الرئيسة \  واحة اللقاء  \  في الغوطة.. كانوا يريدون الحياة

في الغوطة.. كانوا يريدون الحياة

26.08.2013
فريهان الحسن

الغد الاردنية
الاثنين 26/8/2013
في الغوطة شرقي دمشق الفيحاء، ثمة منزل صغير، كان فارغا لا يكاد يحوي شيئا.. إلا قلبا بقي ينبض بالحياة.
الأم تحضّر ما تبقى من طعام أمس لأبنائها الأربعة وزوجها المتعب من وجع الوطن وقلة الحيلة.. لا تريد سوى أن تملأ الأمعاء الخاوية، ولو بالفتات، حتى يستطيعوا الخلود إلى النوم إلى الصباح عله يأتي بغد جديد ما يئسوا من انتظاره.
الأخت الكبرى، وإن لم تتجاوز 15 عاما، تطعم أشقاءها مبتسمة كي يصدقوا ما تقوله لهم بأنها لا تشعر بالجوع! هم لا يصدقون، لكنهم يكملون طعامهم، أو ما يشبهه، لأن ما توفر اليوم ربما لن يكون موجوداً غدا.
الأم تحتضن رضيعها بخوف، لا تريد له أن يختبر ما عاشه إخوته من ألم الظلم والقهر والانكسار! فهو صغير ما يزال، تصر على أن تلفه بأمل أن يحيى حياة أفضل من تلك التي يزورها الموت في كل لحظة.
يدوّي الانفجار! ترتجف وتضم فلذات قلبها إلى حضنها.. ويشرع أطفالها بطمأنتها: أمي، ما نزال بخير.. لا تقلقي! كأن كلا منهم يريد زرع السكينة في قلب الآخر. فيما لا يملك الأب الا أن يلقي نظرات اعتذار لأبنائه لأنه لم يستطع أن ينقلهم إلى عالم آخر أكثر أمانا وأفضل مستقبلا، بل يكفي أن يكون أقل دما وقتلا، فلا يتشرد داخل الوطن، نجاة بأبنائه وزوجته من موت بالمجان!
محمد الذي يبلغ من العمر 10 أعوام، يسرّ بحزن لشقيقته أنه اشتاق إلى اللعب مع أصدقائه الذين لم يعد يعرف عنهم شيئا.. يريد الخروج من حياة طالت داخل غرفة واحدة، اختفت منها الألعاب، وحل في جنباتها صوت المدافع والطلقات.
ترد شقيقته: المهم أننا ما نزال على قيد الحياة.. سنعود للعب كما كنّا؛ سنركض، سنفرح، سنسترق كل لحظة لنعوض بها عن هذا الخوف.. أمي ستضحك من جديد.. وأبي سيعود للعمل، فيجلب لنا ما نشتهيه من الأطعمة والحلويات.. ثم سيأخذنا معه لزيارة أولاد عمتنا!
في لحظة، ينظر كل واحد من أفراد العائلة إلى الآخر! نظرة تجمع بين الماضي والحاضر والمستقبل؛ فيها ملامح القهر في "الوطن"، حيث لا طعام ولا شراب ولا دواء ولا أمن.. ولا نجاة، حتى وإن كان كل ما يريدونه هو مواصلة الحياة أياً كان شكلها. هل هذا هو العذاب؟! أظن أن قليلا من كل هذا يكفي أن يكون كل العذاب.. بأبشع صوره!
لم يطلبوا سوى "العيش".. لكن حتى هذا يبدو كثيراً، بل وكثير حتى طلب الموت بسلام، لا بوابل من أسلحة كيماوية!
بقيت لهم نظرة أخيرة، بعد أن انتهت الأمنيات؛ نظرة كل منهم للآخر يصارع الموت اختناقاً.. الأم تحاول التمسك برضيعها لكنه يفلت منها.. والأبناء يذبلون كأزهار ما اكتمل تفتحها بعد، واحدا تلو الآخر..
1300 شخص أو يزيد، فما عاد العدد مهماً، معظمهم من الأطفال، شاهدناهم يختبرون لحظات الموت الأخيرة. كانوا حتماً يريدون الحياة، لكن تقرر قتلهم بالمجان، لا لذنب اقترفوه، سوى أنهم وقعوا بين أنياب نظام وحشي أنكر عليهم حقهم في الحياة، وبين مجتمع دولي أبى أن يحرّك ساكنا!
أرواح شهداء الغوطة ستبقى وصمة عار تلاحقنا جميعا مدى الحياة.
f.alhassan@alghad.jo