الرئيسة \  واحة اللقاء  \  يحذروننا بعد أن ورطونا

يحذروننا بعد أن ورطونا

09.05.2013
فهد الخيطان

الغد الاردنية
الخميس 9/5/2013
أكثر ما أشغل الإعلاميين والمتابعين لزيارة وزير الخارجية الإيراني علي أكبر صالحي، لعمان، سؤال غريب: هل حمل صالحي رسالة تحذير للأردن من مغبة التدخل في سورية؟ مضمون السؤال في الواقع ليس مفاجئا ولا جديدا، ونسمعه يوميا في أطروحات المؤيدين والمعارضين للنظام السوري في الأردن، وفي الإعلام العربي عموما. لا يكاد يوم يمر بدون أن نطالع بيانا حزبيا أو مقالا سياسيا يحذر من التورط في الأزمة السورية، أو يندد بدور الأردن في دعم المعارضة المسلحة تارة، والنظام السوري تارة أخرى، وذلك حسب موقف الجهة التي تقف خلف البيان.
نقلت وسائل إعلام محسوبة على النظام السوري، وأخرى مؤيدة له، تصريحات منسوبة لقادة فاعلين في الإقليم، تحمل نفس المضمون؛ تحذير الأردن من الدخول على خط الأزمة السورية.
مواقف الطرفين تثير العجب حقا، كونها تصدر عن جهات معظمها إن لم تكن كلها متورطة فعلا في سورية، أو عن شخصيات تدعم دولا منخرطة بشكل كلي في دعم النظام والمعارضة مالا وعتادا.
التدخل في الأزمة السورية لمصلحة هذا الطرف أو ذاك يصبح خطيئة وشحنا لمقاتلين يسفكون دماء السوريين عندما يتعلق الأمر بالأردن فقط! لكن هؤلاء الغيورين على سورية ودماء السوريين لا يسألون أنفسهم؛ ماذا يسمون الدعم الإيراني لسورية؟ التقارير الموثقة تقول إن قوات إيرانية تقاتل على الأرض، ولا ينكر الإيرانيون ذلك. وتقول التقارير أيضا إن عناصر حزب الله تخوض مواجهات شرسة في أكثر من بلدة سورية. وروسيا التي دخلت على خط التحذيرات، هي الداعم السياسي الأكبر للنظام السوري، وقواتها تحتل ميناء طرطوس، وضباطها يقودون غرف العمليات، فضلا عن شحنات السلاح التي لا تتوقف.
على الجانب الآخر، تشكل منذ فترة حلف خليجي-تركي وغربي لمد المعارضة السورية بالسلاح والمال والرجال؛ الحدود التركية مفتوحة على مصراعيها لإسناد المقاتلين بالأسلحة الفتاكة، والأموال الخليجية تصل بالملايين لأشد المعارضين تطرفا في سورية.
العراق بكل تياراته ليس بعيدا عن ميدان القتال، والأطراف اللبنانية في قلب المعركة؛ جماعة الحريري تمد المعارضة بالسلاح والمال، وحزب الله يحارب إلى جانب النظام.
الجار العدو لسورية؛ إسرائيل، حاضرة هناك، ليس بالعدوان المباشر كالذي شهدناه قبل أيام، بل بأجهزتها الاستخبارية التي يذرع رجالها شمال سورية وجنوبها، وينسجون خيوط العلاقة مع أطراف الصراع. استخبارات الدول الغربية في معظمها موجودة على الأرض السورية، لا بل إن لبعض الدول عناصر عسكرية تدرب وتنفذ عمليات في مختلف المناطق.
لنكن منصفين، الأردن لم يتورط في الأزمة السورية. وإن حدث ذلك، فهو آخر المتورطين. الحقيقة أن فشل النظام السوري في معالجة أزمته الداخلية، ودخول كل تلك الأطراف التي أشرنا إليها من قبل على خط الأزمة، هي التي وضعت الأردن في ورطة؛ ورطة اللاجئين، وخطر المتشددين، والخسائر الاقتصادية المترتبة على انقطاع خطوط التجارة مع سورية ودول الإقليم، وفرضت عليه التعامل مع ميناء حيفا.
وتتملك المرء حالة من الاستهجان عندما يسمع بعض أوساط في المعارضة المؤيدة للنظام السوري وهي تحذر الأردن من التعاون مع إسرائيل، "وتسهيل" مهمتها في سورية. الأردن لا يملك ربع ما تملكه سورية من الأسلحة المتطورة والدفاعات الجوية، ومع ذلك ظل الطيران الإسرائيلي يمطر قلب دمشق بالصواريخ لساعة ونصف الساعة قبل أيام، ولم ترد الدفاعات العتيدة!
إذا قررت إسرائيل أن تتدخل في سورية وتستخدم الأجواء الأردنية، وهذا لم يحصل حتى الآن، فهل يملك الأردن القدرة على منعها. دعونا من المزاودات، ولنكن موضوعيين قليلا.
كلهم متورطون في سورية، ومسؤولون عن الدم السوري المباح، وهم آخر من يحق لهم تحذير الأردن "الورطان حتى شوشته" بنتائج أعمالهم.