الرئيسة \  مشاركات  \  وفي الحصار أيضاً...في سبيل رغيف خبز

وفي الحصار أيضاً...في سبيل رغيف خبز

18.09.2013
وليد فارس


يظن البعض أن أصعب ما تعيشه حمص اليوم هو تلك اللحظات التي تُقصف بها المدينة بصواريخ أرض- أرض أو قذائف الطائرات أو الدبابات أو وقت اشتباك ما على جبهة من جبهاتها.
تعاني الأسرة|الفرد في المنطقة المحاصرة في حمص من مشاكل كبيرة لا يمكن أن تختزل بعيش حياتها كاملة ليلاً نهاراً تحت القصف بل بتلك المعاناة التي تقضيها يومياً في سبيل سعيها للحصول على رغيف خبز مثلاً.
للحصول على رغيف خبز في المنطقة المحاصرة هذا يتطلب الكثير بل أكثر مما يتخيله البعض, فرغيف خبز واحد يتطلب سلسلة من الأعمال المرهقة والمتتابعة والتي كل مرحلة فيها تتطلب الكثير والكثير من الجهد والمخاطرة,  الرغيف مثلاً يتطلب كمية من القمح (الحنطة) التي بالكاد يستطيع الحصول عليها الناس في المدينة المحاصرة اليوم خاصة بعد أن سيطر النظام على صوامع القمح في محيط حي الخالدية التي كانت تعتبر المصدر الوحيد لتوريد هذه المادة, وبعد الحصول على القمح على الإنسان أن يؤمن الكهرباء لطحنه, والكهرباء تحتاج لتأمين مولدة كهربائية -وقليلة تلك هي المولدات التي عاشت لهذه الفترة- والمولدة تحتاج لمازوت و هو مادة نادرة للغاية وبالكاد تجدها في بقايا خزانات البيوت وبالتالي ربما تقضي يوماً كاملاً على أسطح المنازل في سبيل جمع بضع لترات من المازوت معرضاً نفسك لرصاص عشرات القناصين الذين تعبر أمامهم ويكشفون المناطق التي تعبرها وربما مرت فوق رأسك فجأة قذيفة هاون أو انفجرت قربك, وبعد تأمين الكهرباء يتحول القمح طحيناً ثم يأتي دور جمع الحطب من مختلف المنازل التي تعرضت للهدم نتيجة القصف لإشعال الموقد وصنع الخبز.
إنها سلسلة طويلة من الأعمال اليدوية ذات الجهد والخطر العالي حتى لو أننا وضعناها في مقارنة مع مهن أخرى في ظروف خارج الحرب لتم ترتيبها كأعلى عمل ذو مخاطر في العالم, وكم وكم من رغيف خبز أو عجين أو طيحن اختلط بدماء شهيد أو شهيدة أو دم طفل يحاول أن يتم مهمته في جمع حطب أو جلب ماء من بئر ما, إنه الخبز المغمس بالدماء.
الخبز طعام الفقراء, وفقراء الحرية وفقراء الخبز متلازمي المسار ومتكافئي الوزن فكلاهما يبحث عن عظيم وكم جاع من عزيز في سبيل حرية وكم استعبد البشر في سبيل الخبز, لكنه درب لابد من أن نسير فيه حتى النهاية, فعندما يصبح للخبز طعم الدم وللدم طعم الخبز نكون على الدرب الصحيح وعندما تتميز الطعمات وتنفصل ونمسك رغيفنا بحرية عند العشاء في جلسة مع كل من نحب نتحدث عن حاضرنا وعن مستقبلنا عندها يكون الدرب انتهى....وبدأت الحياة.
حمص المحاصرة لـ ما يقارب الخمسمائة يوم, وليد فارس, 17-9-2013