، تدفق النفط الرخيص إلى الغرب الصناعي؛ مما أسفر عن ازدهار اقتصادي هائل بعد الحرب. وتعاملت وزارة الخارجية الأمريكية مع الشركات على أنها أدوات فاعلة للنهوض بالمصلحة الوطنية وتعزيز أمن الطاقة. إلا أن تباين الأولويات التجارية بين الشركات أدَّى في أحيانٍ كثيرة إلى نزاعات عرَّضت الأمن القومي الأمريكي للـ(تهديدات)، أو لتحريف السياسات لخدمة المصالح التجارية.
حماية الصناعة المحلية
يُنوِّه الكاتب إلى أنه بعد الحرب العالمية الثانية بدأت “شركات النفط الكبرى”، مثل إكسون وموبيل وشيفرون، في استيراد النفط إلى أمريكا من احتياطاتها الرخيصة في الشرق الأوسط. وطلبت شركات النفط الأصغر حجمًا، التي تتَّخذ من أمريكا مقرًا لها، مثل سنكلير أويل، وماراثون بتروليوم، وأتلانتيك ريتشفيلد، حمايتها من هذه الواردات، والتي قد تتفوق على النفط المُنتَج محليًّا. وفي أوائل الخمسينات من القرن الماضي ضغطت هذه “الشركات المستقلة” على الكونجرس من أجل فرض حظر على الاستيراد. وبدلًا عن تقديم حُججها التجارية، جادلت هذه الشركات بأن الواردات تُقوِّض الأمن القومي من خلال الإضرار بصناعة النفط المحلية، ودفع أمريكا إلى الاعتماد على “النفط الأجنبي”.
ويضيف الكاتب أن رؤية هذه الشركات هي أن الولايات المتحدة يمكن أن تكون مكتفية ذاتيًّا، أو يمكن أن تنعم “باستقلالية الطاقة”، كما ستعرف البلاد فيما بعد، شريطة أن تحظى الصناعة المحلية بقدر كافٍ من الدعم، وأن تظل الأسعار مرتفعة بالقدر الكافي للحفاظ على الاستثمار في الإنتاج الجديد للنفط.
وبحسب الكاتب فإن عين تلك الشركات المستقلة كانت في حقيقة الأمر على السياسة الفيدرالية التي تدعم أعمال الحفر المحلية، وحماية عملياتها من الدخول في منافسة مع النفط المستورد. وبهذه الطريقة شُتِّتت الحكومة الفيدرالية في اتجاهين. وخلُصت لجنة الطاقة الخاصة بالرئيس الأمريكي السابق دوايت أيزنهاور إلى أنه سيكون من الضروري تقييد الواردات “لصالح مجال الدفاع الوطني”، حيث ستكون هناك حاجة إلى الإنتاج المحلي في حالة نشوب حرب ضد الاتحاد السوفيتي؛ مما قد يؤدي إلى تعذُّر الحصول على النفط من الخارج.
بيد أن الاعتماد على إمدادات النفط المحلية على المدى القصير من شأنه أن يستنزف الاحتياطيات الأمريكية، ويجعل واشنطن أكثر عرضة للضغط الخارجي بمجرد أن يبلغ الإنتاج المحلي حدوده القصوى. وعلاوةً على ذلك فإنه سيضر المستهلكين من خلال إبقاء سعر النفط مرتفعًا بصورة غير طبيعية على الصعيد المحلي. وكانت وزارة الخارجية غاضبة، واشتكت من أن “الضغوط السياسية الداخلية” تقرر حاليًا السياسة الخارجية “تحت ذريعة مفهوم ضيق للأمن القومي”.
ويضيف الكاتب أنه في نهاية المطاف انتصرت الشركات من خلال الضغوط. وبدأ أيزنهاور نظام حصص الواردات التطوعية عام 1957. وظهر ممثلون من الجمعية الأمريكية لمنتجي البترول المستقلين، وهي مجموعة ضغط للشركات الصغيرة أمام الكونجرس، عام 1958 للمطالبة بحصص إلزامية. وجادلوا بأن الصناعة المحلية “يجب حمايتها من المنافسة المفتوحة”؛ لأن قبول مزيدٍ من الواردات من شأنه أن يُدمر الإنتاج الأمريكي، و”يضع العالم الحر تحت أقدام روسيا”. وفي العام الذي أعقب ذلك جعل أيزنهاور نظام حصص الواردات إلزاميًّا.
العمل على تعزيز الإنتاج المحلي للنفط
يلفت الكاتب إلى أن مدى قدرة الشركات على حماية الأمن القومي بالفعل خضعت لتدقيق شديد خلال أزمة الطاقة التي حدثت في سبعينات القرن الماضي. ومع زيادة الاستهلاك المحلي، انخفض الإنتاج واستُنزِفت الاحتياطيات المحلية، ويرجع ذلك جزئيًّا إلى وسائل الحماية المفروضة من حصص الواردات التي عمل بها أيزنهاور. ولم تحافظ هذه الحصص على قدرة الصناعة على المنافسة، وفي عام 1973 تخلَّت أمريكا عن هذا النظام؛ مما سهَّل تدفق الواردات لتلبية الطلب المحلي المتزايد. وفي أكتوبر (تشرين الأول) عام 1973 فقدت الشركات الأمريكية الكبرى السيطرة على حقول النفط في الشرق الأوسط، مع تقليص الحكومات العربية حجم الإنتاج وفرْض حظرٍ على الولايات المتحدة بينما رَفَعت سعر النفط بنسبة 400٪.
أزمة الوقود في أمريكا
وبحسب التقرير أصبحت شركات النفط مكروهة بشدة وخضعت لتحقيقات مكثفة في الكونجرس، إذ اتَّهمها نواب ديمقراطيون مؤثرون، مثل السيناتور هنري إم جاكسون، بالتلاعب في الأسعار. وعَدَّ هنري كيسنجر، وزير الخارجية الأمريكية، المديرين التنفيذيين لشركات النفط “أغبياء” وفضَّل أن يقيم علاقات وثيقة مع عاهل المملكة العربية السعودية وشاه إيران. وفي عام 1973 دعا الرئيس الأمريكي آنذاك ريتشارد نيكسون إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي في النفط من خلال تطوير مصادر طاقة بديلة وزيادة الفعالية، وأقر جيرالد فورد، الرئيس الأمريكي الذي خلف نيكسون، تشريعًا واسعًا في أواخر عام 1975، والذي أسَّس للاحتياطي البترولي الإستراتيجي ومنح الحكومة الأمريكية سُلطة التدخل في أسواق النفط في الحالات الطارئة. ووصل غضب الرأي العام من الشركات إلى ذروته في الضرائب الاستثنائية المفروضة على الأرباح التي قلَّلت من مدخراتهم وعوائدهم.
ويستدرك الكاتب قائلًا: لكن في الوقت ذاته، اضُّطُر صانعو السياسات الأمريكيين – بسبب الحظر المفروض على أمريكا وارتفاع أسعار النفط – إلى دعم المقترحات التي من شأنها تعزيز الإنتاج المحلي، مثل توسيع عمليات التنقيب عن النفط في البحر وفتح منحدر ألاسكا الشمالي. وبعد سنوات من الضوابط المفروضة على الأسعار التي وفَّرت الحماية للمستهلكين من صدمات الأسعار العالمية، نفَّذ الرئيس الأمريكي الديمقراطي جيمي كارتر، “رفع القيود” على أسعار النفط في عام 1979.
ما الهدف من هذه السياسات الأمريكية؟
يشير الكاتب إلى أن هذه السياسة عادت بالنفع على شركات النفط؛ مما سمح لها بفرض مزيد من الرسوم على تشغيل المضخة على اعتبار أنها حافز للاستثمار في الاستكشاف المحلي للاستثمار في عمليات التنقيب المحلية. وأثناء رفع القيود عن صناعة النفط محليًّا، أرسى كارتر الأساس للوجود الأمريكي العسكري الدائم في الشرق الأوسط من خلال إعلان عقيدة كارتر وإنشاء قوات التدخل السريع (التي أصبحت فيما بعد القيادة المركزية الأمريكية).
وكان الهدف من سياسة كارتر تلك وسياسة الإدارات الأمريكية المتعاقبة لاحقًا هو “تأمين” نفط الشرق الأوسط  بالقوة العسكرية – بالحرب المباشرة وغير المباشرة – وضمان استمرار الدول المُنتجِة مثل السعودية في ضَخ النفط بكميات كافية لضمان أسعار مقبولة في أمريكا. وأصبح أمن الطاقة حاليًا وكأنه رفْع للضوابط التنظيمية عن الطاقة محليًّا، بينما يستخدم الجيش الأمريكي هذه الضوابط لتأمين الحصول على الطاقة من الخارج.
وفي الوقت الذي أمضت فيه واشنطن عقودًا من أجل تحقيق أهداف بعيدة المنال تتعلق بالطاقة في الشرق الأوسط، وإنفاق تريليونات الدولارات على الحروب أثناء تسليح الدول النفطية (أو بالإنفاق في الحرب عليها مثل العراق)، مع قليل من التأثير الظاهري على أسعار النفط، ضغطت الأسعار المرتفعة على الشركات الأمريكية المحلية من أجل إيجاد أساليب جديدة لاستخراج الوقود الأحفوري. وفي إطار ما يُسمى بثورة الطاقة الصخرية، قادت الشركات الخاصة انتعاشًا سريعًا في إنتاج النفط الأمريكي من خلال ما يعرف باسم (التكسير الهيدروليكي)، أو (التنقيب الأفقي).
وخلال الفترة بين عامي 2010 و2019، نما إنتاج النفط الأمريكي من 5.5 مليون برميل يوميًّا إلى 12.3 مليون برميل يوميًّا. وبالإضافة إلى سوائل الغاز الطبيعي، أنتجت الولايات المتحدة ما يكفي من النفط عام 2021؛ لتصبح مُصدرًا صافيًا لأول مرة منذ عام 1948.
الحد من اعتماد أمريكا على النفط
يؤكد الكاتب أن هذا الوضع الجديد، الذي أصبحت فيه أمريكا مُصدِّرًا للطاقة، أعاد الشركات الخاصة إلى طليعة تفكير الأمن القومي للولايات المتحدة. وبينما يسعى الاتحاد الأوروبي إلى إنهاء اعتماده المستمر منذ عقود على الطاقة الروسية، تريد إدارة بايدن المساعدة في سد هذه الفجوة، من خلال التعهد بزيادة شحنات الغاز الطبيعي المسال إلى أوروبا بمقدار 15 مليار متر مكعب بحلول نهاية عام 2022، مستهدفةً الوصول إلى 50 مليار متر مكعب إضافي سنويًّا بحلول عام 2030. وستتطلب هذه الإمدادات زيادة الاستثمار في الإنتاج الأمريكي للنفط.
ومع ذلك، وكما فعلت أسلافها في خمسينات القرن الماضي، تُقدم شركات النفط والغاز الأمريكية الخاصة مصالحها التجارية على مصالح الأمن القومي. وكان التنقيب عن النفط في الولايات المتحدة من المهام المحفوفة بالمخاطر، في ظل انهيار أسعار النفط بداية من عام 2015، وحتى عام 2016، وانهيارها مرةً ​​أخرى عام 2020. وتهتم صناعة النفط والغاز أكثر بتوفير عمليات إعادة شراء الأسهم وتعظيم الأرباح، مع التركيز على استعادة الأرباح ومكافأة أصحاب الأسهم، بدلًا عن زيادة الإمدادات. ويسعى روَّاد صناعة النفط دعمًا مطلقًا من الحكومة الفيدرالية، بما في ذلك القواعد التنظيمية البيئية الأكثر مرونة وفرض قيود أقل على بناء خطوط الأنابيب، قبل أن يوافقوا على زيادة الاستثمار في إنتاج النفط.
وفي الوقت الذي تطالب فيه الشركات الخاصة بهذه المطالب، جرى تشتيت إدارة بايدن، مثل الإدارات السابقة، في اتجاهات مختلفة. ويلتزم الحزب الديمقراطي بالسياسات التي ترمى إلى مكافحة التغير المناخي. إلا أن ارتفاع أسعار الغاز، والتهديد بحدوث أزمة إمدادات عالمية، والضغط من حلفاء الصناعة داخل الحزب الديمقراطي، مثل مانشين، دفعت الإدارة لتبني سياسة أكثر دعمًا للإنتاج المحلي بصورة علنية. وحتى بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، قال بايدن إنه يأمل في الحد من اعتماد الولايات المتحدة على النفط، لتقليل مخاطر التغير المناخي، وتعزيز أمن الطاقة.
وكانت الخطوة الأولى الصائبة هي التي أعلنها في 31 مارس (آذار) لضخ النفط في السوق عبر الاحتياطي البترولي الإستراتيجي، مع استخدام قانون الإنتاج الدفاعي لتسريع تطوير البطاريات المستخدمة في السيارات الكهربائية وأنظمة الطاقة المتجددة. إلا أن الإدارة الأمريكية يُمكنها الذهاب إلى أبعد من ذلك من خلال توسيع نطاق سلطتها للإشراف على تطوير الطاقة.
الخيار الشعبي
ألمح الكاتب إلى أن المسار الأكثر تطرفًا هو ما يُسمى بالخيار الشعبي الذي طرحه السيناتور هنري جاكسون خلال حقبة السبعينات: تأميم صناعة النفط والغاز عمليًّا لكي يمكنها خدمة الصالح العام على نحو أفضل. وقد يكون مثل هذا الإجراء ضروريًّا إذا أرادت واشنطن تجنب أسوأ آثار التغير المناخي، على الرغم من أنه إجراء لن يحظى بشعبية بالتأكيد لدى معظم الديمقراطيين، ولن يجدِ نفعًا قطعًا مع الجمهوريين. ومع ذلك لا يزال بمقدور واشنطن فعل كثير من الأشياء من خلال الإجراءات التنظيمية والتشريعية لتشجيع الاستثمار الخاص عبر الوسائل التي تلبي احتياجات الأمن القومي الحقيقية للبلاد، وليست مجرد آراء ضيقة للمديرين التنفيذيين لشركات الوقود الأحفوري.
وإذا أرادت إدارة بايدن زيادة إنتاج النفط على المدى القصير، يمكنها اعتماد خطة طرحتها منظمة تدافع عن توظيف الأمريكيين، واستخدام قانون الإنتاج الدفاعي وغيرها من الوسائل للحد من تقلُّب أسعار النفط من خلال تخفيف معوقات سلسلة الإمدادات، لا سيما فيما يتعلق بالمعدات والمواد الخام اللازمة لزيادة الإنتاج المحلي وتوسيع نطاقه. إن وضع القيود على صادرات الطاقة مع زيادة الإعفاءات من قانون جونز، الذي سيتيح للمنتجين المحليين شحن منتجات الطاقة بين المدن الأمريكية بسهولة أكبر، وتحرير الطاقة المحلية لتلبية الاحتياجات المحلية من شأنه أن يُعزز أمن الطاقة، بينما سيسمح للشركات الخاصة في الوقت ذاته بتسويق منتجاتها. وفي الوقت نفسه، ستساعد القوانين الأكثر صرامة بشأن الانبعاثات، لا سيما تسرب غاز الميثان في مواقع الإنتاج، وفي منتصف الطريق، على تنقية إنتاج الوقود الأحفوري في الولايات المتحدة.
ويختتم الكاتب مقاله بالتأكيد على ضرورة أن تقلل واشنطن أيضًا من استهلاك الوقود الأحفوري من خلال زيادة تمويل مجال الطاقة المتجددة. وتضمنت خطة بايدن، المتوقفة حاليًا، المعروفة بـ”إعادة البناء على نحو الأفضل” مليارات الدولارات لدعم الطاقة النظيفة، وفي الوقت الراهن هناك تقدم طفيف نحو إقرار مشروع قانون جديد للطاقة من الحزبين الديمقراطي والجمهوري في مجلس الشيوخ من شأنه أن يتضمن أحكامًا تدعم تكنولوجيا احتجاز الكربون والطاقة النووية.
ويستدرك الكاتب: يمكن إجراء تخفيضات عاجلة في الاستهلاك من خلال دعم تدابير تعزيز الكفاءة مثل المضخات الحرارية. وقد يطلب الاتحاد الأوروبي قريبًا من أعضائه تنفيذ تدابير المحافظة على الطاقة وفعاليتها للحد من اعتماده على الطاقة الروسية. ويتعين على أمريكا أن تفعل الأمر ذاته أثناء مساعدة حلفاء الناتو على تلبية احتياجاتهم في عدم توافر الواردات الروسية.
وبحسب الكاتب فإن الإستراتيجية الحالية تفترض أن زيادة إنتاج الوقود الأحفوري ستُفضي في نهاية المطاف إلى تحقيق أمن أمريكا. بينما تشير كلٌ من السوابق التاريخية والتهديدات الزائدة للتغير المناخي إلى أن هذا المسار محفوف بالمخاطر المحدقة بالولايات المتحدة. وبدلًا عن السماح لصناعة النفط والغاز بتقرير سياسات الطاقة، يجب على الولايات المتحدة أن تأخذ زمام المبادرة، وتحدد الأمن القومي وفقًا لشروطها الخاصة.