الرئيسة \  تقارير  \  في حوار مع شيخ الحقوقيين السوريين.. كيف تتم شرعنة الجريمة في سوريا؟

في حوار مع شيخ الحقوقيين السوريين.. كيف تتم شرعنة الجريمة في سوريا؟

24.08.2022
أحمد الهواس


أحمد الهواس
الجزيرة
الثلاثاء 23/8/2022
آخن– الأستاذ هيثم المالح -الملقب بشيخ الحقوقيين السوريين- امتهن السياسة كما امتهن القضاء والمحاماة. وخلال 7 عقود خلت كان معارضًا للاستبداد وخنق الحريات ومدافعًا عن حقوق الإنسان، وقد بدأت معارضته للسلطة منذ الانقلابات التي حصلت في سوريا، ولكنها ازدادت مع استيلاء حزب البعث على السلطة في الثامن من مارس/آذار 1963 وفرض حالة الطوارئ.
تعرض للسجن والاعتقال مرات عديدة، ومُنع من السفر سنوات طويلة، وحين اندلعت الثورة السورية كان في السجن، وخرج بعد الأحداث بقليل وتوقع أن كرة الثلج ستكبر ولن يستطيع النظام عبر القمع السيطرة عليها، واضطر للخروج من سوريا في يوليو/تموز 2011.
وبعد خروجه من سوريا، أصدر عدة كتب ودراسات قانونية وحقوقية حول ما يجري في سوريا، ومنها كتابه المهم "سورية شرعنة الجريمة"، حيث يعد أول عمل قانوني يكشف عمل النظام لإضفاء الشرعية على "جرائمه".
الجزيرة نت زارت الأستاذ المالح في منزله بمدينة آخن الألمانية، وكان لها معه هذا الحوار:
أطلقتم على كتابكم "شرعنة الجريمة"، كيف تشرعن أو تقونن الجريمة؟
نحن في سوريا تعايشنا مع شرعنة الجريمة، فالانقلابات العسكرية جريمة والتغول العسكري على السلطة جريمة، وفرض حالة الطوارئ منذ انقلاب عام 1963 -الذي شارك فيه البعثيون والناصريون- جريمة، وانحسار القانون ومعاناة المواطن من التسلط وانتهاكات حقوق الإنسان جريمة، والمرسوم التشريعي لعام 1968 جريمة، الذي نصّ في مادته 16 على عدم جواز مساءلة عنصر الأمن إذا ارتكب جريمة في أثناء عمله إلّا بموافقة رئيسه، يعني حصانة لهذا المجرم من المساءلة ودفعه لارتكاب المزيد منها، ومن هنا بدأ مفهوم شرعنة الجريمة.
غلاف كتاب سورية شرعنة الجريمة
ترون أن حالة الطوارئ جريمة، رغم أنها جاءت كما يقول منفذو انقلاب الثامن من مارس/آذار نتيجة ثورة؟
أولًا، دعني أقل إن الثامن من مارس/آذار انقلاب قاده قوميون ابتلعوا من خلاله الدولة، وليس ثورة؛ فالثورة فعل شعبي ضد نظام فاسد لهذا توجد ما تسمى بالشرعية الثورية بوصف الشعب مصدر السيادة، أما ما جرى، فهو انقلاب واغتصاب سلطة وقيام سلطة لا شرعية، ثانيًا فرضت حالة الطوارئ لكي تحكم السلطة الانقلابية على هواها، وتستبد كما تشاء، ولذلك آتت حالة الطوارئ أكلها، فقد أدت لشلل الحقوق والحريات وسلطة القانون، بحيث أضحى التذرع بحالة الطوارئ في مواجهة أي حراك حقوقي أو قانوني، وأضحت القوانين في شلل. لقد انتهى البلد إلى حكم أمني قمعي، وغابت السلطة الرابعة "الصحافة"، وأصبح الناس في رعب دائم، حيث يعتقل الإنسان ويغيّب من دون أي سند قانوني تحت ذريعة "البلد تحت حالة الطوارئ" واستمر هذا الوضع نحو 50 عامًا حتى قامت الثورة السورية، فادعى رأس النظام رفع حالة الطوارئ وإلغاء محكمة أمن الدولة "سيئة الصيت" ليأتي بأبشع منها حيث عدّل المادة 17 من قانون أصول المحاكمات، وسحب الصلاحيات من النائب العام وأعطاها لرجل الأمن، وهنا يصبح رجل الأمن أعلى من القانون!
تقصدون أن النظام ابتلع السلطة القضائية؟
نعم، ففي سوريا لم تعد هناك سلطات واضحة، وليس فقط غياب فصل السلطات، وقد تركزّت السلطات الثلاث للأسف بيد شخص واحد بعد وصول حافظ الأسد، وقد شرحت ذلك لقاضي التحقيق العسكري حين اعتقالي عام 2009، ضمن كل هذه الاختراقات تم تعديل قانون السلطة القضائية، وتحزيب القضاء، وإدخال الحزبيين فيه فأصبح القضاء أداة من أدوات السلطة التنفيذية، التي يسيطر عليها العسكر بقيادة الأسد الأب الذي أورثها للأسد الابن.
المالح في حديثه للجزيرة نت - حوار مع الأستاذ هيثم المالح حول كتابه : سورية شرعنة الجريمة
القانون 49 لعام 1980، هل يكون القانون ضد العدالة؟
القوانين تفصّل وفق مزاج الحاكم، أقصد "الأسدين"، وليس ضمن متطلبات المصلحة الوطنية، فعلى سبيل المثال في أحداث حركة النقابات العمالية التي أربكت السلطة العسكرية، مع بداية حل النقابات والزج بالنقابيين في السجون، أصدر حافظ الأسد القانون 49 لعام 1980 الذي نص على إعدام كل منتسب لجماعة "الإخوان المسلمين"، فكان هذا القانون قمة في الاستهتار بجميع قيم حقوق الإنسان والدستور والمعاهدات الدولية، فهذا القانون يناقض دستور 1973 الذي صاغه الأسد الأب على مقاسة، وكذلك يناقض قانون العقوبات الأساسي وجميع المعاهدات الدولية والأعراف القانونية، وبالتالي فإن هذا القانون أبلغ مثال لما يسمى "القانون ضد العدالة". وهكذا أضحت القوانين والمراسيم التشريعية تستعمل لقمع الإنسان، بدل أن تكون أداة لحماية حقوقه، الخطير في الأمر ليس سن القوانين الظالمة بل إن القوانين تسن قبل الجرائم، وبالتالي يتم ارتكابها تحت ظل القانون!
تطرقتم في الفصل الثالث لطرق التعذيب في المعتقلات وحقوق المغيبين، ما الذي كان يجري في المعتقلات؟
هذه الأمور شرحتها بالتفصيل كما ذكرتم في الفصل الثالث، فضلًا عن كوني شاهد عيان، فقد سبق أن اعتقلت مع بداية الثمانينيات في أوج أعظم حركة للنقابات العمالية، وشاهدت الانتهاكات الجسيمة التي كانت ترتكب في السجون، من تعذيب وقتل خارج إطار القانون وممارسات لا أخلاقية بحق السجناء، تبدأ بالشتائم بألفاظ منحطة سوقية، إلى الضرب العادي واستعمال أدوات متعددة كالكرسي الألماني والتعليق وما إلى ذلك، وإذا قدر الله للمعتقل أن خرج من السجن، الذي أطلقنا عليه "الداخل إليه مفقود والخارج منه مولود"، فإن هذا المعتقل لا يمكنه اللجوء إلى القضاء لإنصافه، لأن القضاء كما بينت سابقًا أضحى أداة من أدوات القمع بمواجهة المواطن المعترض، وهناك جرائم ارتكبت في المعتقلات السورية سواء في زمن حافظ، مثل مجزرة تدمر، وأحكام الإعدام التي كان يوقع عليها مصطفى طلاس وزير الدفاع كما يفاخر بذلك في مذكراته، أو زمن بشار، حيث لدينا عشرات الآلاف من المغيبين وقد قمتُ بتوثيق آلاف الصفحات عن انتهاكات حقوق الإنسان وأسماء المفقودين ممن تمت تصفيتهم داخل مسالخ النظام.
الجرائم مستمرة
وختم المالح حديثه بالقول إن الجرائم التي ذكرها لم تتوقف عند التوصيف الذي سرده، بل إن ثمة جرائم أخرى ارتكبت بحق الشعب السوري خلال سنوات الثورة، ومنها أن النظام سقط بالشرعية الثورية، ولكنه استمر في السيطرة على الحكم، فضلًا عن ارتكاب عشرات المجازر ضد الشعب السوري، وجريمة الخيانة باستجلاب الغزاة لقتال الشعب الثائر، وكذلك جريمة التهجير القسري، وجريمة التغيير الديمغرافي وذلك بتوطين نحو مليون من القادمين من خلف الحدود.