الرئيسة \  واحة اللقاء  \  في الرد على دعاوى ترك الأسد ومحاربة الإرهاب في سوريا

في الرد على دعاوى ترك الأسد ومحاربة الإرهاب في سوريا

11.01.2014
فراس قصاص


القدس العربي
الجمعة 10/1/2014
البعض من السياسيين والكتاب في منطقتنا يختزلون الثورة السورية بداعش والكتائب التكفيرية، ويسمون حركة السوريين التي بدأت من أجل الحرية والكرامة بالإرهاب، يقررون ذلك في قراءة لا سياق لها ولا تحليل رصين تستند إليه. ودون أن يتساءلوا عن الذي أوصل الوضع السوري إلى هذا الحال، والذي استدعى بيئة التشدد والتطرف والتكفير ليس واضحا سبب تجاهل هؤلاء لدور النظام الرئيسي في هذه المحصلة.
النظام هو الذي أمعن في قتل الناس حين خرجوا يتظاهرون سلميا، فحماه وحدها، ناهيك عن كل المناطق الثائرة على النظام، خرج فيها في يوم واحد أكثر من خمسمائة ألف متظاهر يغنون ويرقصون ويطالبون بالحرية ويعبرون عن مطالب الثورة وعن وحدة الشعب السوري. ليس خافيا أن النظام السوري كان قد احترف اختراق وتصنيع الجماعات التكفيرية، وأنه بشكل مباشر وغير مباشر المسؤول الرئيسي عن جلب القاعدة إلى سوريا وعن منحها كل هذه السطوة على الوضع الثوري. فإضافة إلى مواجهته المظاهرات السلمية بالرصاص والقمع أطلق سراح الكثير من المتشددين في بداية الثورة واعتقل معظم الناشطين المدنيين السلميين، والحق بهم أشكالا خرافية من التعذيب وأردى عددا كبيرا منهم قتلى، وعمل جاهدا على استدعاء المكبوت الطائفي بشتى الأساليب، وإن لم تكن هذه هي المقدمات الضرورية لتحويل مسار الثورة عن مجراها ومنبعها السلمي المدني الأول فعن أي مقدمات يمكن ان يتحدث المرء؟
صحيح أن الوعي الديني الطائفي في سوريا وغيرها من البلدان العربية والإسلامية، يرجع في الأساس، إلى الاختلاف في قراءة وتحديد الحق الديني الذي حصل في سياق الصراع على الهيمنة والسلطة في التاريخ الإسلامي، وأن ذلك يعود لقرون طويلة وتاريخ بعيد، إلا أن نظام بشار الأسد هو المسؤول الوحيد عن بقاء المجتمع السوري حائزا للقابلية وعلى استعداد للدخول في نزاعات طائفية ومذهبية كلما توفرت الشروط السياسية /الاجتماعية لذلك، كما حصل مؤخرا.
لقد حافظ نظام الاسدية على الوعي الطائفي وكرسه في سوريا طوال العقود الخمسة من حكمه، منع الناس عن العمل السياسي والنقابي، معطلا إحدى أهم ميكانزمات تجسير الخنادق النفسية والفكرية بين المكونات السورية المذهبية والدينية، حال دون فتح الملفات والأضابير الدينية والمذهبية وأخفى حقيقة استبطان الوعي الطائفي من قبل غالبية السوريين بكبته وركنه قسرا في مساحة المسكوت عنه. البعض، حتى من المعارضة، كان يعتقد، إن مجرد تحريم القول بالانتماء الطائفي يعني حربا على الطائفية، هذا غير صحيح أبدا.
محاربة الوعي الطائفي تتطلب تسليط الضوء عليه والكشف عن جذوره ومن ثم إطلاق حوار اجتماعي وطني حوله، وقبل كل ذلك، تبني سياسة متكاملة للقضاء عليه وتجاوزه، سياسة تجذر لقيم المواطنة وسيادة القانون وتفسح الآفاق أمام انتظامات سياسية واجتماعية أفقية،وتطلق نظاما تعليميا نقديا يؤسس النظر إلى الديني من خلال الوعي المقارن به مع الاستناد إلى العلوم الانسانية لا سيما علم الأخلاق.
في حين ان النظام السوري لم يذهب عكس ذلك فقط، بل وقف خلف المنابر التقليدية الإسلامية في سوريا، وتحكم بالعامل الديني وسيره حسبما يرغب، بابقائه دينا شعبيا/صوفيا في سوريا على الطريقة البوطية، لكي يكرس موقفا تقليديا من الحاكم والاستبداد، يمنع المجتمع بموجبه من القيام ضده، ثم الاستمرار في لجــــمه كي لا يتحول إلى إسلام سياسي، إخواني أو عنفي وتكفيري، إلا حينما يتهدد وجوده بشكل سافر كما حصل بعد اندلاع الثورة السورية ضده، فيهدد به العالم ويبتز مواقفهم من الشأن السوري.
إن الداعين إلى التمسك بنظام بشار الأسد، والركون إلى استبداده، لا يريدون أن يدركوا أن نظاما أفقد المجتمع السوري غطاء المواطنة والعدالة واحترام حقوق الإنسان، بنى الدولة على قده الأمني والسلطوي، وحافظ على التركيبة القروسطية الطائفية للمجتمع السوري، وامتنع عن توظيف كل المداخل والأدوات لتحديث الوعي والنهوض بالإنسان في سوريا، لن يكون إلا الأرضية الدائمة المواتية لاستدعاء الاستبداد ذي الهيئة الدينية، وأن التشدد والطائفية في سوريا ليسا إلا عرضا من أعراض الاستبداد الاسدي أولا والمعرفي الابستمي الوسطوي الذي يستمر في تكريسه نظام بشار الأسد ثانيا، ولا حل وهزيمة يمكن ان تلحق بالجماعات التكفيرية وبالفكر الديني المتشدد ولا حتى بالوعي الطائفي، إلا بكسر الحلقة المغلقة الواصلة بين الاستبدادين، والذي لا يتحقق بدوره، إلا بالخلاص من نظام بشار الأسد، فالقبول بمستبد حاكم خشية أن يحل مكانه تكفيري أو رجل دين، إنما يعني في المحصلة، بقاء المستبد حاكما في الحاضر، وانتظار رجل دين أو جهادي تكفيري لكي يحكم المستقبل . وأثناء ذلك بقاء الشرط السوسيولوجي السوري دون الحالة المدنية في انقسام وتناقض بيني لا ينتهي .
ناشط وكاتب سوري وعضو رابطة الصحافيين السوريين