الرئيسة \  واحة اللقاء  \  وطنيات مستعادة في مواجهة "داعش"

وطنيات مستعادة في مواجهة "داعش"

11.08.2014
بكر صدقي



الحياة
الاحد 10/8/2014
في عرسال أو في سنجار، أكثر ما يثير الخوف هو التعتيم الإعلامي الذي نعرف، بتجربتنا السورية، أنه عادةً ما يخفي من الفظاعات الكثير. وإذا كان التعتيم في سنجار يمكن إرجاعه إلى كونها منطقة جبلية نائية بعيدة من وسائل الإعلام، فهو في حالة عرسال اللبنانية إختياري وطوعي في بلد لم يتفوق على جواره العربي إلا بهامش واسع نسبياً من الحريات الإعلامية. الجيش اللبناني الذي تحول فجأةً إلى أيقونة وطنية جامعة، حظي في عمليته الأمنية ضد المسلحين الذين تسللوا إلى بلدة عرسال عبر الحدود السورية، بتأييد يعدّ سابقة من كل الفرقاء اللبنانيين، ومن قادة الرأي العام، فمرت مأساة الاثنين في مخيم النازحين السوريين، وقد حصدت 35 قتيلاً بينهم نساء وأطفال، مروراً باهتاً بالقياس إلى التركيز على أسرى الجيش اللبناني السبعة عشر الذين عاد بعضهم إلى أهاليهم في إطار التسوية التي تمت.
اشترط بعض المثقفين اللبنانيين دعمه الجيش اللبناني بوجوب الضغط على "حزب الله" ليسحب مقاتليه من سورية، مع معرفتهم بأن هذا لن يحصل إلا طرداً تحت ضغط مقاتلي المجموعات السورية المسلحة المعارضة لنظام الأسد، أو بقرار إيراني في إطار تسويات اقليمية واسعة تمتد من العراق إلى سورية ولبنان. هذا يعني، بصورة مداورة، أن دعم الجيش اللبناني غير مشروط بأي قيد، بما في ذلك ممارسة رقابة ذاتية على الإعلام.
يعرف جميع اللبنانيين أن النار التي امتدت إلى بلدهم، سواء في عرسال الجريحة أو في السيارات المفخخة التي انفجرت في الضاحية الجنوبية مراراً أو في الحرب المذهبية في طرابلس، لا يمكن اختزالها بـ "الإرهاب" المغفل لتكون المواجهة عسكرية محضة. ويعرف اللبنانيون أيضاً أن لمنظمات مُجمَعاً على أبلستها كـ "النصرة" و "داعش" خلايا لبنانية من صميم الاجتماع اللبناني، مثلها في ذلك مثل "حزب الله" المتغول على الدولة اللبنانية بسلاحه وظهيره الإيراني، والمنخرط في "الجهاد" الشيعي على الأرض السورية، من ضواحي دمشق جنوباً إلى حلب شمالاً.
لعلها روح وطنية لبنانية فشلت في الظهور في الحرب الإسرائيلية على لبنان صيف 2006، لتنجح أخيراً أمام خطر دولة "الخلافة" التي أُعلِنَ قيامها في الموصل.
كذلك تمددت قوات "الخليفة" البغدادي نحو بلدة سنجار النائية في محافظة الموصل، لتعلن النائبة اليزيدية فيان خليل في البرلمان العراقي أن أهلها يتعرضون على يد "داعش" لإبادة، وتسبى نساؤهم كجوارٍ. قوات "البيشمركة"، بعديدها الضعيف، فشلت في الدفاع عن سنجار وانسحبت، فعرض القائد الميداني لحزب العمال الكردستاني مراد قرة يلان على حكومة اقليم كردستان مشاركة قواته في صد هجوم "داعش" وتشكيل قيادة عسكرية مشتركة مع "البيشمركة". هذه أيضاً سابقة لافتة في العلاقة القائمة على خصومة مديدة بين مسعود بارزاني وحزب العمال الكردستاني. وثمة أخبار غير أكيدة عن وصول قوات حماية الشعب التابعة للفرع السوري للحزب الكردستاني إلى سنجار، وانخراطها في قتال قوات "الخليفة" البغدادي.
لم يقتصر "مفعول داعش" على توحيد الخصوم حول الوطنية الكردية المستجدة بين الخصمين المزمنين، الحزب الديموقراطي الكردستاني وحزب العمال الكردستاني، بل امتد إلى بغداد التي أعلنت حكومتها دعمها العسكري لـ "بيشمركة" خصمها بارزاني في مواجهة "داعش" في سنجار ومناطق أخرى، كأن "وطنية عراقية" تولد بعد الوطنيتين اللبنانية والكردية، وإن اقتصرت الأولى على المكونين الشيعي والكردي نابذةً المكون السنّي الذي ضاع في عجاج دولة "الخلافة" وصليل سيوف مقاتليها.
والحال أن المكون السنّي هذا، في لبنان وسورية بخــاصة، هو الذي يتصرف دائماً برائز التبرؤ من الإسلاميين الجهاديين، في مقابل وحدة شــيعية صلبة عابرة للحدود تمتد من إيران إلى ســـورية ولبنان فاليمن، لا يعكرها إلا بعض التشققات في العراق بدافع الصراع على الســـلطة المركزية في بغداد والتي باتت "بحكم العُرف" حكراً على الشيعة. لم يكن مفاجئاً، من زاوية النظر هذه، منع أهالي بلدة اللــــبوة قافلة المساعدات الإنــسانية التي كانت متجهة إلى جارتهم عرسال المحاصرة، تحت إشراف الجيش اللبناني. فهذا ما سبقهم إليه بعض سكان حمص الموالين لنظام الأسد في حق جيرانهم في المناطق المحاصرة.
أما في سورية فلم يقتصر الأمر على التبرؤ من الجهاديين، بل تعداه إلى إعلان الحرب عليهم، من قبل فصائل مسلحة، منذ مطلع 2014. لعله نوع من التطهير الذاتي الذي يخضع له السنّة طوعاً لأنهم، بصفتهم الأكثرية، لا بد أن يشكلوا العمود الفقري لأي وطنية سورية محتملة فشلت في الظهور إلى اليوم في مواجهة نظام الأسد الدموي، منذ اندلاع ثورة الحرية قبل ثلاث سنوات ونصف سنة.