الرئيسة \  واحة اللقاء  \  في الموقف القطري الثابت من الثورة السورية

في الموقف القطري الثابت من الثورة السورية

05.10.2015
د. وائل مرزا



الشرق القطرية
الاحد 4/10/2015
مرةً أخرى، تُعيد دولة قطر التأكيد على موقفها الثابت والواضح من ثورة الشعب السوري. ومرةً أخرى، يأتي هذا الموقف على لسان أميرها من فوق منبر الأمم المتحدة، ليسمعه العالمُ أجمع في أضخم مناسبةٍ سنويةٍ سياسيةٍ عالمية. ومرةً أخرى، تروي قطر للعالم الرواية الأصلية للثورة، وتضعهُ أمام مسؤولياته حين تُصارحهُ بتلك الرواية، كما هي عليه في الحقيقة، بعيداً عن عمليات التزييف وخلط الأوراق الإعلامية والسياسية السائدة والمتصاعدة في الفترة الأخيرة.
فمن اللحظة الأولى، عند الحديث عن سوريا في خطابه أمام الجمعية العامة الأسبوع الماضي، يبسط الأمير جملة مُعطيات توضح طبيعة المُجرم وأفعاله وما يترتبُ عليها، وذلك حين يقول: "تتولَّد عن الأزمة السورية بأبعادها وتداعياتها الراهنة والمستقبلية نتائج كارثية على منطقة الشرق الأوسط، بل والعالم، في ظل استمرار الجرائم البشعة والأعمال الوحشية التي يرتكبها النظام بحق الشعب السوري، وتهديد كيان الدولة وشعبها، وخلق بيئةٍ خصبة لتفاقم ظاهرة التطرف والإرهاب تحت رايات دينية ومذهبية وعرقية زائفة تهدد الإنسان والمجتمع والإرث الحضاري في سورية والمنطقة".
يُسمي الأمير الأشياء بأسمائها: "الجرائم البشعة والأعمال الوحشية"، ويَذكرُ بكل وضوح مَن يقوم بتلك الأفعال: "التي يرتكبها النظام بحق الشعب السوري". ليست هذه إذاً حرباً على (الإرهاب) قامت مُصادفةً على الأرض السورية تستدعي نسيان كل شيء آخر وحشد الدول لمحاربته، في ردٍ غير مباشر على المبادرات الروسية التي تتمحور حول موضوع الإرهاب ولا شيء سواه.
لهذا، يشرح الأمير بشكلٍ مُفصل الصيرورة التي وصلت بالوضع في سوريا إلى ما هو عليه، مُذكراً الجميع بالحقائق التي يحاول الكثيرون طَمسها، وذلك في قوله: "في هذا السياق عبثَ النظام السوري بمفهوم الإرهاب، فسمى المظاهرات السلمية إرهاباً، ومارسَ هو الإرهاب الفعلي. وحين أوصلت أعمال القصف وقتل المدنيين الناس إلى تبني العمل المسلح، ودخلت بعض المنظمات غير الملتزمة بمطالب الثورة السورية ومبادئها فضاء العمل السياسي بدون استئذان، تحوّلت سوريا إلى ساحة حرب، فحاول النظام أن يخيف المجتمع الدولي مِن البديل".
فوق هذا، يُعيد الأمير تذكير النظام السياسي العالمي بنصيبه هو في عملية صناعة الأزمة السورية، بدل شرعنة جرائم النظام، عملياً، بدعوى عدم وجود (البديل)، وذلك من خلال التأكيد بأنه "كان على المجتمع الدولي أن يوقف المجازر في الوقت المناسب، ويوفّر الظروف للشعب السوري لإنتاج البديل العقلاني المدني العادل للاستبداد. وهل ثمة استبدادٌ في العالم يعترف أن له بديلاً؟ وهل يمكن، أصلاً، أن ينمو البديل ويتطوّر في ظله؟" مع الإشارة إلى أن "تقاعس المجتمع الدولي عن اتخاذ القرارات والتدابير اللازمة لإنهاء هذه الكارثة يُعَدُّ جريمة كبرى"..
هي "جريمةٌ" إذاً مع استمرار التقاعس المذكور، ومُرتكبُها هو المجتمع الدولي الذي يتظاهر باستنكار جرائم النظام. وحتى يكون هناك تقديمٌ للحلول العملية يُطالب الأمير بـ"تفعيل وتعزيز دور الجمعية العامة باعتبارها الإطار الأوسع للتعامل مع قضايا الشعوب في ظل عجز أو تقاعس مجلس الأمن عن إيجاد الحلول العادلة لها". ثم يدعو إلى "التعاون من أجل فرض حلٍ سياسيٍ في سورية، ينهي عهد الاستبداد ويُحِّلُ محلَّه نظاماً تعددياً يقوم على المواطنة المتساوية للسوريين جميعاً، ويُبْعد عن سورية التطرف والإرهاب".
يطرح الأمير الحل ويشرحُ طبيعته، وفي معرض الحديث عن إمكانية تطبيق هذا الحل يطرح السؤال الذي يجب طرحهُ بالتحديد بعيداً عن عمليات التضليل الإعلامي والسياسي، فيقول: "ليس السؤال إذا كان هذا ممكناً، فهذا ممكن إذا توفرت الإرادة لدى دول بعينها. إن السؤال المطروح علينا جميعاً هو: هل ترون أن استمرار الوضع الحالي في سورية ممكن؟ لقد تحول الصراع في هذا البلد إلى حرب إبادة وتهجير جماعي للسكان. ولهذا تبعات خطيرة على الإقليم والعالم كله، وحتى على الدول التي لا تستعجل الحل لأنها لا تتأثر بالصراع مباشرة، ولا تصلها حشود المهجرين"..
وعلى طريق استمرار مصارحة العالم بالحقائق المتعلقة بثورة الشعب السوري، جاءت أيضاً التصريحات القوية لوزير الخارجية الدكتور خالد العطية في مقابلةٍ مع وكالة رويترز. ففي معرض الحديث عن (مبادرات) روسيا أكد الوزير أنه "لا أحد يمكنه أن يرفض دعوة السيد بوتين إلى تحالف ضد الإرهاب. لكننا نحتاج إلى أن نعالج السبب".. وليكون الجواب واضحاً تماماً أضاف قائلاً: "نحن نعتقد بقوة أن النظام السوري - وتحديداً بشار الأسد- هو السبب الحقيقي".
لا مجال، في رؤية قطر، لقبول عمليات (الاستغباء) التي تحصلُ هنا وهناك تحت اسم المبادرات السياسية. لهذا، يقول الوزير بكل شفافية: "لا يمكننا أن نعمل معا ونقول (للأسد) حسناً.. أنت حليفنا في محاربة الإرهابيين الذين أوجدتهم أو أحضرتهم إلى هنا"..
ثم إنه ينتقل للحديث بشكلٍ صريح عن الآليات العملية الممكنة للوصول إلى الحل السياسي الذي يتحدث عنه الجميع، ثم يتصرفون وكأن طريقة الوصول إليه لغزٌ لا يمكن اكتشافه، رغم أنه يدخل في ألف باء السياسة. من هنا، يحل الوزير لهم هذا اللغز وهو يتحدث عن المقاومين الذين يتصدون للبراميل المتفجرة قائلاً: "إنهم بحاجة للحصول على وسائل للدفاع عن أنفسهم... عندئذ فقط سيدرك بشار أنه بحاجة للقدوم إلى الطاولة للتوصل إلى هذا الحل السياسي الذي يشمل رحيله".
وأخيراً، يُعيد الوزير ترتيب الأوراق التي يريد الكثيرون خلطها فيما يتعلق بالعلاقة بين الدفاع عن السوريين وهم يواجهون إجرام الأسد وبين واجب محاربة (الإرهاب)، وذلك بقوله: "لم نعالج جذور القضية.. لا يمكنك أن تجلب الشعب السوري وتجبره على الذهاب لمحاربة الدولة الإسلامية وحدهم... إن قضيتهم ليست الدولة الإسلامية بل النظام الحاكم. هم سيحاربون الدولة الإسلامية، لكن عليهم أن يحاربوا أولاً النظام الذي أوجد الدولة الإسلامية".
كبيرةٌ هي حاجة السوريين في كثيرٍ من المجالات. لكن من أكثر الأمور إستراتيجيةً بالنسبة لثورتهم عدمُ السماح للأطراف المُختلفة بممارسة أسوأ ما تنطوي عليه (لعبةُ الأمم) من عمليات تزييفٍ لرواية الثورة، وخلطٍ للأوراق، وتضليلٍ إعلامي وسياسي، واستخدامٍ خبيثٍ للأسماء والمُسميات، وإعادة ترتيبٍ للأولويات بشكلٍ مُخادع.
وبما أن صوت الثورة السورية ضعيفٌ في المحافل العالمية حين يتعلق الأمر بهذا الموضوع، لألف سببٍ وسبب، فإن قيام قطر بهذا الدور يُعتبر دعماً استثنائياً للشعب السوري وثورته يفوق كل نوعٍ آخر من أنواع الدعم والتأييد.