الرئيسة \  واحة اللقاء  \  يبرود.. يبرود.. أيتها "المئة السود"

يبرود.. يبرود.. أيتها "المئة السود"

18.02.2014
وسام سعادة


المستقبل
الاثنين 17/2/2014
في القصير كان يجري "تشهيد" معركة مارون الراس. في يبرود يجري "تشهيد" قصير والنَبَك، وجبهة الجنوب التي ابتعدت كثيراً جرى التعويض عنها بنشيد حزبي هابط: "احسم نصرك بيبرود". بما أنّ القافية أجازت الأمر، صارت "يبرود" هي "اليهود" و"اليهود" هم يبرود.
"حزب الله" مثله في ذلك مثل سواه من الحركات الإحيائية - الدينية والقومية - الدينية المسلّحة لا يعرف في الحقيقة لا "الدين" بالمعنى التقليدي للكلمة ولا "الأيديولوجيا" بالمعنى الحديث له، إلا على نحو فريد من نوعه.
إنه بالأحرى أسير "الجغرافيا الأسطورية والمتخيلة" المستجمعة من نتف المغازي والسير وأضغاث التراث، والمستحضرة، "خبط لزق" توظيفاً لها، على أرض الواقع، لتسويغ وتزيين صولات وجولات من العنف القرباني. حتى وهو يواجه جيش الاحتلال الإسرائيلي في لبنان كان الحزب يعيشها حالة مواجهة تارة مع "يهود خيبر" وطوراً مع "جيش يزيد". لا عجب أن تتملّكه الحالة نفسها حيثما يمّم الشطر. صادف هذه أنّ وافقت يبرود القافية.
لسنا بعيدين كثيراً عن "التكفيريين" كما يصفهم الحزب، ويوسّع نطاقهم بشكل يفيض كثيراً عمّن يمكن توجيه هذا التوصيف لهم، رغم انعدام دقّته من الأساس. هؤلاء "التكفيريّون" يعيشون هم أيضاً حالة جغرافيا تاريخية إحيائية ومتخيلة، حين يعتبرون قتالهم اليوم استئنافاً لحرب الردّة. ولسنا بعيدين عن الحركات المتطرّفة بين المستوطنين في الضفة الغربية الذين "يلعبونها" من جهتهم، على "اللاندسكيبالتوراتي"، حرباً ضد الكنعانيين واليبوسيين.
"حزب الله" يحارب إذاً "اليهود في يبرود". جماعة "أنصار الله" الحوثية تحارب اليهود في عمران وصعدة. في "الانتظار"، الدولة العبرية تعيش مرحلة هانئة لم يسبق لها مثيل منذ قيامها. لكن ما يظهره "حزب الله" و"أنصار الله" من خلال هذا الحشر لـ"اليهود" في معارك ليس فيها يهود دينياً وإثنياً، ليس مجرّد "استعارة" أو "ترميز". انه، وبالذات بالنسبة للحزب، يذكّر بطبيعته... "البوغرومية".
"البوغروم" كلمة روسية مفادها "أن تعيث فساداً في الأرض"، وهي ترتبط بتاريخ من المجازر ضد اليهود في شرق أوروبا. وهكذا، من فرق القتل التي تسمّت "المئة السود" في روسيا القيصرية الى "القمصان السود" عندنا ثمة خيط رابط. كذلك من تهجير مسيحيي مشغرة الى تهجير مسلمي القصير ويبرود وتوعد عرسال ثمة حزب يشهر على الناس طبيعته البوغرومية بوصفها نشيداً، ويريدك بعد ذلك أن تقتنع معه بأنه حامي حماة التنوير ضد التكفير. يا حنون!
في "تفكرات حول المسألة اليهودية" يقول جان بول سارتر إنه "لو لم يكن اليهودي موجوداً فإن عدوّ السامية يتكفّل بإيجاده". في تاريخه الحافل من مشغرة الى يبرود ثمة حزب يوجد ويصنع "يهوده". في كتابه يصف سارتر عدو السامية بأنه شخص يخاف من نفسه، من ضميره، من حريته، من غرائزه، من مسؤولياته، من العزلة والتغيير والمجتمع والعالم، من كل شيء إلا من "اليهودي" الذي يستشيط ضده ويشيطنه. كذلك "حزب الله" - مع ضرورة ألا نقع في الشرك نفسه حيال هذا الحزب وتلك حكاية أخرى.