الرئيسة \  مشاركات  \  يا إخواننا في المعارضة .. كلكم فيكم الخير والبركة !

يا إخواننا في المعارضة .. كلكم فيكم الخير والبركة !

06.04.2013
د. طارق باكير


د. طارق باكير
 لست متفاجئا ، ولا مستغربا ، كما تفاجأ واستغرب كثيرون ، هذه الهجمة الشرسة التي تشنها أطراف وشخصيات عدة في المعارضة السورية على جماعة الإخوان المسلمون ، بعد اختيار الأستاذ غسان هيتو لتشكيل الحومة المؤقتة ، وظهور الرضى من الجماعة عن هذا الاختيار ، ولم يشفع لها أنها شريكهم في المعارضة ، وشريكهم في المجلس الوطني ، وشريكهم في الائتلاف الوطني .. وكيل الاتهامات لها ، ولمن هو قريب منها ، ولمن لا يتهمهما ، أو هو ساكت عنها ، وليس السكوت – دائما - هو علامة الرضى ، وإنما هناك من يسكت احتراما لعقله ، وتوقيرا لقدره ، لأنه لا يجد ما يتهم به ، هذا من جانب ، ولأنه غير معني بالدفاع من جانب آخر.
   أقول : لست متفاجئا ، لأن هؤلاء المعارضين اعتادوا من الإخوان المسلمون على الرفق والحرص ، والتلطف والتنازل والإيثار ، والتلاحم مع كل معارض لهذا النظام الطاغي الباغي المجرم ، الذي أذاق شعبنا الويلات ، وأهلك الحرث والنسل .. والترحيب بكل من يتوسمون به صدقا ، ويجدون عنده الحرص على الوطن ومستقبله ومصيره ، دون النظر إلى : أين كان ؟ ومن كان قبل أشهر ، أو قبل سنوات ؟ انطلاقا من عمق تجربتهم ، وعظم قضيتهم ، وطول معاناتهم ، وعملا بما تربوا عليه في دينهم ودعوتهم ، بأن لا يحكموا على القلوب ، وأن لا يشقوا عن الصدور ليعرفوا ما فيها .. وإيمانا منهم بقول معلّم الناس الخير ، صلى الله عليه وسلم ) : إن القلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن جلّ وعزّ يقلبها كيف يشاء ) ، ولأن الأصل في التعامل مع أخوة الوطن ، هو الثقة والصدق ، والمودة والتلاحم .. ولاسيما في هذا الظرف الصعب العاصف ، الذي تمر به بلادنا ، والذي يجعل الغصن من الشجرة يحنو على أخيه .. وهذا ما ألفه المعارضون من الجماعة .. وإذا بأهل الجماعة اليوم يدنون ويبعدون ، ويعطون ويمنعون ، كما خيّل لكثير من المعارضين ..
   ولو كنت من أهل القول والشور ، لنصحت الإخوان المسلمون بأن ينفضوا يدهم تماما من تشكيل الحكومة المؤقتة - التي لا يعلم غير الله ما لذي ينتظرها من التعب والجهد والشقاء .. وعدم رضى الناس ، وغير ذلك مما الله به عليم - فلا يظهروا تحمسا لها ، ولا يقفوا في وجهها ، ويتركوا الناس يختارون هم بأنفسهم ، وبالطريقة التي تحلو لهم ، ثم تثني الجماعة على اختيارهم .. وتكون عونا وسندا ..
   ولقد تجاوزت قدري ؛ فخطر لي وأرسلت لرئيس الحكومة المؤقتة الأستاذ غسان هيتو رسالة ، نصحته فيها ،واقترحت عليه أن يطلب من كل طرف من أطراف المعارضة ، وخاصة المشككين والمتأزمين منهم ، أن يقترحوا عليه تشكيلة كاملة لهذه الحكومة ، أو أكثر من تشكيلة ، ثم يحاول هو أن يستخلص أعضاء حكومته من هذه التشكيلات المقترحة ..
   وإنني مع قناعتي أن الإخوان المسلمون كانوا حريصين على التوافق ، ودليل ذلك أنهم تنازلوا ، وهم أوسع التيارات السياسية المعارضة ، ولم يرشحوا شخصا منهم ، ولم يكن يعزّ عليهم ذلك لو أرادوا ، وليس لهم غرض في السيد هيتو ، ولو كان الفائز شخص غيره ، لطبطب له البيانوني كما طبطب على السيد هيتو ، ولربما زاد ..
   لقد كان مطلوبا من الإخوان المسلمون أن ينأوا بأنفسهم عن هذه المعمعة ، حرصا على وحدة صف المعارضة ، ماداموا يعدون أنفسهم الماعون الأكبر ، وأن يحافظوا على شعارهم الذي طالما جهروا به ، وقولهم دائما : يا إخواننا في المعارضة .. كلكم فيكم الخير والبركة ! ولعلهم يتلافون ذلك في التشكيلات القادمة.
   ومطلوب أيضا من أطراف في المعارضة ، أن يتجاوزوا هذه الخطوة ؛ وأن ينصرفوا لما هو أهم منها ، فليس الوقت وقت تلاوم وتقاذف ، واتهام .. وأن يدركوا أن هذه الحكومة المؤقتة ، ليست حكما مبرما ، ولا قدرا قاضيا ، وأن يعطوها الفرصة لتثبت قدرتها وكفاءتها ، فإذا أحسنت ، شكر الناس سعيها ، وإن أخفقت ، اجتمع الناس ، واختاروا حكومة غيرها ، فليست بداية الخلق ، وليست نهاية العالم ، ومازلنا في أول .. أول الطريق الطويل ، أو يطول !
ونسأل الله تعالى أن يرحم شعبنا ، ويلطف به ويفرج عنه ، ويرفع البلاء ، ويكشف العذاب ، ويحقق له النصر المبين .