الرئيسة \  تقارير  \  “فورين بوليسي”: 3 أمور على العالم أن يعرفها عن بوتين

“فورين بوليسي”: 3 أمور على العالم أن يعرفها عن بوتين

01.02.2022
ساسة بوست


ساسة بوست
الاثنين 31/1/2022
لقد تغيرت طبيعة روسيا التي يحكمها بوتين تغيرًا جذريًا في السنوات القليلة الماضية
تدق طبول الحرب بين روسيا وأوكرانيا. وفي مواجهة هذا الاحتمال الخطير انقسمت وسائل الإعلام الغربية حول تفسير ما يريده الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من أوكرانيا. فبينما يجادل البعض بأنه لا يمكن لأحد أن يفهم منطق بوتين، ويركزون بإصرارٍ على المصالح الموضوعية لروسيا، وتكلفة سياستها الخارجية في مقابل فوائدها، يواصل آخرون التكهن بشأن نوايا بوتين الحقيقية وأولوياته فيما يتعلق بأوكرانيا والغرب.
وعلى الرغم من تعقيد منطق الكرملين، وعدم القدرة على التنبؤ به، يرصد تحليل نشرته مجلة “فورين بوليسي” للباحثة غير المقيمة في مركز كارنيجي في موسكو، تاتيانا ستانوفايا، ثلاثة عوامل على الأقل غير مطروحة على خارطة الخطاب الغربي حاليًا:
أولًا: بغض النظر عن الضمانات الملزمة قانونًا التي تطلبها روسيا من الغرب بشأن بعض القضايا، مثل إنهاء توسع الناتو، فليس هناك ما يضمن أن تتوقف روسيا. فبغض النظر عما يسمى بالضمانات الصارمة التي يمكن للغرب أن يقدمها، نظريًا، فإنها لن تملأ عين نظام بوتين.
يستدل التحليل على ذلك بتصريح أدلى به بوتين يوم 21 ديسمبر (كانون الأول) 2021، أثناء اجتماع مطول لمجلس وزارة الدفاع الروسية، أكد فيه أن الغرب حتى لو قدَّم التزاماتٍ مكتوبة فإنها مجرد حبر على ورق، لا تضمن أي شيء؛ لأن الغرب ينسحب بسهولة من المعاهدات. وهذا التصريح انعكاس لنقاش داخلي يدور داخل القيادة الروسية حول ما إذا كانت الالتزامات المكتوبة يمكن اعتبارها ملزمة فعليًا.
تغيرت طبيعة روسيا تحت حكم بوتين تغييرًا جذريًا، في السنوات القليلة الماضية، مثلما تغيرت صورتها الذاتية. ففي السنوات الماضية ظهر بوتين على أنه زعيم لدولة ضعيفة جيوسياسيًا، محاطة بفاعلين أقوى وأكثر عداءً. وارتدت روسيا ثوب المظلومية والاضطهاد، وتظاهرت بأنها تسعى إلى تحقيق العدالة الجيوسياسية، كما لو أنها رهينة ظروفٍ صنعها آخرون ووجهوا مسارها.
صحيحٌ أن روسيا قد تتجرأ أحيانًا، وتستغل انكباب الغرب على شؤونه الخاصة، كما فعلت حينما ضمت شبه جزيرة القرم عام 2014، لكن تحركاتها تنطلق في المجمل من منطق دفاعي مُعلَن.
لكن كل هذا تغير في عام 2018، بعد أن انتشى بوتين بالنجاحات العسكرية الروسية في سوريا، ودور بلاده الفريد في آسيا الوسطى، ووجودها المتزايد في أفريقيا، وقبل كل شيء “أسلحتها العجيبة” المطورة حديثًا – بعد ذلك – تحوَّل الرئيس الروسي من الشعور بأنه طرفٌ مظلوم إلى شخص يمكن أن يتجاوز هجومه نطاق النفوذ التقليدي لروسيا.
ومطالبة روسيا حاليًا بتقديم “ضمانات مدرعة ومقاومة للماء ومضادة للرصاص.. وملزمة قانونًا” – على حد تعبير سيرجي ريابكوف، نائب وزير الخارجية الروسي – لم يعد ينبع من ضعف جيوسياسي، ولكن على العكس من ذلك ينبع من الإيمان بالحق الكامل المبرر تاريخيًا لروسيا في إعادة كتابة القواعد، سواء كان ذلك بالتعاون مع الغرب أو بدونه.
وتبث روسيا رسائل بانتظام عبر القنوات الرسمية وغير الرسمية تفيد بأن العالم قد تغير، ولم يعد الوضع الراهن شرعيًا، بل تقوضت المؤسسات والقواعد الدولية، ولم تعد الدبلوماسية بمعناها التقليدي موجودة، والجميع يتكيف قدر المستطاع، وانهارت قيمة التصريحات والمواقف العامة. هذا وقد بدأت روسيا نفسها في تجاوز الخطوط الحمراء للآخرين – من خلال الهجمات الإلكترونية، والسياسات الإعلامية العدوانية، والغارات الجيوسياسية، والتدخلات العسكرية – غير آبهةٍ بالتحذيرات من الضرر المترتب على ذلك.
ولم تعد السياسة الخارجية الروسية اليوم تتعلق فقط بالغرب، بل ترتبط أيضًا بمصالح موسكو الجيوسياسية الخاصة، والتي لا تكون غالبًا مرتبطة ارتباطًا مباشرًا بالغرب على الإطلاق. ولا توجد ضمانات أمنية يمكنها تغيير ذلك. بعبارة أخرى: حتى في حالة التوصل لصفقة افتراضية لا تستطيع روسيا، ولن تضمن للغرب، أن تمتنع عن إستراتيجيتها الهجومية.
لذلك انتقلت روسيا من السياسة الخارجية الدفاعية إلى السياسة الخارجية الهجومية؛ وهو نهج جديد أثبت فعاليته، وفقًا لبوتين، وسيُستخدم على نطاق أوسع. وهو القائل في نوفمبر (تشرين الثاني) 2021: “إن تحذيراتنا الأخيرة كان لها تأثير معين”، بل طالب وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف بإبقاء الدول الغربية في حالة توتر “لأطول فترة ممكنة؛ حتى لا يخطر ببالهم إشعال فتيل أي نوع من الصراع على حدودنا الغربية. ونحن في غنى عن ذلك”. وبعد أن ذاقت موسكو طعم هذه الإستراتيجية الهجومية ستكون مترددة في التخلي عن الجهود التي أثرت في الشؤون الدولية تأثيرًا ملحوظًا يفوق أي تحركات دفاعية.
تزامن هذا كله مع بدء أبناء الأجهزة الأمنية الذين يشكلون أحد أجنحة الحكومة الروسية (السيلوفيك) تدريجيًا في الاضطلاع بدور أهم في صنع القرار منذ عام 2014 على الصعيدين الداخلي والخارجي.
ويوضح التحليل وجود اختلافات أيديولوجية مهمة بين طريقة تعامل الدبلوماسيين والسيلوفيك مع التعاون المحتمل بين روسيا والولايات المتحدة. فبينما يرى الدبلوماسيون أن الولايات المتحدة وروسيا قوتان عظميان لهما مسؤوليات تاريخية، فإن السيلوفيك يعتبرون كلا البلدين مقامرين ينتهكان القانون الدولي بانتظام ولا يلتزمان بالقواعد. يرى هؤلاء أن الحق يسير في ركب القوة. وهذا هو السبب في أن المواجهة والعقوبات المتصاعدة لا تخيف السيلوفيك، بل على العكس تفتح لهم أبواب مزيدٍ من الفرص.
يظل السيلوفيك هم المصدر الرئيس لانعدام ثقة بوتين في الولايات المتحدة والغرب عمومًا، لكنهم يُقنعون الرئيس أيضًا بأن السيناريو الأسوأ قد يكون هو حَمْل الغرب على التعامل مع روسيا بطريقة أكثر براجماتية، وتطوير علاقات أوثق بين الأجهزة الأمنية، وجعل العلاقات أكثر رصانة وأقل أيديولوجية (بمعنى تجنب إلقاء مزيد من المحاضرات حول الديمقراطية).
بالإضافة إلى ذلك، وبالنظر إلى أهمية الأمن السيبراني لإدارة بايدن، تعتقد موسكو أنها تمتلك الآن الورقة التي ستجبر واشنطن على التعاون. ويبدو أن العقوبات الصارمة المقترنة بالتفاعلات المتقطعة، لكنها مثمرة في المجالات ذات الاهتمام المشترك، هي العلاقة الأكثر راحة لهذا الجناح من النخبة الروسية صاحبة الهيمنة الأكبر في هذه الأيام.
ثانيًا: المسألة الثانية التي لا تحظى بما تستحقه من اهتمام هي أنه في حالة شن عملية عسكرية ضد أوكرانيا وتصاعد المواجهة مع الغرب، فإن النظام الروسي سيصبح أكثر تماسكًا، وسيتعرض المجتمع الروسي لقمع أكبر من أي وقت مضى. ولن تؤدي الحرب إلى إثارة الاحتجاجات، أو خلق المزيد من المعارضة، أو إضعاف النظام، على الأقل في المدى المتوسط.
ويرصد التحليل مجموعتين رئيستين داخل النخبة الروسية:
أولاهما تتألف من صناع القرار المحافظين، ومن بينهم السيلوفيك، المستعدين لتحمل أي تكاليف تترتب على المواجهة الجديدة، بل قد يستفيدون منها. وهؤلاء يهيمنون على الأجندة الروسية، ويؤججون مخاوف بوتين، ويثيرون التوتر، ويُصَعِّدون حدته.
أما المجموعة الثانية فتتألف من التكنوقراط الذين يسيطرون على الحكومة، ولكن ليست لديهم صلاحية التدخل في الشؤون الأمنية، أو إثارة المخاوف بشأن الجغرافيا السياسية، وهم مكلفون بتكييف الاقتصاد والنظام المالي مع أية صدمات جيوسياسية.
وهناك أيضًا نخبة رجال الأعمال (باستثناء أصدقاء بوتين المقربين، الذين غالبًا ما يكونون أكثر تشددًا أيديولوجيًا من السيلوفيك) الذين طُرِدوا من دائرة صنع القرار السياسي منذ سنوات عديدة، وهم الآن محرومون من الحق في التحدث مع السلطات حول الجغرافيا السياسية. وأفضل إستراتيجية قد يلجأون إليها في حالة التصعيد هي الاختفاء التام والصمت المطبق لتجنب أي اشتباكات مع السلطات يمكن أن تثير الشكوك حول ولائهم أو وطنيتهم.
أما بالنسبة للمجتمع فإن تركيز الشعب الروسي ينصبُّ في الغالب على المشاكل الاجتماعية، وقد أظهروا أنهم ضاقوا ذرعًا بالجغرافيا السياسية. وهؤلاء لن يحتجوا إذا اندلعت الحرب.
ويستشهد التحليل باستطلاع رأي أجري مؤخرًا وأظهر أن 50% من الروس ألقوا باللوم على الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي في التصعيد على الحدود الروسية – الأوكرانية، في حين قال 4% فقط إن المسؤولية تقع على عاتق بلدهم. كما يعاني المجتمع الروسي من الكساد السياسي، وما تزال إمكانية إثارة احتجاجات منخفضة نسبيًا، فأية معارضة كان من الممكن أن تقود السخط المحتمل دُمِّرَت تمامًا، وأصبح الخوف من الحرب هو الأساس.
بالإضافة إلى ذلك أصبح النظام نفسه أكثر قمعًا وتعصبًا، ولا يمكن للتصعيد الجيوسياسي إلا أن يؤدي إلى تفاقم هذه السمات. ويشدد التحليل على أنه في أسوأ السيناريوهات سيشدد الكرملين الخناق أكثر، ويُحكِم سيطرته السياسية أكثر، ويقمع المعارضة، حتى تلك المعارضة المدجنة في الغالب، والتي تعمل من “داخل النظام”.
وروسيا لديها كل الموارد والأدوات للقيام بذلك، دون مواجهة أية مقاومة داخلية. أما العقوبات التي ستزيد تكلفة العملية العسكرية جدًا فسيكون لها تأثير بعيد المدى فقط على الساحة السياسية، حتى لو أدت على نحوٍ غير مباشر إلى تفاقم الظروف الاجتماعية والاقتصادية.
ثالثًا: العامل الثالث والأخير هو أنه بدون إعادة تشكيل هيكل الأمن العالمي جذريًا (وهو أمرٌ لا يلوح في الأفق)، ستظل روسيا ترى أوكرانيا أرضًا تجب إعادتها إلى الحظيرة الجيوسياسية لموسكو بأي ثمن.
وفي الوقت الحالي يهدف الكرملين إلى منع أوكرانيا من الانضمام إلى حلف الناتو، لكن هذا المطلب لا يعالج المشكلة الأساسية المتمثلة في نوايا روسيا تجاه أوكرانيا، وهي: رسم مستقبلها السياسي، وتهميش جميع الفاعلين الأوكرانيين باستثناء المقبولين لدى الكرملين.
ويرصد التحليل فكرة راسخة بعمق في أذهان النخبة الحاكمة الروسية عن النخب الأوكرانية المفلسة، والدولة الفاشلة، والعجز الجيوسياسي، وهذا التصوُّر يغرس لديهم توقعًا بحدوث اضطرابات حتمية مرتبطة بخطر الانهيار الإقليمي والمناوشات الداخلية.
وقبل وقت طويل من التصعيد الحالي كانت موسكو تستعد لفشل أوكرانيا كدولة، وكان بعض المحافظين الروس حريصًا على المساعدة في هذه العملية. وسواء حدث هجوم عسكري أم لا فإن الكرملين يتوقع حدوث فوضى داخلية في غضون بضع سنوات من شأنها أن تفتح الباب أمام روسيا للتدخل المباشر في الأراضي الأوكرانية. هذه مجرد مسألة وقت، ولا يمكن لأي ضمانات أمنية أن توقف ذلك.
ولا تعني أيٌ من هذه المعطيات أن الحوار محكوم عليه بالفشل في منع روسيا من تنفيذ إستراتيجيتها الهجومية، بل قد يكسب بعض الوقت (وهو ما لا يصب في مصلحة نظام بوتين)، ويكبح نواياه المتشددة، وبالتالي يمنح المجتمع مزيدًا من الوقت للملمة شتاته. كما أنه سيجعل السياسة الروسية المتشددة أكثر إثارة للشكوك، وتسببًا للانقسام، وأقل براجماتية.
تختم الباحثة تحليلها بالقول: حتى لو كانت مسألة وقت فقط، إلى أن يرى العالم النسخة الأسوأ على الإطلاق من روسيا، فإن استمرار الحوار يعني أن هناك على الأقل فرصة – عندما يتعلق الأمر بالتصعيد الجديد – بأن تكون روسيا أكثر تفككًا، وأقل ثقة في نفسها مما هي عليه اليوم.