الرئيسة \  واحة اللقاء  \  يضحك كثيرا...!

يضحك كثيرا...!

26.10.2013
محمد برهومة


الغد الاردنية
الجمعة 25/10/2013
يبدو أن كلام اجتماع "أصدقاء سورية" في لندن عن أن بشار الأسد لا مستقبل له في حكم سورية، هو كلام إنشائي غير قابل للصرف السياسيّ، ويصعب التفاعل بجدية معه في ظل ما يجري على الأرض من مواقف وأفعال وتطورات. فالدول الغربية الكبرى تبدو مع مرور الوقت أكثر ميلا واستعدادا للتجاوب مع "غزل" الأسد للغرب، من خلال حديثه المتكرر عن أنه الأقرب إليها في مكافحة الإرهاب والتعاون الأمني في مواجهة الجماعات التكفيرية والمتطرفين المسلحين. ولنا أنْ نتذكر كيف كانت اجتماعات "أصدقاء ليبيا" وسيلة أساسية في توحيد المعارضة الليبية وقيادة مرحلة ما بعد القذافي، في حين أن "أصدقاء سورية" لا يكاد يحقق أيّا من الأهداف الكبيرة التي خرج السوريون على النظام الغاشم من أجلها.
وأنْ لا يتمالك وزير الخارجية الأميركية جون كيري اندفاعه قبل أسابيع، ويعبّر عن شكره للرئيس السوري بشار الأسد لأنّ إزالة الأسلحة الكيماوية السورية جاءت بفضل جهود الأخير، على حد قول كيري، فهذا مما يعزز آمال الأسد بأنه باقٍ حتى نهاية رئاسته، بل ربما يتيح له المناخ الدولي الذي أنتجه التفاهم الروسي-الأميركي لأنْ يترشّح لرئاسة جديدة، "إذا أراد الشعب السوري ذلك" على ما يكرر الأسد على مسامعنا، مرة إثر أخرى، في مشهد سوريالي يثير السخط والحنق! فتفكيك أسلحة سورية الكيماوية قد يستغرق عاما ونصف العام أو عامين، ومن المهم وفق منطق كيري، ومنطق موسكو بالتأكيد، أن يكون هذا التفكيك على عين الأسد وتحت إشرافه ورعايته ومتابعته. هنا لا نجد غرابة في أنْ يضرب الأسد رقما قياسيا في عدد المقابلات والتصريحات التي أدلى بها للصحافة والإعلام منذ بدأت ملامح الاتفاق الروسي-الأميركي ترى النور.
والواقع أن كيري، كما موسكو وطهران، وحتى إسرائيل، ربما لا يجدون غضاضة في بقاء الأسد؛ ذلك أن هذا البقاء يروق لمن يريد استخدامه ورقة ضغط لخدمة أهدافه الإقليمية أو الدولية (إيران وروسيا)، أو تعزيز لعبة الإفناء الذاتي في سورية أو إنهاء فكرة التوازن الاستراتيجي إلى غير رجعة (ربما إسرائيل)، أو بقاء لبنان رهينة لـ"حزب الله" وورقة من أوراق إيران في إطار مفاوضاتها النووية ومحادثاتها المحتملة مع الغرب حول العديد من الملفات الإقليمية.
هل يجوز لنا في هذا المقام الكالح، ونحن نراقب تفكك المعارضة السورية، وتناسل التنظيمات الجهادية، وما يُقال عن "بكستنة" على الحدود السورية-التركية وانتعاش للسلفية الجهادية في الأردن على حساب جماعة "الإخوان المسلمين" التي تعاني تشددها وضعف أفقها السياسي وخلل إدارة التعددية في صفوفها وتفضيلها أنْ تكون ذراعا للتنظيم الأم عن أنْ تكون حزبا وطنيا... هل يجوز لنا أن نقول مع القائلين: يضحك كثيرا من يضحك أخيرا؟! هل يجوز لنا، استطرادا، أن نتوقع مزيدا من التسامح الدولي والإقليمي مع عنف النظام السوري واعتداءاته على المدنيين، وكأن الأسلحة التقليدية لا تؤذيهم؟! هل ننعى التدين الشاميّ، الوسطي والمعتدل والمتسامح والمديني، الذي قال كثيرون منّا إنه سيمنع أن تكون سورية أرضا خصبة لـ"النصرة" و"القاعدة" وأخواتها الكثيرات في سورية اليوم؟!
إن سؤال الدين والتدين في الواقع العربي سيبقى سؤال الأسئلة، وسيبقى مدخلا أساسيا لوعي عفيّ وثورات تحقق نتائجها ولا تُجهض بفعل التخاذل الدولي واستبداد الأنظمة وتسلّطها وجبروت الحكومات التي تدرك أن ضحك الشعوب مربوط بتفكك ذاك الاستبداد والجبروت الذي ينتعش، بالتأكيد، مع أنماط التدين الخشنة والوعي المأزوم والإجهاز على الحرية والإنسان عبر التأويلات الدينية المغلقة والمتطرفة، التي ترى في الضحك قسوة للقلب!
mohammed.barhoma@alghad.jo