الرئيسة \  واحة اللقاء  \  وعز الشرق أوله دمشق

وعز الشرق أوله دمشق

20.05.2013
محمود القيعي

محمود القيعي
القدس العربي
الاثنين 20-5-2013
ما أصعب هذه الحالة من الانكسار التي يشعر بها كل عروبي غيور وهو يرى أقدم مدن العالم (دمشق) وهي توشك على الضياع، كما ضاعت بغداد العزيزة من قبل، أنقول تلك مصيبة؟ إي وربي إنها لمصيبة، ولكن المصيبة العظمى والطامة الكبرى تلك الحالة من البلادة التي عليها الشعوب العربية والإسلامية، تجاه ما يحدث لأشقاء لهم في العقيدة والإنسانية.
حالة الهوان التي تحيق بالعالم العربي والإسلامي لا تليق بجلال ما قام به شهداء الربيع العربي، إذ كنا نعتقد أن كل هذه الدماء التي أريقت كافية لإنهاض الأمة من حالة الموات التي جعلتها أضحوكة في العالمين، وجعلت العالم كله لا يقيم لهذه الأمة وزنا، ولكن لا شيء تغير، وكأن الهوان مكتوب على هذه الأمة، وها هم الصهاينة يعيثون في القدس دنسا وفسادا، من دون اعتبار لنحو 15 مليار مسلم.
يشعر المرء بالخزي والعار مما يحدث لأشقائنا في سورية والعالم العربي والإسلامي (شعوبا وحكومات) يقف مكتوف الأيدي وكأن الدماء التي تسيل ليست عربية إسلامية. النكبة التي تشهدها سورية الآن ـ إن صح وصفها بالنكبة- ستتجاوزها كما تجاوزت نكبات أشد من قبل.
لا ننسى أمير الشعراء شوقي ذلك الشاعر العروبي، الذي شهد نكبات عديدة مرت بها الأمة العربية عامة وسورية خاصة، ولا ننسى قصائده البديعة عن دمشق، التي يقول في إحداها:
سلام من صبا بردى أرق.. ودمع لا يكفكف يا دمشق
نتذكر هذه القصائد البديعة الآن، لاسيما قوله: جزاكم ذو الجلال بني دمشق.. .
نتذكرها عساها أن تعيد لنا شيئا من عزتنا وكرامتنا وإنسانيتنا التي كدنا نفقدها نتيجة التمحور المهين حول (الأنا).
دمشق العزيزة الأبية كانت دائما وأبدا رمزا للاعتزاز باللغة العربية التي قصرت جميع الدول العربية في التعريف بها والدفاع عنها، أوليست هي الدولة العربية الوحيدة التي أصرت على تدريس كل العلوم باللغة العربية في حالة فريدة من الاعتزاز بالهوية العربية، ولم ينجح الاستعمار والقوى التغريبية المتربصة في إثنائها عن ذلك.
سنظل مدينين لسورية بالكثير، وما لم نتطهر من ذلكم التقصير المخجل تجاههم في هذه اللحظة التاريخية التي ستضع كل إنسان في مكانه الذي يستحقه، فويل لنا من التاريخ. على كل الشعوب التي شرفها الربيع العربي ديون مستحقة، وأثمان غالية لابد لها أن تدفع إن عاجلا أو آجلا، وهي الوفاء بقيم الحق والكرامة والعدالة والمساواة، وغرسها في العقول والأنفس، وتذكر تلك القيم التي حمل لواءها هؤلاء الشباب، بشجاعتهم وجسارتهم وبراءتهم، واستهانوا بكل أشكال القهر والطغيان والجبروت، حتى كان لهم ما أرادوا. سنفي بحقوق كل شاب قتل، وكل مقهور ظلم، وكل امرأة أهينت، إذا استشعرنا أننا مدينون لهم بالكثير.
لا نعول على سياسات أمريكا والغرب، فلقد سئمنا نفاقهم الرخيص ونفعيتهم المقيتة فضلا عن أن دماءهم ليست دماءنا وأعراضهم ليست أعراضنا، وإنما نعول على ما تبقى من عروبتنا وما تبقى لدينا من إنسانية لرفع الظلم والقهرعن إخوة لنا يسامون سوء العذاب.
إذا كان الطغاة يتحملون المسؤولية في إضاعة شعوبهم من أجل قصورهم وعبيدهم وذهبهم وأموالهم، فإنه ويل للشعوب إذا نكصت وتخاذلت وغابت إرادتها في الحياة الحرة الأبية، وقنعت بحياة الذل والهوان، واستبدلت بالمعاني الإنسانية العظيمة ‘الايثار والعطف والتسامح’ معاني الأنانية والطائفية المقيتة والانتقام.
نعلم علم اليقين أن بشار الأسد شابه أباه في الظلم والبغي والعدوان، واستهان بالدماء الإنسانية، ولم يستفد من عبر التاريخ التي أثبتت أنه لا شيء يعلو فوق إرادة الشعوب.