الرئيسة \  واحة اللقاء  \  يوميات مرتزق روسي في سوريا 

يوميات مرتزق روسي في سوريا 

09.12.2020
بسام مقداد



المدن 
الثلاثاء 8/12/2020 
خرج الموقع الإعلامي الناطق بالروسية "Meduza" المسجل في لاتفيا ــــ البلطيق ،  الثلاثاء المنصرم في الأول من الشهر الجاري ، بعنوان يتباهى فيه بفوزه ب"أول مقابلة في التاريخ" مع مقاتل روسي مأجور يتحدث "بإسمه الحقيقي" عن المقاتلين من الشركة العسكرية الخاصة "فاغنر" لصاحبها المفترض يفغيني بريغوجين "طباخ بوتين" . ونقل مقتطفات من المقابلة معظم المواقع الإعلامية الروسية المعارضة ، وتجاهلتها كلياً مواقع الكرملين الرسمية ، أو التي تدور في فلكه ، بما فيها وكالة الأنباء الفدرالية "FAN" التابعة ل"الطباخ" عينه. 
  قدم الموقع للمقابلة بالقول ، بأن الشركة العسكرية الخاصة "فاغنر" إنخرطت العام 2015 في الحرب السورية ، واشتركت منذ ذلك الحين بعشرات الصراعات المحلية في الخارج ، وبقيت طيلة هذه الفترة تشكيلاً مقفلاً شديد السرية ، على الرغم من صلاته مع الكرملين ، ومئات القتلى من المقاتلين المأجورين ، والصدام المباشر مع الجيش الأميركي . ويقول بأن الموقع تمكن من العثور على الشخص ، الذي تحدث لأول مرة عن كل ذلك بإسمه الحقيقي مارات غابيدولين ، الذي تدرج في الشركة من "فاغنيري عادي" إلى قائد سرية إستطلاع . وخلال أربع سنوات من الخدمة نال غابيدولين جائزة رسمية ، وأصيب بجروح بالغة ، وكتب مذكرات موثقة كلياً ، على قوله ، لم تُستبدل فيها سوى ألقاب الأشخاص ، الذين لا يزالون في الخدمة . وأفصح غابيدولين للمراسل الخاص للموقع عما تستند إليه مذكراته ، وكيف قرر نشرها بإسمه الشخصي في كتاب بعنوان "مرّتان في نهر واحد"، يأمل في أن يؤدي نشره إلى أن  "يعيد إلى التعقل" يفغيني بريغوجين المالك المفترض لشركة "فاغنر" العسكرية الخاصة.  
ويقول غابيدولين ، أنه بعد خدمته العسكرية خمس سنوات في القوات المظلية ، سُجن لارتكابه جريمة قتل "هيبة محلية" ، ووصل إلى شركة "فاغنر" عبر صديق سيبيري ، ووقع عقد الإنتساب إليها، ليس معها ، بل مع " Euro Policy" . ويشير إلى أنه أُعجب على الفور بصراحتهم وعدم تسترهم على العواقب المحتملة ، إذ خاطبوهم مباشرة بالقول :"شباب، أنتم مُعدون للحرب حيث تستدعي مصالح دولتنا . كونوا على استعداد لأن تنتهي بكم الأمور على نحو مأساوي ، أن تنتهي بالموت".   
وعن الدافع لكتابة مذكراته ، يقول غابيدولين أنه ، بعد إصابته في معركة تدمر العام 2016 ، أراد أن يسجل كل شيئ كي لا ينسى تفصيلاً ، وأدرك أن شطراً مهماً من حياته مر هباءاً ، بلا أي معنى . لكن مع تطور الحرب ، موضوع السرد ، برزت لديه حاجة أخرى تمثلت في رغبته إطلاع الناس على أن "فاغنر" هي خداع مطلق من جانب العسكريين والسياسيين ، حيث العالم كله يعرف ، و"أنتم تخفون الحقيقة عن شعبكم . فهل هذا طبيعي؟" . ويشير إلى ، أنه بنتيجة إصابته ، تم إستئصال كليته والطحال وقسمٍ من الأمعاء ، وبقيت ثلاث شظايا بين فلقتي الدماغ استعصى إستئصالها في العلاج ، الذي لم يرد ذكره في العقد مع " Euro Policy" ، بل جرى في مستشفى عسكري بضواحي موسكو، ثم في مؤسسة خاصة.ويؤكد غابيدولين ، أن صاحب شركة "فاغنر" يفغيني بريغوجين على علمٍ بمذكراته ، بل إطلع على مسودة قسم منها ، حين كان الكاتب يعمل مساعداً له في العام 2017 ، ثم عاد وطلب منه مسودة الكتاب كله . وفي تبرئة ل"طباخ بوتين" مما كان يجري في سوريا ، يقول الكاتب ، بأنه أراد إطلاعه على ما كان يجري ، "لأنه لا يعلم بأشياء عديدة تجري في الحقيقة بسوريا" ، حيث التصق كثيرون من الناس بشركة "فاغنر" يسرقون أمواله ، ويرفض هو الإعتراف بذلك . ولم يكن الأمر يقتصر على الأبعدين ، بل كان يخادعه مساعدوه الأقربون أيضاً ، حيث كانوا ، مثلاً ، يشترون بدل آليات الإستطلاع المصفحة الجديدة ، آليات يعود إنتاجها للستينات ، يجرون عليها بعض الإصلاحات الشكلية ، ويضعون عليها أجهزة المراقبة والأسلحة ، وتبقى الآلية ، بالنتيجة، دون أية فائدة.  
وفي ما إذا كان بريغوجين حاول التدخل في نص الكتاب أو تعديله ، يقول الكاتب ، بأنه طلب منه الأخير إضافة فصل كامل في المقدمة يتحدث عن تاريخ نشوء حركة المرتزقة الروس منذ القوزاق ، الذين كانوا يعملون مرة لصالح البولونيين وأخرى لصالح الأتراك ، إلى الماريشال ووزير الدفاع السوفياتي مالينوفسكي ، الذي يقول ، بأنه كان مقاتلاً في الفيلق الأجنبي الفرنسي ، ثم مقاتلاً متطوعاً في يوغسلافيا . ويستنتج بأن الفصل ، الذي طلب إضافته بريغوجين ، يفضي إلى القول ، بأن المرتزقة "ليسوا شباناً على هذا القدر من السوء" . ويؤكد أن بريغوجين نقل إلى دفتره الخاص تعابير الكتاب ، التي بدت له موفقة جداً ، وأخذ يناقش أمر إلزام مقاتلي "فاغنر" بالإطلاع عليها ، ليحدثوا الآخرين أكثر عن أنفسهم.  
وبشأن رأي بريغوجين بنشر مذكرات على هذا القدر من الصراحة حول عمله كمقاتل مأجور ، يقول الكاتب ، بأن بريغوجين نفسه  طبع في العام 2017 نسختين أو ثلاث من الكتاب ، وابتكر شخصياً عنواناً له "فاغنر . مقدمة لفاوست"(Wagner. Overture to Faust) . وكان عازماً على تقديم واحدة من النسخ إلى الناطق الرسمي بإسم الكرملين ديمتري بيسكوف ، وطار الكاتب إلى سوريا خصيصاً ، من أجل أن يجمع للنسخة تلك ، تواقيع جميع الشخصيات المذكورة في الكتاب ، أو من تيسر له منهم ، على قوله.  
أما بشأن الطبعة العادية للكتاب ، يقول صاحب المذكرات ، أن بريغوجين وعده بأنها سترى النور لاحقاً "ما أن يحين الوقت لذلك " ، من دون أن يحدد متى سيكون ذلك الوقت . ويخشى الكاتب نفسه ، ما إن كان الوقت سيحل حين لا يعود أحد مهتماً بذلك ، "حين تقلبون كل الأمور رأساً على عقب ، ويصبح من الصعب التمييز بين الحقيقة والبهتان" . ويعتبر أن بريغوجين يرتكب خطأً فادحاً بتأجيل نشر الكتاب ، الذي جل ما يريد منه ، على قوله ، أن يدفع بريغوجين للتعقل وإعادة هيكلة "فاغنر" ، لأنه لا يجوز الإنجراف بالسرية إلى هذا الحد ، "فلماذا جلد النفس ، والعالم كله يعرف" حقيقة الوضع  . ويتذكر الكاتب الجريمة الشنعاء ، التي ارتكبها العام  2017 أربعة من زملائه مرتزقة "فاغنر" بحق سوري فار من الجندية ، ولم يفتضح أمرها سوى العام 2019 ، حين نشر المجرمون أنفسهم شريط فيديو مصور للجريمة ، وقف العالم مذهولاً أمام هول وحشيتها (نشرت "المدن" حينها مقالة عن الجريمة "سفاحو سوريا الروس" 27/11/2019).  
يقول الكاتب عن تلك الجريمة ، أنه بسبب أربعة من البلداء ، الذين قرروا سحق أطراف الضحية السوري بالمطرقة وقطع رأسه ، يعتقد الجميع الآن ، أن كل الباقين في "فاغنر" هم أيضاً غيلان متعطشة للدماء على شاكلة هؤلاء . ويكشف كلام الكاتب الآن أحد أهم أسرار تلك الجريمة  ، حيث يقول ، بأن من أصدر الأمر بارتكاب تلك الفعلة الشنيعة ، هو قائد "فاغنر" ديمتري أوتكين نفسه ، بهدف إخافة الفارين الآخرين المحتملين من الجيش السوري . وعلى بريغوجين أن يعرف ، برأيه ، أن قائده المفضل هذا ، هو من دعا إلى "إرتكاب كل هذا" ، ويقول بأنهم هم أنفسهم ، الذين صنعوا بأيديهم الوضع الراهن ، ويدعو إلى محاكمة "هؤلاء الساديين الأربعة" . ويتوجه إلى بريغوجين متسائلاً كيف سيحاكمهم  ، وهو نفسه يقول ، بأنه ليس من مرتزقة لشركة "فاغنر" في سوريا .