الرئيسة \  مشاركات  \  ياسمين آذار لمخضب بالدم (الحلقة 48)

ياسمين آذار لمخضب بالدم (الحلقة 48)

24.10.2013
محمد فاروق الإمام




أبرز ملامح سياسة الأسد الداخلية

اعتمدت خطة الأسد في حكم سورية على:
- توفير الأمن للحكم ولأسرته ولأبناء طائفته الذين يتعاونون معه.
- السيطرة على القوات المسلحة مع الاعتماد على كتلة الضباط الموالين له من طائفته.
- تسخير الاقتصاد السوري لمصلحة أسرته والمتنفذين الذين يدينون بالولاء لحكمه.
- صد كل تحرك شعبي معارض وسحق الاتجاهات المعارضة ومطاردة أصحابها في كل الأقطار.
- محو المقومات العربية والإسلامية للشعب السوري، ومحو هويته وأخلاقه، ونشر الفساد بكل أشكاله.
واقتضى ما سبق بيانه الاعتماد على أجهزة الحكم المتعددة التي بلغت سبعة عشر جهازاً قمعياً، كجهاز المخابرات، وجهاز أمن الدولة، اللذين يضمان أكثر من عشرين ألف شخص وقياداته كلها من طائفته الموالين له، وكانت مهمة هذين الجهازين هي التجسس على الناس، والتدخل في حياة الناس الشخصية، واعتبار كل مواطن مداناً حتى تثبت براءته. وهناك جهاز الأمن المركزي، والأمن السياسي، وفرع فلسطين والمخابرات الجوية ومخابرات الحرس الجمهوري.
ناهيك عن السجون والمعتقلات الرهيبة في كل محافظة، وما فيها من صنوف التعذيب وآلاته الرعيبة. وسرايا الدفاع، التي كانت تضم أكثر من عشرين ألف مقاتل.
لقد ظهرت الخلفية الحزبية والطائفية بأحقادها وشرورها من خلال إشاعة التحلل الخلقي، وانتشار الرشوة، فعم الفساد والذعر والإرهاب داخل البلاد وخارجها. وأضحى النظام الحاكم أشبه بنظام عصابات المافيا، وبشريعة الغاب، وبات الناس يعيشون في حالة من الفوضى لامثيل لها، فالقوي يبطش بالضعيف، وانتشرت المظالم والمنكرات، وتحولت أغلبية الشعب تحت وطأة هذا النظام إلى مجموعات فقيرة، تجهد نفسها من أجل تحصيل لقمة العيش إذ أن البلاد ومنذ أاكثر من أربعين عاماً وهي تحكم بالحديد والنار، في ظل قانون الطوارئ المعلن منذ 8/3/1963م.
فالحاكم العرفي، يملك حسب قانون الطوارئ أن يفعل "بأي مواطن أو مقيم على أرض سورية، أو مار بها" مايشاء، بمصادرة حقه في الحرية وحجزه إلى آماد غير محدودة، قد تصل لأكثر من ثلاثين عاماً مع مصادرة أمواله المتحولة وغير المنقولة ويشمل مصادرة حقه في الإقامة والتنقل، وحرمان المواطن من وثائق السفر وغيرها. أما السجون فقد غصت بالمعتقلين الذين يعدون بعشرات الآلاف، ومازال الناجون منهم يروون قصص التعذيب الوحشي، وفيها تصوير حالات الإعدام والقتل في تلك السجون، وقد كثرت الكتب التي يصور أصحابها المآسي في تلك الفترة، من ذلك كتاب (شاهد ومشهود) لصاحبه: محمد سليم حماد، صدر عام 1998م، بعد أن سجن صاحبه 11عاماً، وهو طالب أردني كان يدرس في جامعة دمشق، واعتقل مع آخرين. وقد صور فيه صاحبه أهوال التعذيب في سجن تدمر، من صعق بالكهرباء, والتعليق من القدمين، والضرب المبرح، وتحدث الكاتب عن الأجواء المرعبة والإعدامات المتواصلة لسجناء الرأي داخل السجن، وقد شاهد وفاة عدد منهم، والكتاب مطبوع في الأردن.
ونموذج آخر للطالبة الجامعية هبة الدباغ التي كانت تستعد في 31/12/1980م، للتقدم لامتحان صباح اليوم التالي في جامعة دمشق، حين داهم شقتها عصابة من الأمن المركزي والسري، وطلبوا منها أن ترافقهم إلى مركز التوقيف للأمن السياسي في دمشق.
وقد أصدرت هبة كتاباً في 239 صفحة من القطع المتوسط، تحت عنوان (خمس دقائق فقط) حيث قال لها عناصر المخابرات السرية: نريدك خمس دقائق فقط، فمكثت في المعتقل تسع سنوات، وقد روت السيدة هبة ماشاهدتها في سجنها من وسائل تعذيب وحشية، من التعذيب البدني الذي لايطاق، ويشمل الضرب على سائر أنحاء الجسم، كما صعقت الفتاة بالكهرباء مراراً، واستمر سجنها تسع سنوات، وشاهدت في سجنها معتقلين من الرجال يعرضون للتعذيب، كما شاهدت أكثر من جثة للمعتقلين ماتوا تحت التعذيب.
والجدير بالذكر أن الكاتبة المذكورة قد فقدت والدها ووالدتها وثمانية من أخواتها وإخوانها في المجازر الجماعية التي ارتكبتها القوات العسكرية في مدينة حماة في شهر شباط عام 1982م.
وهناك المواطن السوري الذي آثر أن يروي مأساته في روايته المدهشة (القوقعة-يوميات متلصص) تحت اسم (مصطفى خليفة) وهو مسيحي يدين بالمذهب الكاثوليكي، وعاش لنحو 6 سنوات في باريس يدرس الإخراج السينمائي وفضل العودة إلى الوطن ليقدم خبرته لبلده فساقه حظه العاثر إلى سجن تدمر بتهمة الانتماء للإخوان المسلمين وأمضى في السجن الصحراوي سيء السمعة نحو 12 سنة وضمن ذكرياته الأليمة في كتابه القوقعة الذي نشرته دار الآداب-بيروت 2008.
وكذلك كانت حكاية الشاب الأردني المهندس سليمان أبو الخير الذي كان يدرس في ألمانيا وأحب أن يوفر بعض المصاريف على أهله في رحلة كان ينوي فيها زيارة أهله في الأردن في العطلة الصيفية فدخل سورية عن طريق البر في سيارة ألمانية بهدف بيعها في الأردن والاستفادة من ثمنها، فكان جلاوزة الأمن على الحدود السورية له بالمرصاد فاقتيد مع شخصين آخرين اصطحبهما معه من تركيا لقاء أجر كانا ينويان السفر إلى السعودية بقصد العمل، إلى أحد فروع المخابرات في دمشق، وليحط رحاله فيما بعد في سجن تدمر الصحراوي لمدة خمس سنوات، ويروي عذاباته في ذلك السجن الرهيب في كتاب تحت عنوان (الطريق إلى تدمر – كهف في الصحراء – الداخل مفقود، والخارج مولود) طبع في الأردن-دار الأعلام 2011م.
يتبع