الرئيسة \  تقارير  \  يديعوت أحرونوت :الجارة الشريرة

يديعوت أحرونوت :الجارة الشريرة

02.02.2022
ناحوم برنياع


الغد الاردنية
الثلاثاء 1/2/2022
في آذار 2014 أرسلتني “يديعوت احرونوت” لتغطية الحرب في اوكرانيا. من كييف طرت إلى الجبهة، إلى شبه جزيرة القرم. استأجرت مترجمة وسيارة وسافرت إلى بريفلنيا، قاعدة عسكرية اوكرانية فرض الروس حصارا عليها. انتشرت كتيبة مشاة في نظام مميز أمام بوابة القاعدة: مجنزرات تحمل المدافع، شاحنات، سيارات جيب وتندر. “استسلموا والا جوعناكم حتى الموت”، أعلن الروس، لكن أحدا لم يمت. رصاصة لم تطلق. حجر لم يرشق. احيطت القاعدة بميليشيا من المتعاونين المحليين، بلباس مدني، أدارت الأمور. بينهم وبين سياج القاعدة وقف الجنود الروس، مسلحون من اخمص القدم حتى الرأس، صامتون. في داخل القاعدة واصل الطاقم الاوكراني حياته الاعتيادية. نساء الضباط سمح لهن بالوقوف قرب البوابة. بعضهن جلبن طعاما ساخنا لازواجهن. “الويل”، اشتكى القسيس في مدخل الكنيسة خارج القاعدة، “كم كانت اوكرانيا ستكون غنية لولا سرقها الاجانب”. “الويل” اجابت حفنة من المصلين.
عندما وصلت كانت السيارات في الشوارع تحمل بفخار علم اوكرانيا. وعندما غادرت حملت بفخار العلم الروسي. جنديان روسيان وكلب، لم يكن حاجة لاكثر، قاموا باعمال الدورية حول المطار المحتل. ضابط اوكراني طويل وصل الى المطار في سيارة مدنية، محوط بحاشية، ببزات مزينة باوسمة الحرب. اجرى اخلاء طوعيا. عندما مر بخطى سريعة على الدورية الروسية لم ينزل نظره عن الجنديين؛ الجنديان لم يوقفاه. تعايش بين المحتل والخاضع للاحتلال على النمط الاوكراني.
في 2014 كان مركز العاصمة كييف تحتله ميليشيات مناهضة لروسيا، فرضت الإرهاب على أعضاء البرلمان. وقد تميزت بماض مؤيد للنازية وبمظاهر فاشية. تذكرت جملة قالها ذات مرة اسحق شمير عن حرب ايران – العراق: “اتمنى النجاح للطرفين”.
قنوات التلفزيون الغربية توفر في الأيام الأخيرة تقارير بطولية من الحدود، من محافظة دونباس المغطاة بالثلوج، في جنوب شرق اوكرانيا. جنود يعدون بالقتال ضد الروس حتى آخر قطرة دم، ومواطنون يقسمون بانهم لن يخضعوا ابدا. واقترح التعاطي مع هذه التقارير بشك. روح القتال الأوكرانية هي الأمر الأخير الذي يوقف بوتين في الطريق إلى الاجتياح. “أوكرانيا ليست دولة على الاطلاق”، قال بوتين للرئيس بوش عندما التقاه في 2008، “معظمها تعود لنا. والباقي يتوزع بين دول شرق أوروبا”.
أيونا هيل، التي كانت تتولى الملف الروسي في مجلس الأمن القومي في عهد الرئيس بوش، نشرت قبل بضعة أيام مقالا مشوقا في “نيويورك تايمز” تروي فيه ان الخبراء، وهي منهم، حذروا الرئيس من فتح الباب لانضمام جورجيا واوكرانيا الى الناتو. بوش لم ينصت لهم. بوتين رد باجتياح جورجيا. وهو يحتفظ بقسم من الأرض التي احتلها حتى اليوم. في 2014 احتل القرم. اما الأميركيون فاكتفوا بعقوبات اقتصادية.
أما الآن فقد وقعت لبوتين فرصة: أميركا تعيش مشاكل. اربع سنوات ترامب فعلت العجب في الثقة بين الدول الأعضاء في الناتو. إدارة بايدن مهزومة في الكونغرس وفي الرأي العام وتفقد التأثير في العالم. الانتخابات الوسطى والفوضى في الحزب الديمقراطي تمنع الادارة من ان ترد الضربة. هذا الوقت لتغيير قواعد اللعب، في اوروبا وربما في الشرق الأقصى أيضا.
بوتين، كما تذكر أيونا هيل، يحسب أيام السنة جيدا. في كانون الأول الماضي مرت 30 سنة على تفكيك الاتحاد السوفياتي. بنظره كانت هذه مصيبة بحجوم تاريخية: روسيا فقدت غلافها الواقي. قواتها العسكرية اضطرت لان تنسحب الى الوراء، والانظمة التي قامت في الدول وفي المناطق التي اخلتها تطلعت الى الاتحاد الأوروبي، إلى الناتو وإلى الإدارة الأميركية.
هو يسعى لإصلاح تاريخي، لإعادة النظام القديم، من عهد الاتحاد السوفياتي ومن عهد الامبراطورية القيصرية. فضلا عن هذا يسعى لان يلحق بأميركا إهانة مشابهة للاهانة التي لحقت بالروس قبل ثلاثين سنة. روسيا ستصل إلى تسوية جديدة مع دول أوروبا تتضمن اخلاء القوات العسكرية الأميركية، هم وصواريخهم الباليستية، من أراضي أوروبا. بعد ذلك يأتي دور التواجد الأميركي في اليابان والضمانة الأميركية لاستقلال تايوان. أوكرانيا هي هدف وهي أيضا رمز وسابقة. هذه معركة يكاد لا يكون احتمال لان يخسر فيها بوتين.
بوتين هو لاعب قمار متميز: الأوراق التي في يديه سيئة، وعلى الرغم من ذلك فانه يتحكم بجدول الأعمال الدولي، يختلق أزمات حين يكون مريحا له ويستخلص منها أقصى فائدة. هو مصمم ومركز على الهدف، في مواجهة غرب واهن ومنقسم. التجربة التاريخية تفيد بان في النهاية الديمقراطية الغربية تنتصر. السؤال هو متى، وباي ثمن.
ليس بسيطا على دولة ما ان تعيش في جيرة قوة عظمى، الا اذا كانت هذه كندا. فالقوى العظمى تعمد إلى فرض ارادتها على الدول المحاذية لها، تجتاح الدول المارقة وتستخف بمؤسسات الأمم المتحدة والرأي العام العالمي. لعله يوجد هنا نصف مواساة لنا، نحن الإسرائيليين: نحن نكثر من الشكوى على جيراننا الاشكاليين. من إيران البعيدة وحتى لبنان وسورية، الضفة وغزة. يتبين أنه أن تكون ايضا جارا لماما روسيا ليس بهجة كبرى.