الرئيسة \  واحة اللقاء  \  في أن بوتين وحده الفعّال!

في أن بوتين وحده الفعّال!

05.10.2015
مصطفى كركوتي



الحياة
الاحد 4/10/2015
كلام رئيس وزراء بريطانيا ديفيد كاميرون، عن «التباعد السحيق» بين سياسة كل من الولايات المتحدة وروسيا حول كيفية إلحاق الهزيمة بـ «داعش»، مقلق للغاية، وذلك نتيجة غموض رؤى الرئيسين باراك أوباما وفلاديمير بوتين إزاء الوضع في سورية وما الذي يجب اتخاذه من إجراءات لوضع حدّ للتقدّم الذي يحققه هذا التنظيم المارق.
فأحدث تقرير صدر في هذا الشأن هو ذاك الذي أعلن عنه الكونغرس الأميركي من أن نحو 30 ألف شخص، يقدر أن يكون أكثر من نصفهم من الأوروبيين والأميركيين، التحقوا بصفوف «داعش» في العام الحالي، أي ضعف عدد أعضاء هذا التنظيم المرصود في تقرير مماثل صدر العام الماضي.
حالة الهلع هذه من انتشار الإرهاب وتوسّع نفوذ «داعش» في المنطقة، كانت واضحة جداً في خطاب عاهل الأردن عبدالله الثاني في الأمم المتحدة، إذ وصفه بـ «أكبر تهديد جماعي في هذا العصر».
واضح إذاً كيف أن فشل أوباما وبوتين في الاتفاق على سبل التعامل مع الأزمة الطاحنة في سورية، مدعاة لسرور «داعش» فضلاً عن إيران و «حزب الله». فتوسّعه وانتشاره السريع في زمن قصير نسبياً (حوالى 18 شهراً) اعتمدا وما زالا يعتمدان على الخلافات بين خصومه حول سبل المواجهة معه، ولا يبدو هناك في الأفق أي احتمال قريب يدعو إلى التفاؤل، إذ إن خريطة التغيير المرجوة تعتمد في الدرجة الأولى على الأحداث الجارية في ساحة المعارك، وليس على التفاهم والديبلوماسية الغائبة عن المشهد الدولي.
كلنا يعلم أن الهزائم التي لحقت بـ «داعش» منذ صيف 2014، تمت فقط عل يد أكراد العراق وسورية في إقليم كردستان وبلدة كوباني، إذ يسيطر أكراد هذه البلدة الآن على جميع معابر الحدود مع تركيا ما عدا معبراً واحداً. وعلى رغم الـ7000 غارة جوية لقوات التحالف ضد أهداف لـ «داعش» على مدى أقل من سنة، فهذا الأخير لم يفقد القدرة على شنّ غزوات موجعة. ويلاحظ كيف أنه مع تقدّم المقاتلين الأكراد في شمال العراق وشمال سورية ضده، لم تحقق قوات النظامين في بغداد ودمشق أي نصر. فمقاتلو «داعش» لا يزالون يسيطرون على الفلوجة، على سبيل المثال، منذ مطلع 2014، على رغم الهجمات الأميركية والإيرانية عليهم. فانعدام الضغط وعدم ملاحقة عناصر «داعش» في مناطق وجودهم في العراق مثلاً، يمكّنان هؤلاء من الالتحاق بعناصر هذا التنظيم العاملين في الساحة السورية.
وقد بات واضحاً الآن أن اللاعب الفاعل على الأرض هو روسيا، على الأقل بالنسبة إلى سورية. فالجميع سعوا وراء بوتين لمعرفة ماذا يريد وماذا يفعل. حتى رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتانياهو، سمع كلاماً منه يلخّص أهداف موسكو بـ «إنقاذ الدولة»، أو بالأصح، ما تبقى منها. وقلق نتانياهو كان محصوراً بمعرفة تبعات التدخل الإيراني الواسع والمطلق، وإنفاق طهران بين 6 و10 مليارات سنوياً في دعم حكومة بشار الأسد، وتوجيهها لنشاط ميليشيات «حزب الله» في سورية عموماً وفي مرتفعات الجولان المحتلة على وجه التحديد. بوتين أكد لزائره أنه لا دمشق ولا طهران ولا الميليشيات «في وارد فتح جبهة ثانية، وليست قادرة على ذلك».
بعبارة أخرى، هناك تفاهم وتنسيق في هذا الشأن بين موسكو ودمشق وطهران.
الآن مع الغياب الكامل لقوات التحالف في سورية، ما عدا الغارات الجوية ذات التأثير الطفيف،لا يوجد في الميدان إلا لاعب فعال واحد هو بوتين. وواضح أن الولايات المتحدة، وهي القوة الأساس في قوات التحالف أمام روسيا، لا تريد أن ترسل قواتها إلى سورية في الوقت الذي تنفذ برنامجاً شاملاً لسحب قواتها من المنطقة وإعادتها إلى بلادها قبل نهاية ولاية أوباما. فهذا الأخير لم يُبدِ حتى الآن اهتماماً ذا معنى بتطورات الحرب البشعة في سورية التي تشهد عملية نزوح وقتل لا مثيل لها منذ الحرب العالمية الثانية.
يلاحظ أيضاً كيف أن رد فعل الإدارة الأميركية، ومن خلفها دول حلف الناتو، الباهت إزاء الأزمة المتفاقمة في أوكرانيا، لا يشجع على الاعتقاد بأن تغيّر واشنطن وحلفاؤها موقفهم الراهن تجاه سورية. فيوجد الآن أكثر من 45 ألف جندي من القوات الروسية في أوكرانيا يسيطرون على المناطق الحدودية، ولا يوجد في الأفق أي احتمال لسحب هذه القوات الآن أو في المستقبل. كما أن 95 ألفاً من الجنود الروس شاركوا قبل أسابيع في عمليات تدريب واسعة غلب عليها طابع العمليات الهجومية.
ويتساءل البعض الآن ما إذا كان بوتين ينوي استخدام المزيد من قوات بلاده في سورية، ليس بالضرورة لتأكيد إطالة عمر حكومة الأسد، بل لضمان دور فعال لموسكو في أي تسوية مقبلة، وحماية وجود بلاده الوحيد في مياه المتوسط الدافئة.
فتوقيت موسكو لنقل بضعة آلاف من جنودها وعشرات الطائرات الحربية لحماية الرئيس الأسد المحاصر، لافت للانتباه. فها هو بوتين يعزز وجود قوات بلاده بأعداد كبيرة في قاعدة جوية قديمة في أطراف مدينة اللاذقية الساحلية في شمال غربي سورية، بنيت في عهد الاتحاد السوفياتي السابق ولعبت دوراً مهماً في مرحلة «الحرب الباردة». لكن مهما كانت أبعاد مهمة بوتين في المنطقة وما وراءها، فهي في نظر السوريين لا تقل خطورة عن تقاعس الولايات المتحدة والتحالف الذي تقوده لوقف النزف البشري وتفتّت وحدة بلادهم.
ولا يوجد ما يشير إلى اعتراض حقيقي لأي من اللاعبين الرئيسيين في المنطقة، بما في ذلك الولايات المتحدة وإسرائيل وإيران وتركيا، على تعزيز الدور الروسي في سورية. فالسفن الروسية تعبر مضيق البوسفور من قواعدها على شواطئ البحر الأسود إلى ميناء طرطوس السوري منذ منتصف آب (أغسطس) الفائت!