الرئيسة \  واحة اللقاء  \  في إعلام الممانعة..

في إعلام الممانعة..

08.07.2014
علي نون



المستقبل
الاثنين 7/7/2014
كم كانت مدهشة، طريقة تعاطي إعلام "حزب الله" مع جريمة قتل الفتى الفلسطيني محمد أبو خضير في القدس الشرقية والاعتداء على ابن عمه ذي السنوات الستة عشر.. وكيفية بث ذلك الشريط المأخوذ عن بُعد لجنود الاحتلال وهم يبرحون ذلك الفتى ضرباً بالأيدي وركلاً بالأقدام.
طبعاً قناة "المنار" بثّت ذلك المقطع كله تقريباً من دون أي تدخّل باعتباره تأكيداً للمؤكد لجهة الممارسات الحيوانية العنصرية البغيضة للإسرائيليين إزاء الفلسطينيين خصوصاً والعرب عموماً، ومن الضروري الإضاءة عليها وكشفها باستمرار، وهو أمر مألوف في أداء الإعلام العربي بالإجمال، ومع ذلك كان الأمر مُدهشاً بالنسبة إليّ.. وأصابني الانبهار من قناة "المنار"!
استغربت وانبهرت كيف أن إعلام الممانعة مثل سياستها وسياسييها، لا يخجل في الباطل، ولا يخشى ضروب المقارنة الواردة احتمالاتها عند الكثيرين، ولا وصولها إلى استحضار مفردة النفاق والمنافقين! بل هو إعلام يماثل اللحظة المحكومة بالتردّي القيمي والإنساني والسياسي التي وصلنا إليها في العالم العربي: يبتهج بذلك الشريط المصوّر لأنه يدلّ على همجية العدو ووحشيته وظلامه، لكنه هو ذاته من يبتهج ويُهلل منذ ثلاث سنوات ونصف السنة وعلى مدى الساعة لما فعله ويفعله نظام البراميل المتفجرة والغازات الكيماوية في حق سوريا وشعبها، ويسمّي كل ذلك ممانعة وتحريراً وتطهيراً!
يذكّرني ذلك بتلك القياسات الفظيعة التي تعتمد للدلالة على غياب المنطق وحضور العبث لولا أن حدود المقارنة هنا مكسورة بالموضوع الإسرائيلي! ومع ذلك يُقال إن الدلالة على همجية الصهاينة ما عادت ترقى فوق إظهار جنود مدجّجين بالسلاح وهم ينقضّون ضرباً وركلاً على فتى أعزل لا يحمل غير رحمة الله، في حين أن الدلالة على مدنية وتنويرية وممانعة وبطولة وإلهية ارتكابات قوات الأسد وداعميه اللبنانيين والعراقيين لا تقلّ عن برميل بارود واحد!
.. ذلك هو أدنى وحدة وزن في القياس المعتمد. الأوزان العادية عند ممانعة "حزب الله" وبشار الأسد أثقل من ذلك بكثير، ويعرفها تماماً مئات الألوف من السوريين الذين قضوا تحت ثقلها. ومئات الألوف من الجرحى الذين أصيبوا بنيرانها. وملايين المهجرين الذين أخرجتهم قهراً وقسراً من بيوتهم وأرزاقهم وأعمارهم وشردتهم في المنافي وأوقعت بهم البلايا والرزايا.
دون الكلام الأوضح، رأفة بأدب المخاطبة وحفظاً لمقام الأقلام ومداراة للحال والأيام.. لكن مع ذلك لا مفرّ من الخلاصة القائلة: فعلتم بسوريا وأهلها ما لم يفعله الإسرائيليون (اليهود!) بالفلسطينيين! يا حيف!