الرئيسة \  واحة اللقاء  \  في بداية الثورة

في بداية الثورة

25.02.2014
نزار حسين راشد


القدس العربي
الاثنين 24/2/2014
السورية، وقع كثير من الكتاب، في إغراء المقارنة بين الثورتين، السورية والليبية، وتوقعوا أن يلحق بشار بمعمر عن قريب، ربما للشبه القريب بين النظامين، والأواصر التي تربطهما معاً، وتشابه ارتباطاتهما الخارجية، ربما!
وبغض النظر عن سرعة التدخل الدولي لحسم الموضوع، والذي عجل بنهاية نظام معمر بلا شك، وسهولة التخلي الروسي، والذي أسهم أيضاً في تقريب هذه النهاية، إلا أن هناك خفايا لطبيعة التعاطي الدولي، لا تكشف إلا بالتظهير الضوئي، والتأمل المتعمق!
في السياسة ابحث دائماً عن النمط، فالتعاطي الدولي مع قضايا الشعوب المستضعفة، لم يتغير كثيراً، لا قبل ولا بعد ولا إبان الحرب الباردة، فحين تسعى المنظومة الدولية لإسقاط نظامٍ ما، وخاصةً في دولة من دول العالم الثالث، فهناك خطوات، ممنهجة، يتم ترتيبها بالتوازي والتعاقب، ففي الخطوط الأمامية الجماهير الثائرة، التي يتم تعبئتها بالتصريحات والإسناد الإعلامي وصولاً إلى الدعم المسلح، وفي الخطوط الخلفية: النخب السياسية والفكرية، التي تشرع في تعرية النظام والهجوم عليه، ورفع الشعارات التي تمثل طموحات الجماهير، وتغذيها بالكلمة والموقف والتصريح والتسويغ الأيديولوجي، وهنا مربط الفرس! فالنجاح أو الفشل في اختيار هذه الرموز، قد يسهم إيجاباً أو سلباً، في الإعاقة أو الدفع، وقد تحدد مدى التجاوب الجماهيري، والتحامه بالقيادة السياسية، من عدمه، والذي قد يحدث الزخم أو يحبطه! وهنا بالضبط كان النجاح الدولي في الحالة الليبية، والفشل في الحالة السورية!
من اليوم الأول، كانت النخب السياسية والثقافية الليبية، تترجم مواقفها بحسمٍ وجلاء، من نظام القذافي، كان هناك موقف، موحد، وواضح، ثابت وحسن التعبير، وبدأت عملية الإنشقاق والإنفضاض من حول النظام، من الديبلوماسيين والسفراء، والذي توج بانشقاق عبد الرحمن شلقم، ممثل ليبيا في الأمم المتحدة، وإطلاقه لعبارته الشهيرة، حين بكى على وطنه واستبكى:’إما أن أحكمكم وإما أن أقتلكم!’، ففي ضوء هذا الموقف المعبر والغامر، والمستقطِب للتعاطف الدولي، بدا التدخل العسكري، وكأنه جيش إنقاذ، يقوم فقط بوضع اللمسة النهائية، على النتيجة المحسومة سلفاً!
ملاحظة أخرى: فبالرغم من رفع الشعارات والرايات الدينية، ومن بينها الراية السوداء، في صفوف المقاتلين الليبيين، إلا أن قضية التطرف الديني، والخوف من تسلل أو سيطرة مقاتلي القاعدة، لم يبرز إلى الواجهة، وتم احتواؤه داخل المشهد نفسه، فهل كان ذلك عن قصدٍ وتدبيرٍ دوليين؟! أم أن تسارع الأحداث مكن من تجاوز هذه النقطة؟! التي توقفت عندها الثورة السورية كثيراً، بل ما زالت تراوح مكانها حول هذه النقطة بالذات!
النخب السورية، فشلت بدورها في توحيد موقفها، أو التعبير عن موقف يمثل التوجه الثوري، بقدر ما يدين ويضعف طرح النظام ومسوغاته! وظهر برهان غليون، ليقول إنه على استعداد لمصالحة إسرائيل، بعد نجاح الثورة، الأمر الذي ثبت أدعاءات النظام، عوضاً عن سحب البساط من تحته!
الثورة السورية اتخذت وجهاً إسلامياً، لم يكن ميشيل كيلو وجورج صبرة خير تعبير عنه! وهذه كانت الأصوات النخبوية الناطقة باسم الثورة السورية، والتي فشلت في صياغة منطوق موحد ومعبر! ثم توالت الشخوص والصيغ بين ائتلافٍ وتنسيق، وضاعت الطاسة، حتى انتهت بتنصيب شيخ عشيرة عوضاً عن وجه سياسي، والذي صفع مساعده على الهواء مباشرة، الأمر الذي صغره ومن معه في أعين الجميع!
وهكذا تقزمت الواجهة السياسية، لتنتهي بعقد مؤتمر جنيف’2 تحت القصف، والبراميل المتفجرة، والموت جوعاً، وحتى المساعدات الإنسانية أوقفت على عطف النظام وإحسانه، فأي فشل هذا!
الإنشقاق في صفوف النخب المتحلقة حول النظام السوري، توقف بعد الموجة الأولى، ولم ينتقل إلى صفوف الديبلوماسيين، وساحات السفارات، بعكس ما حدث في الثورة الليبية، وبسبب الفشل الذريع للتمثيل السياسي، الذي أشرنا إليه آنفاً!
وهكذا فلا شك أن الثورة السورية، ستشق طريقها عبر الالتفاف الشعبي، الذي وضعته نخبه السياسية والفشل أوسوء النية الدوليين، على شفير اليأس! ولا شك انه سيختار المزيد من التضحية، لأن بطش النظام وطائفيته وانتهاجه سياسة الإنتقام والعقاب الجماعي، لم يبق أمامه إلا ذلك الخيار!