الرئيسة \  واحة اللقاء  \  في الدفاع عن مؤيّدي النظام!

في الدفاع عن مؤيّدي النظام!

09.12.2013
عمر قدور


المستقبل
الاحد 8/12/2013
إما أنّ الغربيين لا يفهمون تركيبة النظام في سوريا، أو أنهم يتعمدون إظهار فهم خاطئ؛ هذا على الأقل ما يمكن استنتاجه من تصريحات وزيري الخارجية الأميركي والفرنسي بعد الإعلان عن موعد انعقاد مؤتمر جنيف. وزير الخارجية الأميركي صرّح بأن ممثلي النظام والمعارضة سيتفقون في المؤتمر على الحكومة الانتقالية كاملة الصلاحيات، بما أن القبول المتبادل بات منصوصاً عليه في التفسير الأميركي، وأضاف نظيره الفرنسي مثنياً على الأول أن لا مكان للأسد في جنيف وأن العملية ستؤدي إلى رحيله. وفق هذا الفهم؛ من المنتظر أن يذهب وفد النظام إلى جنيف مقتنعاً بضرورة تنحي رئيسه، وأن يقدّر أعضاء الوفد مصلحة النظام، كنظام بمعزل عن الأشخاص، وأن يقدّموا التنازلات الضرورية في أي تسوية سياسية، من ثم يكون أعضاء الوفد قادرين على تسويق التنازلات ضمن أروقة النظام!.
لو أن أحداً أراد كتابة نص ساخر عن وفد النظام إلى جنيف ربما لن يبتعد عن الاستنتاجات الأخيرة، ولو أن أي متابع كلّف خاطره التمعن في أحداث السنتين والنصف الأخيرتين لتوصل بسهولة تامة إلى معرفة دائرة صناع القرار في النظام السوري، ولما جازف بافتراض أن يتخلى جزء منها عن الجزء الباقي، أو لما جازف بافتراض انقلاب جزء منها على الجزء الآخر. وفي جانب لا يخلو من المغزى؛ لم تطاول الانشقاقات التي حدثت الحلقةَ الضيقة "العسكرية أو الأمنية" للنظام، وكان ذلك على الدوام مصدر فخر للنظام وحلفائه. ويعلم أي مغفل سوري أن الحلقة الضيقة المحكمة لا تخرج أبداً عن تحكم رأس النظام وأفراد العائلة المقربين جداً، وإذا كانت تضم بعض الرؤوس الأمنية فهذه الأخيرة متورطة إلى أقصى حد في الدم السوري، ولا يوجد بينها من يغامر بالبحث عن خلاص له خارج مركب أقرانه.
سيكون من الغباء المفرط، والمضحك في آن، تخيل شخصيات مثل وزير الخارجية، أو المستشارة السياسية، تذهب إلى جنيف لتفاوض في أي تفصيل بمعزل عن خط ساخن دائم يربطها بمركز القرار الأمني والسياسي في دمشق، وسيكون من الغباء المفرط النظر إلى وفد النظام ككتلة منسجمة مستقلة، ولا يحمل كل فرد منه مخاوف من الآخر الذي سيكون عيناً عليه لمصلحة مركز القرار الأمني، وبالتالي قد يكون من المفيد أكثر تخيل خوف أعضاء الوفد من بعضهم البعض، وخوف كلّ منهم من أن تصدر عنه هفوة ما يتم تأويلها في دمشق على نحو قد يودي به. من هنا يبدو مضحكاً تصوير غياب رأس النظام عن جنيف بمثابة انتصار، فلو احتمل المؤتمر العتيد جدية أكبر لتعين أن يتمثّل النظام بوفد يضم الحلقة الأمنية والعسكرية الضيقة، لأنها وحدها القادرة على اتخاذ القرار وفرضه على أعوان النظام، ولأنها وحدها المعنية بتقديم تنازلات حقيقية، في المقدمة منها التنازل عن السلطة.
تجوز المجازفة بالقول إن حلفاء النظام، الروس والإيرانيين، يملكون قدرة مماثلة على فرض تنازلات عليه. هذا الافتراض يعني عدم وجود وزن فعلي لوفد النظام، وحتى وجود حاجة فعلية لوجوده في جنيف، بما أن من يقررون مصير النظام ويملكون اليد الطولى في استمراره حتى الآن باشروا مهمة التسوية بأنفسهم. وحيث لم يعد خافياً على أحد أن تعثر الحسم في سوريا مرده التدخلات والدعم الخارجي، مثلما لن تكون التسوية السياسية إلا وفق ما تراه القوى الدولية، فقد لا يكون وجود وفد النظام ضرورياً، في المرحلة الأولى على الأقل، أي بانتظار إنضاج اتفاق دولي يُضطر إلى التوقيع عليه تحت ضغط أوليائه، ومن المعلوم أن الضغط سيكون في دمشق لا على "المساكين" من أعضاء الوفد في جنيف.
لندع جانباً إعدادات النظام لدعم ترشح رئيسه في الانتخابات المقبلة، ولندع جانباً أيضاً الإعلانات المتكررة عن تمسكه بالدستور الحالي الذي يمنح السلطات العسكرية والأمنية للرئيس ولا يترك للحكومة سوى سلطات إدارية تنفيذية، فالأهم هو ما تسرب عن خطة روسية تترك تلك الصلاحيات للرئيس، وتجرد الهيئة الانتقالية من أهم سلطاتها، وتجرد الثورة من أهم الأهداف التي سعت إليها. أي أن هامش التفاوض الذي يسعى إليه النظام وحلفاؤه هو القبول بحكومة انتقالية لا تملك من أمرها شيئاً على غرار الحكومة الحالية، ومثل هذه الحكومة لا تحتاج حقاً سوى وفد هزيل للتفاوض عليها، بخاصة إذا تُرك أمر الرئاسة من دون بت حتى انقضاء "الولاية الدستورية" في منتصف العام المقبل، وهذا بحد ذاته إقرار بشرعية الدستور وبشرعية الولاية الدستورية.
لا يخفى أن الأساس في جنيف هو تكريس منطق "لا غالب ولا مغلوب" على أرضية تمثيل طرفي الصراع لكتل متفاوتة من المجتمع السوري؛ لكن في الوقت الذي يجري فيه الإصرار على تمثيل أوسع للمعارضة يتم السكوت عن مقدار تمثيل وفد النظام للجانب الآخر، وكأن تمثيل النظام الحالي لكتلة مؤيديه هو تمثيل حصري ونهائي. ضمن هذا المنظور يبدو مؤيدو النظام وكأنهم قد اختاروه بملء إرادتهم وأعطوه توكيلاً حصرياً دائماً، لا لسبب سوى لأن المجموعة الحالية تمسك بزمام السلطة وتدّعي حماية مؤيديها في الصراع الدائر. إن الاصطفاف الأعمى الحالي لبعض الشرائح الاجتماعية لا يبرر استثناءها من المشاركة في تقرير مصيرها على النحو المقترح في جنيف2، فإذا كان الطعن ممكناً في حصرية تمثيل أي تشكيل معارض فهو يصحّ أيضاً وأولاً على حصرية تمثيل النظام. بل إن فرضية التخلي عن رموز النظام الحالي المتورطة في الدماء لصالح ممثلين آخرين، لا تصح حقاً ما لم يجرِ تمثيل الكتل المؤيدة من خارج السلطة الحالية، أو من شخصيات في النظام خارج القرار الأمني الحالي؛ هذا وحده يحقق فرضية التسوية بين السوريين ويعزل الرموز الحالية، ويحقق مصالحة وطنية حقيقية.
بعد الدماء التي سالت، وحتى بصرف النظر عن أن النظام هو من تسبب بمقتل حوالي مئتي ألف بين معارض وموالٍ، فإن أي مؤتمر للسوريين ينبغي أن يحضره السوريون ليباشروا بأنفسهم التأسيس لصفحة جديدة، وإذا كانت المعارضة على علاتها تملك حيثيات تمثيلية "غير مطلقة بالتأكيد" فإن من حق الجانب الآخر أن يتم تمكينه من اختيار ممثليه لا أن يخضع لسلطة الأمر الواقع التي تحتكرها الرموز الحالية. إن فهماً من هذا القبيل ينطلق من اختلاف المصالح بين المعارضين والموالين، ويتضمن أيضاً الوصول إلى تسوية في ما بينهم، يقتضي أولاً الحفاظ على المصالح العامة والتضحية بمن تسببوا في إيذاء مصالح الجميع، إذ من المعلوم أن الرموز الحالية لم تحقق حتى مصالح مؤيديها وضحّت بعشرات الآلاف منهم على مذبح بقائها هي.
إذا أريد لجنيف أن يكون مؤتمراً تأسيسياً، فمن الواجب البحث عن تمثيل أفضل لمن يوصفون حالياً بالمؤيدين، وهذا التمثيل وحده الكفيل بنزع الصفة التمثيلية عن السلطة الحالية، إلا إذا نظرنا إليهم ككتلة صمّاء موافقة تماماً على نهج الإبادة والتدمير الذي يتبعه النظام الحالي، وحينها تكون أشبه بكتلة حرب دائمة لا مجال للتفاوض معها أو للمصالحة. الوقائع السابقة خلال عقود لا تؤيد الافتراض الأخير، ولا تدلل على أن هذا النظام هو الخيار الأمثل لمؤيديه الحاليين، مثلما لا تدلل الوقائع السابقة على أنه كان حريصاً عليهم وعلى مصالحهم، ولو بنسبة ضئيلة، قياساً إلى حرصه على البقاء، أو حرصه على مصالح حلفائه الخارجيين.