الرئيسة \  تقارير  \  وورلد كرانش  : لماذا خسرت روسيا الحرب مسبقا؟

وورلد كرانش  : لماذا خسرت روسيا الحرب مسبقا؟

20.09.2022
دومينيك مويسي


دومينيك مويسي‏* – (وورلد كرانش) 31/8/2022
ترجمة: علاء الدين أبو زينة
الغد الاردنية
الاثنين 19/9/2022‏
من المؤكد أن الحرب المطولة في أوكرانيا لم تنته بعد. ولكن، بعد ستة أشهر من بدئها، أصبحنا نعلم مسبقاً أن روسيا سوف تخرج خاسرة، سواء أمام منافسيها الغربيين، أو أمام الصين التي أصبحت روسيا الآن شريكا صغيرا لها.‏
* *
‏باريس‏‏- تحولت الحرب الخاطفة التي كان فلاديمير بوتين يتمناها في أوكرانيا إلى حرب استنزاف. ‏‏ولا يبدو أن أي فريق في طريقه إلى الفوز الآن، بعد ستة أشهر، على‏‏ الرغم من أن الاحتمالات قد تميل قليلاً في هذا الوقت لصالح كييف بفضل المساعدات الغربية.
انتهت الحرب الباردة، التي كانت قد بدأت بين العامين 1945 و1947، في 26 كانون الأول (ديسمبر) 1991 مع تفكك الاتحاد السوفياتي.
وانتهت حقبة ما بعد الحرب الباردة في 24 شباط (فبراير) 2022، عندما قامت روسيا بغزو أوكرانيا.
وما يزال من السابق لأوانه تحديد مصطلح دقيق لتعريف الفترة التي بدأت للتو: “‏‏الحرب الباردة الجديدة‏‏”، “مقدمة للحرب العالمية الثالثة”، “اللا-عولمة”، “عصر الفوضى”؟ لكنه أصبح من الممكن بالفعل تعلم الدروس الأولى منها.
‏تبدو هذه المقامرة العسكرية الروسية غير عقلانية للغاية (“بوتين ليس غبيًا” أكد لي خبير مشهور في روسيا)، جاءت في غير وقتها تماماً، وكانت غير مسؤولة على الإطلاق أيضاً.
في ظل ‏‏تغير المناخ وانتشار الأوبئة‏‏، كيف يمكن للمرء أن يحلم بالتوسع أو استخدام الأسلحة للسيطرة على الأراضي؟
ما الذي تعلمنا إياه الدبلوماسية السابقة؟
ربما يكون أفضل مفتاح لفهم بوتين هو قيام النمسا وروسيا وبروسيا بتقاسم بولندا في العامين 1770 و1795. وفي تلك الأوقات، قالت فيينا وسانت بطرسبيغ وبرلين في تناغم تام: “أنا موجود لأنني آخذ في التوسع”.‏‏
وسيكون التاريخ الدبلوماسي‏‏ مفيداً بشكل خاص للإجابة عن هذا السؤال: كيف يفترض أن يتصرف الكاسبون تجاه المهزومين؟
ثمة النموذج الذي استخدمه مترنيش وكاستلريغ في مؤتمر فيينا في العام 1815، والذي أعاد تنظيم أوروبا بعد هزيمة فرنسا في الحروب النابليونية.
ومع عدم وجود أي نية لمعاقبة فرنسا أو إذلالها، أعيد البلد إلى حدوده لما قبل الثورة، لأن السلام كان في حاجة إلى الحفاظ عليه في القارة.
ومع أخذ كل المتغيرات في الاعتبار، كان هذا هو الخيار الذي اتخذته الولايات المتحدة وحلفاؤها في العام 1945 أيضاً. في مواجهة التهديد السوفياتي المتنامي في ذلك الحين، كان من الصواب دمج ألمانيا واليابان في مجتمع الدول الديمقراطية في أسرع وقت ممكن.‏
الفخ الذي نصبه بوتين لنفسه
في العام 1991 بعد سقوط الاتحاد السوفياتي، لم تقم أميركا بإذلال روسيا بلا فائدة كما فعلت باريس ولندن مع ألمانيا بعد الحرب العالمية الأولى.‏
بعد 40 عاما تحت النفوذ السوفياتي، كانت “أوروبا المختطفة” في الوسط الشرقي ‏‏للقارة متعطشة للديمقراطية والحماية‏‏.
وكان من الضروري تقديمهما لها. ولكن، هل أولت أميركا اهتمامًا كافيًا لمشاعر روسيا؟ لم تكن أميركا هي التي كسبت الحرب الباردة -كان الاتحاد السوفياتي هو الذي خسرها.‏
‏القوة هي العزلة التامة
ليس الهدف تبرئة روسيا بوتين من مسؤولياتها.
بل على العكس من ذلك، إذا كان هناك درس يمكن تعلمه بعد ستة أشهر من الحرب في أوكرانيا، فهو تأكيد الخطر الذي تمثله الأنظمة الاستبدادية من خلال إشعال الصراعات وإدارتها.
بالمبالغة في تقدير قوته والتقليل من شأن خصومه، وقع بوتين وحده في الفخ الذي يبدو أنه نصبه لنفسه.
منذ مغامراته العسكرية الناجحة في جورجيا ‏‏وشبه جزيرة القرم‏‏ وسورية، كان بوتين مقتنعًا بأنه لم يكن تكتيكيًا ذكيًا فحسب، بل وكان أيضًا استراتيجيًا عظيمًا، وسليلاً مباشراً لبطرس الأكبر وكاثرين الثانية.
باختصار، أصبح بوتين يعتقد أنه هو الشخص المختار لإعادة روسيا إلى عظمتها الماضية. ومن حوله، كما قد يقول المنطق الستاليني، لم يجرؤ أحد على التعبير عن أي تحفظات أو إعلان أي تحذيرات.
القوة هي العزلة التامة. في زمن الحرب، تكون الأنظمة الاستبدادية في آن واحد أكثر خطورة وأكثر هشاشة من غيرها لأنها تعرف أن خسارة الحرب تعني بالنسبة لها فقدان القوة -أو فقدان حياتها نفسها.‏
العواقب على الكرملين.. والعالم
‏في نهاية صيف العام 2022، أصبحت روسيا بوتين هي الخاسر الرئيسي في تلك الأشهر الستة من الحرب في أوكرانيا، ليس فقط لأن موسكو تتعثر أمام خصم أضعف بلا حدود على الورق، ولكن أيضا لأن لعدم انتصارها تكلفة جيوسياسية مهمة: تجد موسكو نفسها معتمدة بشكل مفرط على بكين.‏
على مر السنين، أصبحت روسيا بالتدريج الشريك الأصغر للصين. واليوم، أصبحت مدينة لها أيضاً. هل كان هذا ما أراده بوتين؟ ما الهدف الذي وصل إليه حقًا؟ كان يريد “فنلدة” (1) أوكرانيا. وبدلاً من ذلك، حصل على “نتوَنة ‏”(2) فنلندا والسويد‏‏.‏
‏من خلال إغلاق كتاب حقبة ما بعد الحرب الباردة -وربما في الوقت نفسه كتاب العولمة- جعلتنا الحرب الأوكرانية ننتقل من عالم تهيمن عليه إلى حد كبير العوامل الجي-اقتصادية إلى عالم تكون فيه الاعتبارات الجيوسياسية أكثر مركزية باطراد.
ماذا لو ساعدت العولمة انتقال شعلة التاريخ إلى الصين؟‏
‏قبل واحد وثلاثين عامًا، عندما سقط الاتحاد السوفياتي، بدا أن العولمة وأمركة العالم يسيران جنبًا إلى جنب.
ثم كان تدمير برجي مركز التجارة العالمي في أيلول (سبتمبر) 2001‏‏، الذي أعقبته الأزمة المالية في العام 2008 والسقوط المجازي لبرج “ليمان براذرز”، سببًا في الفصل بين الظاهرتين.‏
‏ماذا لو دفعت العولمة، بعيدًا عن دعم الوضع المركزي للولايات المتحدة، نحو نقل شعلة التاريخ إلى الصين و/أو الهند بدلاً من ذلك؟‏
خلال الأشهر القليلة الماضية من العام 2022، كان درس واحد يبرز بمزيد من الوضوح: ‏‏هناك حدود للقوة العسكرية‏‏، والتي تظهر غالباً عندما لا تكون كمية القوات والأسلحة كافية لتمييز نوعية الرجال وعزمهم.
ولا يقتصر الأمر على أن روسيا لا تتقدم في أوكرانيا فحسب، إنها تخاطر أيضا، من خلال وقوع حادث نووي، بإعادة الكوكب وراء في الزمن إلى عصر غير معروف.‏
‏*دومينيك مويسي: Dominique Moïsi‏‏ هو ‏‏عالم سياسة‏‏ وكاتب فرنسي. كان أحد مؤسسي المعهد ‏‏الفرنسي للعلاقات الدولية‏‏ (IFRI) ومقره ‏‏باريس‏‏، ‏‏وبيير كيلر أستاذ زائر‏‏ في ‏‏جامعة هارفارد‏‏، وحامل كرسي ‏‏الجغرافيا السياسية‏‏ في ‏‏كلية أوروبا‏‏، أقدم مؤسسة تعليمية في الشؤون الأوروبية، في ‏‏ناتولين‏‏.‏
وهو أيضا زميل في ‏‏CEDEP‏‏، “المركز الأوروبي للتنمية التنفيذية”. يسهم مويسي بانتظام ‏‏بمقالات افتتاحية‏‏ ومقالات في ‏‏منشورات “فاينانشال تايمز”‏‏ ‏‏و”فورين أفيرز”‏‏ ‏‏”وبروجيكت سينديكت”،‏‏ إضافة إلى “‏‏دي فيلت”‏‏ ‏‏و”دير ستاندرد”‏‏.‏
*نشر هذا المقال تحت عنوان: Why Russia Has Already Lost the War
هوامش:
(1) الفنلدة: Finlandization مصطلح يستخدم لوصف التأثير الذي قد يكون لبلد قوي على سياسات بلد أصغر مجاور. منشؤه الجدل السياسي الذي ثار في ألمانيا الغربية في أواخر الستينيات والسبعينيات.
باستخدام هذا المصطلح في ألمانيا وغيرها من دول حلف شمال الأطلسي، كان يشير إلى قرار دولة عدم تحدي جارٍ أقوى في السياسة الخارجية، مع الحفاظ على السيادة الوطنية.
وهو يشير إلى سياسات فنلندا حيال الاتحاد السوفياتي خلال الحرب الباردة، لكنه يمكن أن تشير إلى علاقات دولية مماثلة، مثل موقف الدنمارك من ألمانيا بين العامين 1871 و1940، وعلاقة تايوان بالصين منذ العام 2008.
(2) نتوَنَة: NATO-ization، اجتهاد المترجم لما يعني الطبع بصبغة (الناتو) بالتأثير أو الانضمام إليه.