الرئيسة \  واحة اللقاء  \  يجاهدون.. ولكن مع بشار!

يجاهدون.. ولكن مع بشار!

18.01.2014
د. محمد علي الهرفي


الشرق القطرية
الخميس 16/1/2014
في سوريا يدور قتال عنيف بين من جاءوا من أمكنة متباعدة للجهاد ضد طاغية سوريا (بشار الأسد)، ولكن بوصلة بعض هؤلاء انحرفت باتجاه زملائهم في العقيدة والهدف وتركوا الهدف الأساسي من قدومهم إلى الشام، بل وأصبحوا عمليا يقدمون خدماتهم وأرواحهم وأرواح إخوانهم هدية مجانية للأسد، وأحسبه يراقب هذا المشهد وهو يفرك يديه فرحا وسرورا، فقد كفاه هؤلاء أنفسهم دون أي خسارة تذكر.
لب المشكلة أن جماعة الدولة الإسلامية في العراق والمنتمية لفكر القاعدة أرادت أن تمد نفوذها إلى الشام، فأرسلت مجموعة من أفرادها إلى بعض مناطق سوريا بهدف الجهاد وبكل بساطة بل واستهتار بالسوريين جميعا أعلنت هذه الجماعة أن الشام أصبح تحت ولايتها إضافة إلى العراق وكأنهم يحكمون العراق فعلا!! والأنكى أنهم يفرضون على الأهالي مبايعة أميرهم أو القتل، كما بدأت محاكمهم بإقامة الحدود الشرعية وأحكام الإسلام - حسب فهمهم - وكأنهم - فعلا - دولة إسلامية مكتملة الأركان!! وهذا الوضع غير المعقول ولا المقبول هو الذي أدى إلى رفض كبير لهم في الوسط السوري وكذلك في أوساط المجاهدين الآخرين الذين تعرضوا لأذى شديد منهم وصل إلى حد القتل والأسر والسرقة، وهذا أدى بالتالي إلى نشوب الاقتتال بين الدولة وبقية فرق المجاهدين.
الوضع الشاذ للدولة الإسلامية طرح أسئلة عديدة حول طبيعة المهمة التي تقوم بها هذه الدولة في الشام، بل وطبيعتها كذلك في العراق!! ولعل التصريح الخطير الذي أدلى به وزير العدل العراقي (حسين الشمري) يطرح ضوءا على ذلك الدور، فقد اتهم الشمري بعض كبار رجال الدولة العراقية بتهريب آلاف المسجونين من رجال القاعدة من سجني (أبو غريب والتاجي) وتسهيل ذهابهم إلى سوريا خدمة لنظام الأسد، فهؤلاء سيحولون الثورة ضده من ثورة شعب يسعى للحرية والعدالة إلى مجموعة إرهابيين يعتدون على المواطنين، كما سيجعل الأسد من حاكم مستبد يقتل شعبه إلى حاكم يقاتل الإرهابيين دفاعا عن الشعب!! وفي ذات الوقت فإن الداعمين للثورة أو الذين كانوا يستعدون لدعمها سيتوقفون عن ذلك، لأنهم سيصبحون في الحالة الجديدة مدافعين عن الإرهاب وهذا ما حصل فعلا!! فقد استغل بشار الأسد وإيران وروسيا وجود القاعدة في إقناع إسرائيل وأمريكا والغرب وبعض الدول العربية بخطورة القاعدة على أمنهم وأنها لن تتوقف عند حدود سوريا، بل ستتعدى ذلك إلى إسرائيل والدول العربية وقد نجحت هذه الخطة بصورة كبيرة وبغض النظر عما يدور في الخفاء بين الأسد وبين بعض رجال الدولة من تفاهمات سرية.
صحيفة الإندبدنت ذكرت أن هناك علاقة بين الأسد وبين تنظيم الدولة المشهور اختصارا بـ(داعش) فقالت: (هناك شعور سائد بين صفوف المعارضة السورية بوجود تحالف سري بين النظام والجماعات المسلحة المتشددة، مشيرة إلى وجود عدد من المقاتلين الشيشان في صفوف داعش ممن خدموا في الجيش الروسي في الماضي)، كما نقلت أيضا عن (أبي مراد) وهو عضو في كتائب الفاروق المعتدلة قوله: (لقد رأينا قوات الأسد تهاجم الكتائب الأخرى لكنها تترك داعش، لماذا؟ لأنه من مصلحة النظام أن ينتصر داعش ومن ثم يقولون: إن جميع القوى الثورية تتبع القاعدة، النظام لا يلاحق داعش، ونحن الذين نلاحقه).
وضع داعش بالصورة التي هو عليها الآن يعد من أهم أدوات الإساءة للثورة ومن هنا فإن بشار الأسد سيحافظ عليه وسيدعمه والطرق غير المعلنة للدعم كثيرة جدا وأهمها المال وواقع (داعش) حاليا يؤكد أنها في أمس الحاجة للمال، فالهزائم التي تتلقاها في حربها كثيرة ومؤلمة وقد يساهم المال في شراء بعض الذمم خاصة في مثل هذه الظروف التي تمر بها الحركات الإسلامية المجاهدة في سوريا، والأمر هنا ليس حكرا على الأسد، فهناك إيران التي لا يستبعد الكثيرون أن لها علاقة بتنظيم الدولة الإسلامية، فهي والأسد يعملان جنبا إلى جنب، فمصالحهما - كما نعرف - مشتركة إلى حد التطابق.
الشيء الذي أود إيضاحه أن الدولة الإسلامية كانت تدين بالولاء لتنظيم القاعدة عندما كانت في العراق، كما أن جبهة النصرة هي الأخرى تتبع تنظيم القاعدة وكان من المنطق أن تتحد هاتان الجبهتان ولكن مطامع البغدادي جعلته يصر على أن يقوم قائد جبهة النصرة بمبايعته رغم أن كل الظروف كانت لا تتفق مع تحقيق رغبته، مما جعل الظواهري زعيم القاعدة يأمر البغدادي بترك سوريا والعودة إلى العراق لكنه رفض ذلك، مما يعني تمرده على قائده وقد يؤدي ذلك إلى طرده من تنظيم القاعدة، وهذا الوضع الذي وضع فيه جعل حقده يتزايد على الجولاني وتنظيم النصرة وهذا ما يفسر شدة الاقتتال بين التنظيمين.
القتلى من التنظيمات (المجاهدة) بالمئات وهو مرشح للزيادة بشكل كبير، خاصة أن الدولة الإسلامية فقدت صوابها وأصبحت تقتل بشكل عشوائي لا يختلف عما تقوم به قوات الأسد، فقوات الأسد قامت بقصف حلب بالبراميل المتفجرة ثم مباشرة هاجم التنظيم المدينة، مما يوحي أن هناك اتفاقا بين الطرفين!! وقام بعد الاقتحام بقتل عشرات الأسر بحجة الردة وفيهم أطفال ونساء وشيوخ ولست أدري كيف يبيح لهم دينهم قتل هؤلاء بحجة كاذبة هي الردة، ولا أستبعد أن يستمروا على هذا المنوال حتى يتم إخراجهم من سوريا.
الوضع الآن واضح للعيان ؛ فكل الذي يجري يصب في صالح الأسد سواء أدرك ذلك البغدادي ومن معه أم لم يدركوا، والسكوت عما يفعله هؤلاء خيانة للأمة وللمجاهدين الحقيقيين، فهناك من يقاتل مع الدولة جاهلا ببشاعة ما يفعله وأن قتل المسلم لا يجوز خاصة بالمبررات الكاذبة التي يقدمها شرعيو داعش، وأعتقد أن على علماء السعودية المسؤولية الكبرى لوجود عدد من الشباب السعودي يقاتل مع تنظيم الدولة وهؤلاء قد يثقون بعلماء السعودية أكثر من غيرهم، وأيضا علماء الكويت ودعاتها ؛ فالكويتيون لهم حضور قوي هناك، وكل من يقدر على المشاركة في حفظ الدم السوري بأي صورة عليه ألا يتردد في فعل ما يستطيعه خاصة هذه الأيام التي لها ما بعدها.
الأسد ومن يدعمه هم المستفيدون من هذا الاقتتال المجنون، فهل يدرك قادة داعش والمقاتلون أنهم بفعلهم ذلك يجاهدون إلى جانب من جاءوا لمجاهدته؟!!