الرئيسة \  واحة اللقاء  \  في استعادة معنى الثورة السورية

في استعادة معنى الثورة السورية

03.08.2014
د. وائل مرزا



الشرق القطرية
السبت 2/8/2014
ثمة ارتباط عميق بين أفعال البشر ومواقفهم، وبين نظام المعاني التي تدلُّ عليها تلك المواقف والأفعال. ينطبق هذا على الأفراد، لكن قيمته الكبرى تظهر حين يتعلق الأمر بالجماعات البشرية.
ومن المؤكد أن الثورة السورية كانت ولاتزال حالةً نموذجية في هذا المجال.
فقد جاء اشتعالُها تعبيراً عن نظامٍ من المعاني الإنسانية النبيلة، على المستوى المحلي، عاشه السوريون لشهور طويلة.
لكن ما لم يكن في حسبان السوريين أن نظامهم الجديد هذا يحمل في طياته خطراً حقيقياً على نظامٍ دولي وإقليمي تحكمه شبكةٌ معقدة من المصالح الأنانية التي تتمحور حول السيطرة والنفوذ والقوة والهيمنة على مختلف المستويات. وهي شبكةٌ تضم أفراداً ومؤسسات ودولاً وتنظيمات، قد يبدو أحياناً أنها مُختلفةٌ ومتصارعة، لكن وجودها، وتحقيقَ مصالحها، كان مضموناً دائماً بمنظومة توازنات مرنة، تُفسح المجال لإظهار الاختلاف والصراع أمام أعين الشعوب وعامة الناس من ناحية، لكنها تسمح، من ناحية ثانية، لمختلف الأطراف بالحفاظ على وجودها ومصالحها تحت سطح (الأخبار) وبعيداً عن عالم الإعلام.
كان الأمر أشبه بمعادلةٍ دقيقة هدَّدَت حساباتها الثورة السورية، وتحديداً بنظام المعاني الذي لم تُظهر الثورة فقط إمكانية وجوده، بل إمكانية اقتباسه وتعميمه، وهنا يكمن الخطرُ الأكبر..
لهذا تحديداً كان ضرورياً أن يتم (اغتيال) نظام المعاني المذكور، وأن يحصل هذا بشكلٍ ساحق، وبأسرع وقت ممكن، وباستعمال كل الوسائل والأساليب، ذلك أن المسألة أصبحت مسألة وجود بالنسبة للآخرين، ولم تعد حتى مسألة حفاظٍ على المصالح.
وفي غضون أشهر من بداية الثورة، استعاد النظام بعض أنفاسه، وأدرك تلك الحقيقة التي كان الآخرون يحاولون إفهامهُ إياها منذ البداية، فبدأت العملية الكبرى والأساسية لوأد الثورة السورية من خلال قلب نظام المعاني الذي خَلَقتهُ رأساً على عقب.
ومع صمود الشعب السوري، وقلةٍ من أنصار ثورته الحقيقيين، بات واضحاً أن العمل في الداخل السوري لم يعد يكفي لنجاح عملية الاغتيال المذكورة، فصار مطلوباً توسيعُ نطاقها من خلال تعميم الفوضى وخلط الأوراق في المنطقة بأسرها.
يعلم هؤلاء أن الثورة لا يمكن أن تموت رغم كل الصعوبات والأخطاء إلا في حالة واحدة: حين يغيب المعنى الحقيقي لها في قلوب أهلها وعقولهم. فإذا مات المعنى هناك ماتت الثورة، ولو بقيت بعض مظاهرها، وإذا بقي المعنى بقيت الثورة واستمرت رغم كل شيء.
من هنا تأتي الضرورة القصوى والأساسية لاستعادة معنى الثورة السورية بين السوريين، لأنها مفرق الطريق.
هل يحصل هذا؟ نعم. لكن مَن يقوم به ليس أبداً تلك الجهات التي يجب أن تقوم بتلك المهمة، بل إن الهيئات الرسمية التي يُفترض بها أن تفعل ذلك تساهم، ولو عن غير قصد، في قتل نظام معاني الثورة السورية بممارساتها. أما (المثقفون) فقد تجد فيهم من يحاول، وهؤلاء قلائل جداً، ثم إن خطابهم (النخبوي) لا يصل إلى جمهور الثورة الواسع.
تبقى النماذجُ التي أوجَدَها للمفارقة، نظام معاني الثورة السورية نفسهُ، ممن يمارسون هذا الدور بلغةٍ هي أقرب لمشاعر الناس وكلامهم. ثمة نماذج عديدة على ذلك، ولا يمكن ادعاء الكمال في نشاطها وخطابها، لكنها أقرب مثالٍ حقيقي لمن يؤدي هذه المهمة الحساسة.
في السطور التالية، ونستميح العذر في نقلها كما هي وبالعامية، يُعبِّر أحد هؤلاء، زياد الصوفي، عن كل ما تحدثنا عنه أصدق تعبير:
"حالة من اليأس تجتاح صفوف السوريين المؤيدين للثورة نتيجة الإحساس المتزايد يومياً بفقدان قدرتهم على التغيير.. هالشي ما اجا نتيجة لقوّة الأسد أو قدرتو على إسقاط الثورة، ولكن هالشعور اجا كنتيجة طبيعية لإحساسنا بعدم امتلاكنا أي أداة من أدوات التغيير اللازمة لإسقاط الأسد..
يا جماعة..
ما بحياتها كانت الثورة لاسترداد أراضٍ محتلة، أو تحرير أراضٍ وبسط السيطرة عليها.. ما خرج الشعب السوري للشوارع ونادى في بداية الثورة "الشعب يريد استرداد دمشق"، طلبنا وشعارنا كان واضحا وبسيطا "حرية وبس"..
شعار الحرية خوّف الجميع، من أقرب جار إلى أبعد صديق.. حاربنا نفوسنا لتطلع كلمة الحرية من صدورنا، وواجهنا كل صنوف الحقد لاستجرار أنفاس الكرامة من قلوبنا..
اللي كان معتقد انو تمن الحرية للشعب السوري رح يكون رخيص، فهاد إما إنسان رومانسي أو إنسان ما بيفهم بالسياسة، أو الاثنين معاً..
خمسين سنة والنظام عم يحبك كل المؤامرات لمواجهة مطلب الحرية.. خمسين سنة والمجتمع الدولي عم يمرر أخطاء النظام الواحد بعد الآخر بحجة دعم الاستقرار في منطقة تعج بالمتناقضات.
منشان حرية سوريا، شفنا المجازر والبراميل والكيماوي، وحضرنا تلاتة فيتو واجتماعين دوليين في جنيف وشهدنا على وجود حالش وداعش..
منشان حرية سوريا. شفنا العراق عم يتفكك، والعسكر كيف رجعوا يحكموا مصر، واليمن كيف صار اتنين، ولبنان أربعة ومن دون رئيس..
منشان حرية سوريا.، وانقلاب بعد التاني في ليبيا،
منشان حرية سوريا. شهدنا ولادة الخلافة بالأنابيب، تقهقُر الأمريكان قدّام مفترق الإنسانية، وانهيار مؤسسة مجلس الأمن، وتخبّط مؤسسات الأمم المتحدة..
منشان حرية سوريا. خسرنا مليون شهيد، ومتلهون معتقل ومفقود، واتشرد عشرة ملايين عن بيوتهون..
منشان حرية سوريا. انهار مفهوم العروبة، وانمحت مرتكزات القومية العربية، وتعرّت المؤسسات الدينية ورجالها..
منشان حرية سوريا. اكتشفنا انو في سوريين مو سوريين، وعرب مو عرب، ومسلمين ما بيتبعوا رحمة الإسلام، ومسيحيين بعيدين عن سلام المسيح..
منشان حرية سوريا.. انهارت مفاهيم المقاومة، وهرّت ورقة توت الممانعة، وانتست القضية المركزية..
يا ابن بلدي..
لا تيأس.. فحريتك الغالية عم تحاربها كل قوى العالم، لأنهون ببساطة بيعرفوا شو يعني يكون السوري حر.. بيجوز تقلّي صارو تلات سنين ونص ولسّا النظام ما سقط، بس رح جاوبك فوراً ومن دون تردد، صارو تلات سنين ونص والعالم ما قدر يكسر إرادتنا.. حرية وبس".
انتهى النقل، ويبقى مطلوباً من السوريين الذين يُعجَبون بهذا الكلام بالآلاف.. ألا يقف (فِعلُهم) عند هذا الإعجاب..