الرئيسة \  تقارير  \  فورين بوليسي : مختفٍ عن الأنظار.. هل حياة الرئيس الصيني السياسية في خطر؟

فورين بوليسي : مختفٍ عن الأنظار.. هل حياة الرئيس الصيني السياسية في خطر؟

02.02.2022
ساسة بوست


ساسة بوست         
الثلاثاء 1/2/2022
اتخذ خطاب الرئيس الصيني منعطفًا يخيم عليه جنون العظمة – كما أن تحصُّنه في بكين لم ينفعه
نشرت مجلة “فورين بوليسي” مقالًا لكريج سينجلون، باحث كبير في الشؤون الصينية بمؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات ودبلوماسي أمريكي سابق، حول وضع الزعيم الصيني شي جين بينج، وهل يمكن أن يحل محل الحزب الشيوعي الصيني أي منافس على الموقع، في الوقت الذي يتراجع فيه الاقتصاد الصيني، ويتراجع معه طموح الصين لقيادة العالم.
ويستهل الكاتب مقاله بتوضيح حول الأوضاع الحالية قائلًا: قد تكون صورة الرئيس الصيني شي جين بينج منتشرة إعلاميًّا هذه الأيام، ولكنه في الحياة الواقعية اختفى تقريبًا من على المسرح العالمي. وبقي شي جين بينج قابعًا في بكين لأكثر من 700 يوم، ولم يحضر العام الماضي جلسات الجمعية العامة للأمم المتحدة، وقمة مجموعة العشرين في روما، وقمة الأمم المتحدة للمناخ في جلاسكو بأسكتلندا. ويتزامن اختفاء شي في وقتٍ يواجه فيه هو والحزب الشيوعي الصيني رياحًا معاكسة محلية خطيرة، بما في ذلك نقص الطاقة المتفشي، وارتفاع معدلات البطالة، وتأرجح سوق العقارات على حافة الانهيار.
الأوضاع تغيرت عما كانت عليه قبل الجائحة
يؤكد الكتاب أنه لا شك أن الأوقات تغيرت تغيرًا واضحًا منذ ما قبل جائحة كوفيد-19، عندما تفاخر شي بثقة ببدء نظام عالمي جديد محوره الصين. ومن الواضح أن رفض شي للسفر إلى الخارج يعكس رغبته الشديدة في البقاء مسيطرًا سيطرة كاملة على أي تفشٍ متجدد لفيروس كورونا، والذي أدَّت آثاره من الدرجة الثانية إلى شل الإنتاج الصناعي الصيني، لكن الجائحة وحدها لا يمكن أن تفسر رفض شي مغادرة مقر سلطته، أو وضع طموحاته الدولية الكبرى جانبًا، ولو بصورة مؤقتة.
يشير المقال إلى تصريحات شي الأخيرة موضحًا أنها تشير إلى وجود شيء يبقيه مستيقظًا لا يغمض له جفن طوال الليل: ألا وهي مخاوف متزايدة بشأن مقاومة حكمه من جانب فصائل داخل الحزب الشيوعي الصيني.
ويوضح الكاتب أنه مع تعثر الاقتصاد الصيني وتداعي مكانة الصين العالمية، يدرك شي بسرعة أنه بعد ما يقرب من عقد من الزمان في السلطة، فإن مطالبته بـ”الولاء المطلق” داخل الحزب الشيوعي الصيني يظل خياليًّا في أحسن الأحوال – وتهورًا في أسوأها. وهذا سبب رئيس للقلق قبل أقل من 10 أشهر من المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي الصيني، حيث من المتوقع أن يتولى شي فترة ثالثة بصفته أمينًا عامًّا للحزب، والتي لم يكن من الممكن تصورها في السابق.
قبضة الرئيس الصيني على السلطة تبدو غير واثقة
ولفت الكاتب إلى أن شي حذَّر في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي قائلًا: “إذا تهاون المسؤول، فسيموت الناس في النهاية”. ولا تكاد تشير هذه الكلمات المشؤومة على نحو غامض إلى قبضة القائد الواثقة على السلطة، لكنها مع ذلك ظهرت على نحو بارز في الخطاب الرئيس الذي ألقاه شي خلال الجلسة الكاملة السادسة، وهي تجمع كبير لنخب الحزب الشيوعي الصيني. وخلال هذا الاجتماع مرَّر شي قرارًا تاريخيًّا غيَّر عقودًا سابقة كانت تقصر وجود القادة الصينيين في السلطة على فترتين مدة كل منهما خمس سنوات.
وبذلك أزاح شي لنفسه مكانًا إلى جانب ماو تسي تونج في هيكل الحكام الصينيين العظماء. ولكن ربما لاستشعاره الانقسام داخل الصفوف حذَّر شي صراحةً من أن “الثلل والعصابات ومجموعات المصالح داخل الحزب سيجرى التحقيق معها ومعاقبتها بحزم”. وعلى هذه الجبهة وعد شي “بألا تكون هناك لا رحمة” لمسؤولي الحزب الشيوعي الصيني الذين يقدمون مصالحهم على وحدة الحزب.
ويميل الكاتب إلى أن التفسير البسيط لرفض شي مغادرة الصين ودفعة الولاء الأخيرة المُبالَغ فيها أن شي يدرك أنه معرض للخطر على نحو متزايد.
والأمر الأقل إثارة للدهشة هو أن شي تجنب أي ذكر للإصلاحات التي أدخلها الزعيم الثوري الصيني الآخر، دينج شياو بينج. وشملت هذه الإصلاحات معارضة دينج لتقديس الحاكم الفرد وإلغائه للتعيينات السياسية التي تستمر مدى الحياة. ومن شبه المؤكد أن تجاهل مثل هذه الأمور لم يَغِب عن نُخَب الحزب الشيوعي الصيني التي كانت تشك منذ مدة طويلة في تعزيز شي المتسرع والفوضوي لسلطته على مدى السنوات العشر الماضية.
وظل تحذير شي في شهر نوفمبر مقتصرًا على الجلسات الخاصة حتى يوم رأس السنة الجديدة، عندما نُشرت مقتطفات من خطابه في المجلة النظرية الرائدة التابعة للحزب الشيوعي الصيني كيشي (Qiushi). ولم يكن توقيت نشر الخطاب – بعد أكثر من ستة أسابيع على الجلسة المكتملة للحزب – مجرد مصادفة. وبدلًا عن ذلك كان القصد منه إرسال تهديد صارخ لأعضاء الحزب الشيوعي الصيني في اليوم الأول من السنة التقويمية التي يرجح أن تكون الأهم لشي في منصبه. وكانت تلك الرسالة: “التزم بمكانك في الصف هذا العام، وإلا…”.
الاستقرار وحماية أمن الدولة
يوضح الكاتب أن شي تبنَّى نبرة صريحة مماثلة في فعالية أوائل ديسمبر (كانون الأول) 2021 للتصديق على إستراتيجية حكومته لحماية “الأمن القومي”، وهو مصطلح يستخدم في الغالب في لغة المندرين لوصف التهديدات المحلية لشرعية الحزب الشيوعي الصيني، وليس التحديات العسكرية أو الجيوسياسية.
وعلى رأس قائمة التهديدات لعام 2022 لم يكن مجرد الخطر على “الاستقرار”، وهو مصطلح شامل مستخدم في الوثائق السابقة. وبدلًا عن ذلك أكَّد شي على فكرة حماية “أمن الدولة”؛ مما يعني أن أي تهديد للدولة يمثل بالتبعية تهديدًا للحزب. وهذا التركيز على الوقاية والسيطرة للحفاظ على التماسك المجتمعي الصارم يشير إلى نهج أكثر استباقية للحكم مما كان عليه الوضع في الماضي. ويأتي أيضًا في وقت يؤكد فيه شي على الدور الذي يلعبه أعضاء الحزب في حماية ما يسمى بضمانتي السلامة، أي الفكرة القائلة إن أعضاء الحزب يجب أن يحموا بيقظة سلطة الحكومة المركزية والموقف القيادي المحوري لشي.
كما استمر تركيز شي على أمن النظام في التصريحات التي أدلى بها في وقت لاحق من شهر ديسمبر أمام جمهور شمل تقريبًا كل أعضاء اللجنة الدائمة للمكتب السياسي، أعلى هيئة لصنع القرار في الصين. وطلب شي من جميع الحاضرين التعهد بحماية سلطة القيادة المركزية والموحدة للحزب. وبعبارة أخرى: طالبَ شي قادة الحزب بإظهار ولائهم الشخصي له.
إذًا ما عدد المناسبات التي كرَّر فيها أعضاء اللجنة الدائمة هذا التعهد نفسه في السنوات الأخيرة؟ إنها مرات لا تحصى بالتأكيد. والأمر الأكثر إثارة للحيرة هو لماذا يجب على شي أن يسمعهم باستمرار، وهم يعلنون ذلك إذا كان مستقبله السياسي مضمونًا، كما يدعي بتحدٍ شديدٍ؟
ويكشف الكاتب أن شي سعى منذ مدة طويلة إلى إظهار الثقة باعتبارها وسيلة لإخفاء مخاوفه الشخصية وشكوكه العميقة في أولئك المقربين منه. وكان تظاهر شي بالشجاعة شديدًا في وقت مبكر من فترة ولايته، عندما انتعش الاقتصاد الصيني بسرعة في أعقاب الأزمة المالية لعام 2008. وفكرة أن قادة الحزب يحبون شي شخصيًّا، أو يحترمونه حتى، من عدمها تبدو أقل أهمية بكثير من قدرته على تحقيق النتائج. وبكل المقاييس حقَّق شي ذلك بالفعل.
وحتى عام 2021 وعلى الرغم من أن الاقتصاد الصيني كان يتباطأ بالفعل منذ مدة، فإن النمو تباطأ بشدة في الأشهر الأخيرة من العام الماضي. ويمكن للمرء تتبُّع بعض هذا الضغط الهبوطي وصولًا إلى سوء الإدارة المالية لشي، بما في ذلك أجندته التنظيمية الشاملة التي تهدف إلى “كبح التوسُّع غير المنضبط لرأس المال” ليس فقط في قطاع التكنولوجيا، ولكن في كل قطاعات الاقتصاد الصيني.
وتشمل العوامل الأخرى إغلاق المصانع باعتبار ذلك جزءًا من سياسات الصين لقطع الطريق كليًّا على انتشار كوفيد-19، فضلًا عن ارتفاع أسعار المواد الخام والعمالة. وبغض النظر عن السبب، فقد تسبَّب التباطؤ المفاجئ بوضوح في قلق الحزب الشيوعي الصيني. وللأسف لاحظتْ أعلى هيئة لإنفاذ القانون في الصين مؤخرًا أنه مع “الانكماش الاقتصادي، قد تبرز بعض المشكلات العميقة الجذور”.
أسئلة غير مريحة حول إدارة الاقتصاد وفلسفة الحكم
وألمح الكاتب إلى أنه في وقتٍ ليس مواتيًا بالمرة لشي – قبل بضعة أشهر من تنصيبه لولاية ثالثة – تثير الأصوات المتزايدة داخل الحزب أسئلة غير مريحة ليس فقط حول إشراف شي على الاقتصاد، ولكن أيضًا حول فلسفته في الحكم بأكملها.
وجذبت إحدى الكلمات الأخيرة التي ألقاها السفير الصيني السابق لدى واشنطن، تسوي تيانكاي، اهتمامًا هائلًا في الأوساط السياسية والدبلوماسية الصينية. وباستخدام كلماتٍ مثل “الإهمال” و”انعدم الكفاءة”، دقَّ تسوي ناقوس الخطر بشأن تآكل مكانة بكين العالمية وقدرة واشنطن المتزايدة على تقييد طموحات الصين.
وفي توبيخ لاذع لما يسمَّى بدبلوماسية “الذئب المحارب” التي أطلقها شي، أشار تسوي إلى أن الصين “لا ينبغي أن تخوض حربًا لسنا مستعدين لها، حربًا لسنا متأكدين من الفوز بها، حربَ الغضب والاستنزاف”. وبشكل أوضح حذَّر تسوي من أن “كل أوقية من مكاسب شعبنا تحقَّقت بشق الأنفس، ويجب ألا نسمح أن ينهبها أيُّ شخص أو أن نتكبد خسائر بسبب إهمالنا وكسلنا وعدم كفاءتنا”.
اللجوء الى التطهير
وأفاد الكاتب أن الطبيعة المتطورة لحملة شي المزعومة لمكافحة الفساد تكشف عن حزب على ما يبدو على خلاف مع نفسه. وغالبًا ما كانت عمليات التطهير التي قام بها ماو عشوائية، واستهدفت الأصدقاء والأعداء على حد سواء ممن اختلفوا معه. واستهدف مسعى شي من أجل تطهير الحزب الخلفاءَ المحتملين والمنافسين السياسيين في المقام الأول. مثال على ذلك: “حكم الإعدام مع إرجاء التنفيذ هذا الأسبوع” الصادر بحق دونج هونج، المقرب من نائب الرئيس الصيني وانج كيشان، أحد منافسي شي.
غير أنه في الآونة الأخيرة عُزِل عدد من المسؤولين الآخرين الرفيعي المستوى، بعضهم عينهم شي بنفسه، من مناصبهم بسبب مخالفات فادحة تتعلق بالفساد. ومن هؤلاء نائب وزير الأمن العام الصيني السابق سون ليجون، ووزير العدل السابق فو زينهوا، وتشانج يونج تسه، نائب رئيس حكومة منطقة التبت الذاتية الحكم. كما اعتُقِل مسؤولون كبار آخرون في الحزب الشيوعي الصيني، بما في ذلك نائب رئيس الحزب السابق في قويتشو وانج فويو، وزو جيانج يونج، رئيس الحزب في هانجتشو، بتهم فساد وجَّهتها ضدهم اللجنة المركزية للتفتيش على الانضباط، وهي أعلى هيئة تأديبية للحزب.
وما زال من غير الواضح هل سيعزل شي عضو المكتب السياسي البارز لي زانشو بسبب فضيحة عقارات مثيرة للجدل تتعلق بابنة لي، ناهيك عن عضو المكتب السياسي السابق تشانج جاولي، الذي اتَّهمته نجمة التنس بينج شواي مؤخرًا بالاعتداء الجنسي عليها.
وفي حين أن التطهير ضد دونج يتناسب مع قواعد اللعبة لدى شي، إلا أن بعض عمليات التطهير الأخرى أوقعت في شباكها مسؤولين لم يُعيِّنهم شي فحسب، بل شهِد لهم هو نفسه بالأفضلية. ولم يُنظر إلى أي منهم على أنه منافس موثوق به؛ مما يشير إلى أن شي لم يجعلهم يفشلون عن عمد. وتثير هذه التطورات أسئلة أكثر من الإجابات. على الأقل تشير إلى أنه بعد ما يقرب من 10 سنوات في المنصب، فإن إشراف شي على الحزب ما زال فوضويًّا ومضطربًا.
تلاشي حلم قيادة العالم
وخلُص الكاتب إلى أنه في المجمل، مع تدهور سمعة الصين العالمية، أصبح من الواضح أن شي لا يستطيع قيادة العالم في “العصر الجديد” الذي توقعه ذات مرة بينما يكاد يغادر مواقع سلطته. وفي حين أن شي ما زال يركز على تموضع الصين باعتبارها بديلًا للولايات المتحدة، فإن نفوره من مغادرة البلاد وخطابه الأخير المصحوب بجنون العظمة يشير إلى أن أهدافه العالمية النبيلة من المرجح أن تتراجع أمام تحديات الحكم الأكثر إلحاحًا في الداخل في الجانب الأكبر من عام 2022. ويمكن أن توفر هذه النافذة الضيقة لإدارة بايدن فرصة لتقنين سياستها تجاه الصين التي تأخرت كثيرًا، والتي بعد عام في السلطة، ما تزال واحدة من أكثر فجوات السياسة الخارجية وضوحًا.
ويختتم الكاتب مقاله بالقول إن العديد من المراقبين أساءوا تفسير علامات المقاومة لحملة شي في الماضي، لذلك سيكون من السابق لأوانه أن نبشر بالزوال السياسي لشي. وعلاوةً على ذلك من الواضح أن هناك ترتيبات جاهزة ضد أي متآمرين محتملين، الذين يتمنون وقوع شي في زلَّة كبرى قادمة لكنهم يفتقرون تقريبًا إلى جميع الوسائل لحشد الآخرين بأمان وثقة لقضيتهم. وهناك شيء واحد مؤكد على الأقل: يشعر شي بقلق متزايد بشأن أولئك الموجودين داخل الصين الذين قد يفعلون ذلك.