الرئيسة \  واحة اللقاء  \  في الطريق الى جنيف ـ2

في الطريق الى جنيف ـ2

29.09.2013
د. نقولا زيدان


المستقبل
السبت 28/9/2013
لعل أهم الاستنتاجات والخلاصات التي أفضت إليها ما أصبح متداولاً وشائعاً تسميته بـ"أزمة الكيماوي" هو الشعور بالخيبة والمرارة والإحباط لدى الشعوب العربية، وبالأخص في البلدان التي انتفضت جماهيرها مطالبة بالتغيير رافعة شعارات الحرية والعدالة وإسقاط الأصنام السياسية التي تربعت في السلطة السياسية بقوة العسكر والدبابات والقوات الخاصة وأجهزة الأمن والاستخبارات وهيمنة الحزب الواحد.
إن التخاذل والتردد والمراوحة والتأرجح الذي طبع السياسة الأميركية بطابع عميق من الضعف والخوف والرهبة أمام الصلف والقحة وذروة البطش وممارسة الإبادة الجماعية في الغوطتين على يد النظام الأسدي قد ترك ظلالاً عميقة من الشكوك في صدقية الإدعاءات التي طالما ترددت على لسان باراك أوباما في تحذيراته بشار الأسد في حال تجاوزه الخطر الأحمر ألا وهو لجوئه لاستخدام السلاح الكيماوي. وقد شهد العالم كله نظام الأسد يتجاوز الخط الأحمر ويضرب عرض الحائط بهذه التحذيرات التي تبيّن وبالملموس أنها كانت مجرد فقاقيع هوائية لا تتطابق مع الواقع المادي الملموس والوقائع التي أثبتتها الأدلة والبراهين القاطعة.
في ظل غياب الحزم، جرت مفاوضات جون كيري سيرغي لافروف فكان اتفاق جنيف الذي عملياً أنقذ الأسد من سيف العدالة الدولية. فالذي أصبح يجري الآن هو استمرار المفاوضات بين كيري ولافروف والعمل على خطين: الأول الضغط على الأسد ومساعدته لإيجاد مخرج ما لمخزونه المخيف من السلاح الكيماوي من دون المساس بالنظام الدموي في دمشق، والثاني: إعادة إحياء جنيف-2 بفريقيْه المنهكيْن أي النظام بمواجهة المعارضة. والمثير أن ثمة واقع أصبح مسلماً به دولياً هو أن الروس يفاوضون بالنيابة عن النظام والأميركيون باسم المعارضة. والمفاوضات مستمرة لاستنزاف الوقت المستقطع حتى تنضج الظروف الضرورية المحيطة لعقد المؤتمر المنشود.
كل هذا العرض وهذه المعطيات أصبحت ورانا الآن، بل ثمة مواقف كانت متوقعة وعلى رأسها الموقف الروسي حيال الموقف الفرنسي السامي لاستصدار قرار قوي حازم من مجلس الامن ضمن الفصل السابع يرد ذكر بشار الاسد فيه بالاسم، وقد اعتمد الاميركيون هذا المقترح وهم يضغطون الآن لتحريرة. هذا في الوقت الذي عاد فيه بوتين الى معارضة حتى التلويح اللفظي والاعلامي لاستخدام القوة في حال تلكؤ الأسد عن تطبيق روح اتفاق كيري - لافروت بخصوص اسلحة الدمار الشامل الكيماوي.
ثمة ما هو مثير الان وهو التقارب الاميركي - الإيراني الذي بدأ يظهر على سطح الجو الاقليمي العام في الشرق الأوسط، والرسائل المتبادلة بين الرئيس روحاني ونظيره الاميركي باراك اوباما، حيث وصل الارتياح المفعم بالامل لحد تصريح على خامنئي الايجابي بضرورة تحسين ضروري متواصل ومثابر للعلاقات بين طهران وواشنطن. ولا يمكن في هذا الصدد انكار دور جيفري فليتمان الذي انتقل من وزارة الخارجية الاميركية الى سكرتيريا بان كي مون أمين عام الامم المتحدة، سفير أميركا الأسبق في لبنان وأحد مهندسي السياسة الاميركية في الشرق الأوسط.
ان المتتبع بدقة لخطاب روحاني امام الجمعية العامة للأمم المتحدة مساء الثلاثاء في 24 قد لاحظ مدى تركيز روحاني على مجموعة من المسائل في آن معاً: مطالبته للمجتمع الدولي بالاعتراف بإيران كقوة اقليمية مهمة تركيزة على ضرورة حل النزاعات الدولية بالطرق السلمية، دعوته لحل سياسي للأزمة السورية والإقرار بحقوق إيران النووية السلمية، لكن الأهم من كل ذلك ايراده مطولا مناشدة المجتمع الدولي نبذ التطرف ومحاربة الارهاب.. بل ادانة استعمال السلاح الكيماوي.
المثير في هذا السياق ان السيد حسن نصرالله الذي بدأ يستشعر المأزق الذي ينزلق اليه حزب الله، وهو الذي تعود على التهجم المتواصل على اميركا واستثارة الهتافات والقبضات التي تنادي بـ "الموت لأميركا"، قد مهد لخطاب روحاني بخطاب ركز فيه على ادائه المتطرف من سوريا شمالا حتى كينيا جنوباً.
ان ذلك حقا مثير للدهشة والاستغراب كيف تحول النظام الإيراني صاحب التاريخ المعرف بحربه الضارية مع العراق، وبالتدخل حتى في مناسك الحج لزعزعة الوضع السعودي بل في التدخل في لبنان وتمويل وتسليح ودعم حزب الله، ثم بالتدخل في البحرين وشؤون الخليج والتلويح بأغلاق مضيق هرمز بالالغام، ثم دعم الحوثيين الثائرين في شمالي اليمن ثم المساهمة الفعلية في انشقاق قطاع غزة، وأهم من ذلك كله دعم ومساندة نظام بشار الاسد والتهديد باشعال المنطقة برمتها في حال تعرض النظام السوري للأذى، بل كما يعلم الجميع كيف يتحول هذا النظام وهو عنوان التطرف المذهبي والديني الى داعية للتسامح ونبذ التطرف وطرح شعار الاعتدال وصولا الى الغزل المبطن مع اميركا.. ان ذلك ليفوق المخيلة ويتجاوز جميع التوقعات ويردنا بالذاكرة الى تاريخ مضى عندما كانت إيران أثناء الحرب الباردة في الصفوف الأمامية لحلفاء أميركا...
إن بنيامين نتنياهو نفسه قد أصيب بالحرج وهو ينبري الآن لتوجيه انتقادات حادة لخطاب روحاني ناعتاً إياه بالتهكمي. إن تقارباً من هذا القبيل سوف يكون حتماً على حساب العلاقات الأميركية الإسرائيلية. فهل هذا الزعم صحيح أم أن هذا التقارب ضمانة جديدة لأمن إسرائيل ومستقبلها؟ وما عسى السيد حسن نصرالله أن يفعل في المستقبل القريب؟
فلننتظر ولنتوقع المزيد من التغيرات، وكأن جنيف-2 ليكون ناجحاً ويؤدي الى تسوية سياسية للأزمة السورية، بعد إضافة السلاح الكيماوي الى سلّة المطالب المتبادلة بين الثنائي الأميركي والروسي، لا بد أن يلحظ منذ الآن مقعداً على طاولات المفاوضات للنظام الإيراني.