الرئيسة \  تقارير  \  يديعوت احرونوت : أيهما عدو إسرائيل .. النووي الإيراني أم "دولة بن غفير"؟

يديعوت احرونوت : أيهما عدو إسرائيل .. النووي الإيراني أم "دولة بن غفير"؟

04.12.2022
ناحوم برنياع

يديعوت احرونوت : أيهما عدو إسرائيل .. النووي الإيراني أم "دولة بن غفير"؟
بقلم: ناحوم برنياع
القدس العربي
السبت 3-12-2022
لن تتحقق كل الأفكار الشوهاء التي ستنشر الآن، فهي بحاجة إلى نفض وترشيح. لكن ما هو الأساس القيمي للنفض؟ من سينفض؟ يريف لفين؟ دودي امسلم، غاليت دستل اتربيان؟ جائز أن يكون هؤلاء الأشخاص جوعى للقوة والحكم. ما يقلقني هو عدم احترامهم لكل ما بني هناك في 75 سنة. لا لجهاز القضاء، لا للقوانين، لا قواعد اللعب، لا لوحدة الجيش. لهم دولة إسرائيل: ستصبح إسرائيل بالاسم فقط.
سُئل رئيس الوزراء المرشح في مقابلة صحافية أمريكية عن خطى بن غفير، فأعفى نتنياهو نفسه من المسؤولية إذ قال: ” المحكمة العليا هي التي أعطته حقه في أن يكون نائباً ووزيراً. القضاة أعطوه الإذن الكامل”.
ظاهراً، هو محق. ظاهراً فقط. فبين بن غفير وعائلة نتنياهو علاقات وثيقة طويلة السنين. ذات مرة، في حدث عام، رأيت لحظة نظرات حلوة، مليئة بالعاطفة بين سارة نتنياهو والكهاني من الخليل. “أمسكت بنا”، اعترف بن غفير في ذاك الموقف على مسمعي. كان يمكن القول عن بن غفير أنه إرهابي البيت. لشدة الأسف، تعود هذه الوظيفة التي في بيت نتنياهو لشخص آخر.
فرض نتنياهو على سموتريتش وماعوز وبن غفير التنافس للكنيست في قائمة واحدة. كانت هذه خطوة لامعة، واعية، ضمنت رئاسة الوزراء له، لكنه لا يمكنه أن يعفي نفسه من المسؤولية عن نتائج الخطوة. أدخل نتنياهو الكهانية إلى الكنيست، وضم الكهانية إلى الحكومة وسلمها مسؤولية إنفاذ القانون في إسرائيل و”المناطق” إلى يد مدان بالإرهاب. ليس الأمن الداخلي، بل الأمن القومي أيضاً. لم يسبق أن أعطيت لوزير شرطة سابق قوة كالتي أعطاها نتنياهو لبن غفير.
لم يكن ملزماً: لا خيار لأي من شركائه في الكتلة. الطريقة التي أدار فيها المفاوضات تدل على واحدة من إمكانيتين: فإما أن تكون النزعة للعودة بأسرع وقت دون النظر إلى الثمن الذي أفقدته صوابه، أم أنه يتعايش مع تطلعات بن غفير، ولفين، وسموتريتش ودرعي. مخططاته كمخططاتهم.
نقداً على الطاولة
لا ينبع امتداد المفاوضات الائتلافية فقط من مراهنات سموتريتش واستياءات جفني ومشاكل درعي الشخصية. ففرضية العمل لدى كل الشركاء في الحكومة المستقبلية أن نتنياهو سيخدعهم؛ فهم لا يصدقونه، ولهذا يطالبون بكل شيء فوراً، نقداً، على الطاولة. لو كنت مكانهم، أجلت سلسلة الخطوات التي يفترض بها أن تنهي محاكمة نتنياهو. فنهاية المحاكمة ستضعف قوتهم على المساومة.
يؤمن نتنياهو بأن كل شيء سيتغير في اللحظة التي يتلقى فيها المناصب. فقد قال لباري فايس، الأمريكية التي التقته صحافياً: “أعتقد أن لي تأثيراً كبيراً عليه”. أما أنا فأعتقد أنه مخطئ. ليس لبن غفير قاعدة سياسية. ستة المقاعد التي تلقاها كانت منحة لمرة واحدة. وهو ملزم بأن يغذي مصوتيه بالمحفزات اليومية وينمي مصوتين جدداً. جمهور الهدف هو أفراد الشرطة والجنود، هم وعائلاتهم. وهو يعدهم بالإعفاء من المسؤولية والعقاب. وباء العنف وعد خطير في إسرائيل 2022. ليس النظام هو ما ستجلبه هذه الوعود، بل الفوضى والانهيار الداخلي. رأينا ما فعله ترامب في أمريكا، مع الوعود إياها. كما أن رد الفعل الهزيل المتملص من نتنياهو على استفزازات بن غفير، تذكر بترامب. هكذا رد على المسيرة اللاسامية في “شارلوت سفيل” ولوجبة العشاء الحميمة مع اللاسامي ناكر الكارثة.
ما يراه المتطرفون في الحكومة من هنا، سيرونه من هناك: هذا ما تمليه عليهم المصلحة السياسية، الطبيعة، المحيط الاجتماعي. في مقابلة مع نداف أيال تنشر في الصفحات التالية، يدعو آيزنكوت لمن هو قلق مثله على مصير الدولة أن يخرج للتظاهر، هذه دعوة في موعدها. نقلت لي قارئة نشطة أمس تغريدة للمحلل التلفزيوني عميت سيغال، الذي يقتبس -رداً على آيزنكوت- أموراً كتبتها عندما غطيت مسيرة المستوطنين في فترة فك الارتباط. قارنت مسار المسيرة بمسيرة موسوليني، أبو الفاشية، نحو روما. سيغال ليس غبياً؛ فهو يعرف أن نية السائرين كانت هدم الجدار، والدخول بجموعهم إلى القطاع، والسيطرة على المستوطنات، وإحباط قرار مؤسسات الدولة القانونية بالقوة. هذه فاشية. كنت هناك، تحدثت معهم؛ سرت معهم. لشدة الحظ، كان بينهم زعماء مسؤولون، بنتسي ليبرمان من أبرزهم – قرروا وقف المسيرة في “كفار ميمون”. لو كان سيغال في موقف الزعامة لكان قراره مختلفاً.
الجيش الإسرائيلي ضد الجيش الإسرائيلي
 تحت اسم “تساهل” (جيش الدفاع الإسرائيلي) يعمل اليوم جيشان متوازيان. واحد ذكي ولامع، وهذا مشغول بالاستعداد لحرب لم نشهد مثيلاً لها، حرب مشكوك وقوعها؛ أما الجيش الآخر فيناوش الفلسطينيين واليهود في حواجز الضفة. الجيشان يتنافسان فيما بينهما على مكانهما في جدول الأعمال، وعلى الاهتمام، وعلى المال. بينهما نقاط لقاء، لكن لا يوجد تماثل مصالح. أحد الجيشين يقلع إلى السماء، أما الآخر فيغرق في مستنقع “المناطق” [الضفة الغربية].
وصفت في الأشهر الأخيرة مصاعب أداء الجيش في وجه الواقع في الضفة. فالروح التي تجلبها الحكومة الجديدة معها، تسرع المسيرة التي تهدد بتحويل الجيش الإسرائيلي من جيش إلى ميليشيا، من منظمة رسمية إلى ذراع سياسي.
وصلنا إلى الرمز الذي على سيارة رابين، وسنصل أيضاً إلى رابين”، هكذا وعد بن غفير قبل الاغتيال. قاعدة الجيش الإسرائيلي في “الكريا” تسمى على اسم رابين. في مخطط غريب، مبالغ فيه، تقرر أن يسمى مبنى وزارة الدفاع، في قلب القاعدة، على اسمه. بعد أسبوع – أسبوعين سيتمكن بن غفير من التقاط صور احتفالية لنفسه من تحت اليافطة. الوعد تحقق: فقد وصل إلى رابين. في خريطة الجيش الإسرائيلي الآخر، ذاك الذي يستعد لإيران، تعد الخليل نقطة هامشية، هامشية لدرجة أنه لا يحددها لديه. قوس كبير، أحمر، يخرج من إيران إلى سوريا وإلى لبنان، يغمر غزة واليمن بالأحمر، ويلوح العراق بالوردي، وقطر وحالياً تركيا أيضاً قوس أزرق يخرج من إسرائيل، يلون كلاً من الأردن ومصر والسودان والمغرب والسعودية والإمارات والبحرين بالأزرق الفاتح. في الطرف الأعلى من الخريطة تظهر أذربيجان والأقاليم الكردية – عنصر مهم في النشاط العسكري الإقليمي لإسرائيل. قبل شهرين زار بيني غانتس أذربيجان. في أثناء زيارته، دفع النظام الإيراني بقوات عسكرية كبيرة إلى الحدود الأذربيجانية. فقد خاف الإيرانيون من أن غانتس جاء لإشعال نار الاحتجاج.
مسابقة إقليمية، هكذا يسمي الجيش الإسرائيلي المواجهة بين إيران وإسرائيل على دعم الدول في المنطقة. على الخريطة، تفصل بين إسرائيل وإيران نحو 1.600 كيلومتر. الحقيقة أن كلا منهما موجودة على حدود الأخرى، كل واحدة وفروعها. في أثناء السنة الأخيرة، اتخذت إسرائيل قراراً استراتيجياً: سيستعد الجيش الإسرائيلي لحرب مباشرة، ومتعددة الجبهات، مع إيران. نعم، حرب. والمقصود هو تطوير قدرات تسمح للجيش الإسرائيلي بضرب البنى التحتية ومعاقل الحكم في إيران، وبالتوازي تسريع تطوير منظومات دفاعية يمكنها أن تصد آلاف الصواريخ التي ستطلق إلى هنا من سوريا ولبنان والعراق وإيران. الهدف ليس الحسم. الهدف، بالتعبير العسكري الإسرائيلي هو ميزان استراتيجي محسن. المشروع النووي الإيراني لن يدمر، لا سبيل لعمل ذلك، ولكن واضعي الخطة يأملون بأن يتضرر دافع النظام والاستثمار فيه.
سافر رئيس الأركان قبل بضعة أيام في زيارة عاجلة إلى واشنطن بهدف تعزيز الالتزام الأمريكي. السؤال هو: الالتزام بماذا؟ لقد قرر الأمريكيون نقل إسرائيل من منطقة سيطرة القيادة الأوروبية إلى منطقة سيطرة قيادة المنطقة الوسطى لديهم – القيادة التي تعدّ إيران تحت مسؤوليتها. هذا يعني تعاون عسكري، برعاية أمريكية، مع كل الدول السنية الحليفة لأمريكا. سيكون هناك المزيد من المناورات المشتركة في الزمن القريب، وتبادل للمعلومات، وبيع سلاح. وثمة اتصالات ثنائية لترتيب الأمن البحري في البحر الأحمر. “التعاون الإقليمي ضد إيران هو كابوس خامنئي”، يقول مصدر في إسرائيل.
وضعت الإدارة الأمريكية حماستها على موافقة إيرانية على استئناف الاتفاق النووي، ولا تزال معنية باستئناف الاتفاق، لكن حماستها قلت. قرار إيران تزويد روسيا بالمسيرات الانتحارية والسلاح الجديد في الحرب في أوكرانيا لم يمر بهدوء في واشنطن. اتفاق مع إيران لن يجلب لبايدن ربحاً سياسياً، بل يضر.
حاول رئيس الأركان إقناع نظرائه في البنتاغون للانتقال إلى الخطة البديلة: على فرض عدم التوصل لاتفاق، كيف يمكن ردع إيران من الوصول إلى تخصيب 90 في المئة، التخصيب الذي إحدى نتائجه أن يصبح الشرق الأوسط كله نووياً. الجواب الذي تقترحه إسرائيل، فضلاً عن المناورات العسكرية، هو اقتصادي ودبلوماسي. في الاتفاق النووي بند يسمى Snap Back- العودة الفورية إلى الوراء، يسمح لكل واحدة من الدول لإلغاء إطار الاتفاق من طرف واحد. ترامب، الذي خرج من الاتفاق، لم يفعّل البند، أما إسرائيل فتعلق الآمال على بريطانيا في هذه اللحظة.
هل ندخل مسار الحرب؟ تفيد التجربة أن من الصواب التعاطي بشك لمثل هذه البشائر. أولاً، رووا لنا في بداية العقد السابق بأن إسرائيل تستعد لهجوم على إيران: الطائرات تتحمى على المسار. ثانياً، يترافق مطلب لزيادة الميزانية لكل بشرى بخطوة أمنية دراماتيكية. العكس صحيح أيضاً: تترافق لكل مطلب لزيادة الميزانية بشرى بخطوة أمنية دراماتيكية.
يدور الحديث عن علاوة 5 – 6 مليار شيكل للسنة، مع التزام لعشر سنوات. ثمة من سيفزع من المبلغ، وسيحسب ما يمكن العمل به في جهاز التعليم، ومكافحة الفقر، وغلاء المعيشة، والصحة، والبنى التحتية. وثمة من سيقول، لا بأس، هذا نصف في المئة من الناتج المحلي الخام، من المجدي استثمار المال حين يكون المقابل ردع العدو وإبعاد خطر وجودي عن الدولة. من المجدي استثماره، لأنه إذا تدحرجنا إلى الحرب، فلدينا بما نرد به.
هل تعهدت الإدارة الأمريكية بمهاجمة إيران أو بإسناد هجوم إسرائيلي على إيران؟ كل المؤشرات تدل في هذه اللحظة على العكس. أمريكا لا تريد المبادرة إلى حرب مع إيران ولا تريد أن تتدحرج إليها. هذا موقف حازم للرئيس الحالي، وسيكون موقف الرئيس التالي. كائناً من كان؛ في كل ما يتعلق بأمريكا، الخيار العسكري الذي وضع على الطاولة يستهدف البقاء على الطاولة. أمريكا تعبت من الحروب.
يدور الحديث عن سنوات طويلة من الاستعدادات. ادعاء نتنياهو، الذي طرحه هذا الأسبوع أيضاً في المقابلة مع وسيلة الإعلام الأمريكية وبموجبها يعود إلى مكتب رئيس الوزراء كي “يمنع إيران من إبادتنا” – هو مبالغة منفلتة العقال وتبجح عديم الغطاء. أقيم في هيئة الأركان قبل نحو سنتين ونصف شعبة استراتيجية، وهو اسم آخر لشعبة ستعنى حصرياً بإيران. لا توجد علاقة بين حقيقة ما يجري في الشعبة والجدول الزمني للحكومة الجديدة. من السابق لأوانه الدخول في حالة تأهب.
الحرب غير الصحيحة
يثور في المداولات الداخلية بقيادة الجيش الإسرائيلي، نقد على خطوات تمت تجاه إيران سابقاً. في السنوات الأولى من العقد السابق استثمر 11 مليار شيكل في الإعداد لهجوم من الجو على منشآت النووي. نتنياهو، رئيس الوزراء في حينه، ووزير دفاعه إيهود باراك، دفعا الخطة قدماً. رؤساء أذرع الأمن عارضوا بالإجماع. وفي نظرة إلى الوراء واضح أنهم كانوا محقين.
يتركز النقد على ما حصل بعد ذلك. عندما وقعت الدول العظمى على الاتفاق النووي مع إيران، في 2015، قرر رئيس الأركان غادي آيزنكوت أن ينقل قسماً مهماً من الأموال والوسائل التي خصصت للمشروع إلى مجالات أخرى أكثر إلحاحاً. أعطي لإسرائيل مهلة زمنية من 15 سنة، وسعى آيزنكوت لاستغلالها. التصدي لإيران أهمل. المدى القصير انتصر على المدى البعيد.
أساس النقد موجه للأعمال السرية المنسوبة لإسرائيل. فالإحباطات المركزة، وسرقة الأرشيف، وتخريب المنشآت الإيرانية – وكل العمليات التي حظيت بمجد عالمي عظمت الدافع الإيراني.
ينشر تقرير مرة كل بضعة أيام عن ضربة لسلاح الجو لمخزن سلاح أو قاعدة عسكرية يستخدمها الإيرانيون. إسرائيل لا تعمل في لبنان، ولا في العراق؛ وتعمل قليلاً جداً في إيران. وتكثر من العمل في سوريا.
ترى إسرائيل في النظام الإيراني عدواً وجودياً؛ والنظام الإيراني يرى في إسرائيل عدواً وجودياً. وقد يكتشف الطرفان أن عدوهما الحقيقي يهددهما من الداخل: إسرائيل ومتطرفوها، إيران ومتظاهروها. كلاهما تستعدان للحرب غير الصحيحة.
بقلم: ناحوم برنياع
يديعوت أحرونوت 2/12/2022