الرئيسة \  مشاركات  \  يوم اعتقلني نظام حافظ أسد في رمضان عام 1979

يوم اعتقلني نظام حافظ أسد في رمضان عام 1979

01.07.2015
الطاهر إبراهيم





اعتقال الصحفي أحمد منصور في 3 رمضان عاد بالذاكرة لشهر رمضان من صيف 1979، حيث كنت أنفذ مدارس وطرق في قرى جبل الزاوية في ريف إدلب كوني مهندسا ولدي مكتب هندسي. ذات أصيل كنت جالسا في ساحة قريتي "المغارة" بين أناس من أهل القرية، يقطعون الوقت انتظارا لساعة الإفطار،وأنا منشغل بكتابة عريضة يقدمها أهل القرية إلى محافظ إدلب لزيادة طول الطريق الذي كنت أنفذه بين قرية المغارة وقرية فركيا.
لكني كنت متخوفا من الاعتقال فقد بلغني اعتقال عدة طلاب في جامعة حلب كانوا على علاقة تنظيمية إخوانية معي، ما جعلني أتنقل بين حلب حيث أسكن، وبين قرية المغارة بريف إدلب، وكأني كنت أهرب من الاعتقال. في هذا الجو أقبلت نحونا سيارة مخابرات فيها أخي الأكبر مني محشور بين سائق السيارة ورئيس الدورية. لكنه على ما يظهر لم يرني. توقفت السيارة أمامي، ونزل منها عنصر معه سلاحه الفردي ووقف بجانب سيارتي الفولكس واغن المغلقة التي كانت تقف أمامي. تابعت سيارة المخابرات سيرها باتجاه بيت والدي. بقيت ساكنا مكاني، فإن أي حركة مني كانت ستثير انتباه عنصر المخابرات.
اقتحم هذا المشهد مجيء والدتي، وقد رأت سيارة الأمن تمر على بيت أخي فتعتقله ليدل علي. هل رأيتم عصفورة تطير ملتصقة في الأرض بعد أن اعتدى أحدهم على عشها وأخذ فراخها؟ هكذا كان حال والدتي. حاولت أمي أن تحذرني، وقد أعمى الخوف بصرها فلم تنتبه إلى وجود عنصر المخابرات بجانب سيارتي. أشرت لها ألا تتكلم. لقد تأكد لجميع من حولي أنهم جاؤوا لاعتقالي. قال لي أحدهم لمَ لا تهرب؟ قلت له ألا ترى هذا الديدبان يقف بسلاحه متأهبا. وإذ لم يكن بد من التحرك،فقد قمت من مكاني وانعطفت يسارا لأختفي بين أشجار زيتون كانت خلف دكان كنت أجلس أمامه. قيل لي فيما بعد أن الدورية عادت من بيت والدي بعد أن لم يجدوني عنده. سألوا من كان يتجمهر حول سيارتي وسيارة المخابرات: أين طاهر؟ قال لهم الجميع لا ندري. قالوا لكنه كان هنا. فردوا عليهم جميعا: لماذا لم تعتقلوه إذن؟ يئسوا من وجودي، فأخلوا سبيل أخي بعد تهديده بالاعتقال إن لم يحضرني إليهم، واعتقلوا سيارتي.
في اليوم التالي ذهبت إلى مكتب أخي في تجنيد إدلب أستشيره. كان رئيسه في التجنيد متعاونا مع المخابرات (لم يكن لفظ الشبيح متداولا)، فاتصل بالمخابرات العسكرية يخبرهم بوجودي، فعرفت أني قد أحيط بي، إذ أن هروبي سيجر وبالا على أخي، فتم اعتقالي.
نقلوني ليلا إلى فرع المخابرات العسكرية في حلب فقد كنت مطلوبا له. سلموني إلى "أبوديبو" مسئول سجن المخابرات قائلين له: توصَّ بهذا فقد هرب أمس من بين أيدينا. قال لهم: سينال "دولابا" زيادة عن استحقاقه(كان المعتقل يوضع داخل إطار سيارة جنط14بحيث يكون رأسه ويداه في جهة وباقي جسمه في الجهة الأخرى لكي لا يستطيع التحرك أثناء الجلد).
استكمالا لهذه الحيثية فقد دخل قاووش الاعتقال عنصر ومعه كرباج وهو يجلد المعتقلين. دخل أبوديبو وراءه، فأخذ الكرباج منه ثم سألني كيف هربت من بين أيدي الدورية؟ قلت له: لو أنهم جاؤوا يعتقلونك فوجدت فرصة للهرب ماذا تفعل؟ قال أبوديبو أهرب. قلت هذا ما فعلته. المهم أن هذا الحوار أنقذني من بعض الجلدات بالكرباج.
مكثت في سجن المسلمية المخصص للسجناء القضائيين شمال حلب حوالي سبعة شهور (وهو نفس السجن الذي تحاصره فصائل المعارضة اليوم) وبسبب تصاعد المقاومة في مدينة حلب ضد حافظ أسد في شهر آذار 1980 بدأت أجهزة الأمن تفرج عن معتقلين لتهدئة الثائرين. بدأ الإفراج بالأطباء المعتقلين، ثم بدأ الإفراج عن المهندسين بسبب نشاط نقابة المهندسين، وعلى رأسها المهندس غسان نجار (اعتقل بعد ذلك مع النقابات) أمين سر نقابة المهندسين بحلب.
كنت من بين من أطلق سراحه. وصلت بيتي في مدينة حلب  فوجدت زوجتي ذهبت مع ولدينا إلى قريتنا المغارة. تابعت سيري إلى سراقب حيث كانت سيارتي عند أخي. انطلقت بها باتجاه أريحا ثم القرية، وكان أخي قد سبقني إليها بسيارة صديقه.
وصلت القرية حوالي الثامنة ليلا لأجد أهل القرية كلهم قد تجمهروا في ساحتها. لم أخلص من عناق أهل القرية إلا بعد أكثر من ساعة، لتمتد السهرة حتى فجر ذلك اليوم.